تحشد المعارضة الجزائرية قواها للإبداء رفضها الشديد للزيارة التي يعتزم الرئيس الفرنسي القيام بها إلى الجزائر، وتتوقف تلك المعارضة كثيرًا أمام ملف جرائم الاستعمار الذي تطلب مراجعته والحصول على اعتراف به، قبل اي شراكة أو اتفاقيات اقتصادية. بودهان ياسين من الجزائر: تباينت ردود الفعل في الجزائر تجاه الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى الجزائر في التاسع عشر من الشهر الجاري. ففي الوقت الذي عبرت فيه احزاب سياسية معارضة على ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية قبل مجيء هولاند الى الجزائر، رأت احزاب اخرى محسوبة على السلطة بانها لا تعارض هذه الزيارة، وأن ما يتصل بالدبلوماسية القرار فيه يعود الى الرئيس بوتفليقة، يأتي هذا في الوقت الذي وصف فيه وزير الخارجية مراد مدلسي هذه الزيارة بأنها "ستشكل فرصة لتبادل وجهات النظر حول مواضيع تشغلنا إلى أقصى حد"، على حدّ تعبيره. ملفات كبرة وحساسة من المرتقب ان تناقش خلال هذه الزيارة عدة ملفات كبرى وحساسة، تشمل الذاكرة والتعاون الاقتصادي والسياسي وشراكة صناعية للدفاع والأمن، ويرتقب أن تسفر الزيارة عن نتائج ملموسة في محاولة من باريس لضمان تطبيع العلاقات مع الجزائر. حذرت مجموعة أحزاب وجمعيات من خلال مبادرة سياسية تتصل باشتراطات لتطبيع العلاقات الجزائرية الفرنسية السياسية والاقتصادية الرئيس بوتفليقة من ''التجاوب مع المطلب الفرنسي في قضية تعويض الأقدام السوداء والمعمرين عن ممتلكاتهم في الجزائر، باعتبار أن هذا الملف خط أحمر لا يمكن تجاوزه من أي كان ومهما كانت الظروف''. مبادرة ضد الاستفزاز حسب بيان صادر عن المبادرة تلقّت ايلاف نسخة منه فان هذه الأحزاب تحمل الرئيس ''المسؤولية الكاملة في حال استقبال أي من هؤلاء المعمرين والحركى القادمين مع الرئيس الفرنسي، بما يعد مساسا بمشاعر الجزائريين وتضحيات الشهداء''. وطالبت السلطات الفرنسية ''بالتخلي نهائيا عن طرح ملف استفزازي كتعويض هؤلاء الحركى والأقدام السوداء عن ممتلكاتهم المزعومة''. وطالبت المبادرة الرئيس بوتفليقة ''بتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية والسياسية في الدفاع عن مطالب الشعب الجزائري، وعلى رأسها موضوع الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم فرنسابالجزائر، وإنهاء سياسة النعامة في التعاطي مع هذا الملف''. واعتبرت أن ''أي مسعى لتطوير العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية إلى مستوى الصداقة يجب حتما أن يمر عبر بوابة الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم فرنسا ضد الإنسانية". ودعت إلى ''رفع الحظر عن مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر''، وطالبت ''بإرجاع الأرشيف الجزائري وتسليم خرائط الألغام وإعادة خزائن الممتلكات المنهوبة والآثار المسروقة''. ورأت المبادرة أنه يتوجب استغلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر ''لإثارة ملف العنصرية والتهميش والإقصاء التي تعاني منها الجالية الجزائريةبفرنسا، وربط تطوير العلاقات الجزائرية - الفرنسية بمدى تجاوب باريس مع الحل السياسي في شمال مالي والابتعاد عن التأزيم العسكري''. حقّ لا يسقط بالتقادم استنكر الأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي ما وصفه ب''محاولة'' بعض النافذين بمؤسسات الدولة محاولة وأد حق الجزائريين على فرنسا في الاعتذار والتعويض بدعوى سقوطه بالتقادم، تمهيدا لزيارة الرئيس الفرنسي للجزائر''. وشدد ربيعي الذي تحدّث ل"ايلاف"، على ضرورة "إدراج مطلب الاعتذار والتعويض ضمن جدول أعمال هذه الزيارة، وأن تتبنى الدولة هذا المطلب لأنه مطلب شعبي''. ودعا ضرورة الى أن ''تحكم العلاقة مع فرنسا الالتزام بالقواعد الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وليس على أساس الحظوة والأفضلية لفرنسا في الجزائر دون غيرها في المجال الاقتصادي والسياسي، ورئيسها الوحيد الذي يحظى بالخطاب أمام البرلمان بغرفتيه، دون الرؤساء من الدول الصديقة والشقيقة''. الطاهر بن بعيبش رئيس حزب الفجر الجديد اكد أن حزبه "ليس ضد مناقشة القضايا الاقتصادية بين البلدين، إلا انهم متخوفون فقط من فتح بعض الملفات على غرار قضية الحركى والأقدام السوداء في الجزائر والمطالبة بتعويضهم، مستغربا من مطالبة هؤلاء لحقهم "الشرعي" وهم مغتصبون لأرض الجزائر". الفصل لبوتفليقة من جانبه، قال المتحدث الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ميلود شرفي ل"إيلاف" أن موقف حزبه من هذه الزيارة "يتوافق مع الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية"، ذلك ان حزبه يساند وبقوة برنامج الرئيس بوتفليقة". واعتبر ميلود شرفي أن"قضايا السياسة الخارجية يعود الفصل فيها للرئيس عبد العزيز بوتفليقة فهو من يقرر فقط في كل القضايا المتعلقة بالدبلوماسية ونحن نسانده في كل توجهاته". مواضيع أهمّ من الاعتراف الرئيس السابق لتنسيقية أبناء الشهداء في الجزائر أحمد لخضر بن سعيد اعتبر في تصريحه ل"إيلاف" أن الشعب الجزائري ليس بحاجة لا إلى اعتذار ولا إلى اعتراف من فرنسا، الشعب الفرنسي يعتذر، وليس لدينا أية مشاكل معه، والدليل المادي الموجود لدى الجزائريين يكفيهم شرف أنهم أخرجوا المستعمر الفرنسي بالقوة، وثورة الجزائر معترف بها دوليًا، إن كان على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي". يضيف: "اليوم يجب أن نفتح ملفات تتعلق بالديون الفرنسية لدى الجزائر، هناك أشياء مقدسة يجب إسرجاعها من فرنسا ومن ذلك رفات الشهداء". ويرى أنّ النظام الفرنسي الحالي لا يتحمل وحده مسؤولية هذا الوضع، وإنما أنظمة الحكم المتداولة منذ الاستقلال وإلى اليوم تعمل بكل جهدها من اجل أن يكونوا طرفًا في تسيير الجزائر. ويتسائل: "كيف يمكننا القول إننا نمتلك السيادة الكاملة في وقت يوجد فيه عدد لا يستهان به من المسؤولين الجزائريين يحملون الجنسية الفرنسية؟" استحسان وتفاؤل وكالة الأنباء الجزائرية نقلت عن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي قوله بان هذه الزيارة "ستشكل فرصة لتبادل وجهات النظر حول مواضيع تشغلنا إلى أقصى حد " لاسيما "تلك المتعلقة بالوضع السائد حاليا في منطقتنا واشكالية التنمية التي تشكل موضوعا أولوي بالنسبة لشعوب قارتنا". واضاف الوزير حسب نفس المصدر أن "مبادرة الرئيس الفرنسي المتعلقة باعتراف فرنسا بمسؤوليتها في قمع مظاهرات 17 اكتوبر 1961 "تمثل رسالة سياسية هامة تعد بمثابة خطوة نحو اعتراف فرنسا بحقيقة تاريخها في بلادنا وبالأحداث المأساوية التي طبعت هذا التاريخ". وأوضح أن الجزائر "تستحسن بالتأكيد" هذه المبادرة التي تؤكد أن العلاقات بين الجزائر وباريس "يمكن أن تتعزز من خلال رؤية سياسية واضحة للمواضيع التي تعتبر من الطابوهات".