تشهد العاصمة الكينية نيروبي أزمات مرورية خانقة، تُطيل أمد بعض الرحلات إلى ساعات عدة، ما يجعلها واحدة من أصعب رحلات التنقل في العالم. ووسط المرور المزدحم والتلوث ونمط قيادة السيارات الصاخب، تتميز بعض حافلات نقل الركاب، المعروفة باسم «متاتو» في اللغة السواحيلية، بميزة مختلفة؛ إذ تُوفر للركاب الاتصال اللاسلكي المجاني بالإنترنت «واي فاي»، ما يتيح لهم الاطلاع على الأخبار أو متابعة حساباتهم في الشبكات الاجتماعية. وتُمثل هذه الحافلات، التي تسع الواحدة منها بين 14 و24 راكباً، جزءاً من تجربة شركة «سفاريكوم» للاتصالات الساعية لجذب مزيد من الأشخاص لاستخدام الإنترنت، في منطقة يلعب فيها السعر الدور الحاسم في قرارات الشراء أو الاشتراك في خدمة ما. ويحمل برنامج الشركة اسم «فوما أونلاين»، وتعني كلمة «فوما» باللغة السواحيلية «تهب سريعة وقوية»، ويستهدف توفير الاتصال اللاسلكي في أماكن تجمع بين مستخدمي التكنولوجيا المتحمسين مع المبتدئين منهم، ما قد يجذب مزيداً من الأشخاص لخدمة الشركة المدفوعة. وتوفر «سفاريكوم» لأصحاب الحافلات معدات الاتصال مجاناً مقابل تحصيل 2000 شلن كيني (أي ما يُعادل 23 دولاراً) شهرياً لكلفة البيانات، ويتضمن ذلك خصماً بنسبة 30% على سعر التجزئة، وفي مقابل ذلك، فكثيراً ما تحصل الحافلات المجهزة بخدمة «واي فاي» على الركاب أسرع من غيرها، وينتظرها كثيرٌ منهم. وبحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية، جلس الطالب الجامعي البالغ من العمر 23 عاماً، مويندا كانيانجي، في إحدى الحافلات المُجهزة بالاتصال بالإنترنت يكتب تحديثاً في حسابه في «فيس بوك»، ويتصفح الإنترنت في طريق عودته للمنزل. واعتبر أن خدمة «واي فاي» طريقة جيدة للتغلب على الملل في رحلته التي تستغرق ساعة عبر شوارع نيروبي المزدحمة. لكن لا يهتم جميع الركاب بالإنترنت، ففي الحافلة نفسها التي أقلت كانيانجي لم يستخدم الإنترنت سوى نصف الركاب الذين اقترب عددهم من 20 شخصاً، ومن بينهم مديرة منزل في ال24 من عمرها، قالت إنها لا تمتلك بريداً إلكترونياً، فضلاً عن حساب في موقع «فيس بوك»، وهو حال جميع أفراد عائلتها. وتتطلع شركة «سفاريكوم» إلى جذب مثل هذه السيدة، وأشار المشرف على التسويق عبر الإنترنت للشركة، جيدون كاريمي، إلى بحث «سفاريكوم» في الأماكن التي يوجد بها المتعاملون المحتملون، ومنها حافلات «متاتو»، التي يقضي بها معظم متعامليهم ساعتين أو ثلاثاً يومياً. وفي الوقت نفسه، تبث «سفاريكوم» إعلانات في الراديو والتلفزيون، وتوزع أوراقاً تشرح للجمهور بعض ما يمكنهم الحصول عليه عبر الإنترنت، مثل نصائح في الزراعة ونتائج مباريات كرة القدم، كما تؤكد بعض الإعلانات أن إنشاء حسابات في «جيميل» و«فيس بوك» مجاني تماماً. وبحسب كاريمي، فإن ذلك يهدف إلى إتاحة المجال للمحادثات بين المستهلكين حول شبكة الإنترنت، وقال إن «موظفي الشركة لاحظوا أن بعض الركاب في حافلات (متاتو) المزودة بالاتصال اللاسلكي يشرحون استخدم الإنترنت لبعضهم بعضاً، كما يُفسر السائقون الهواتف الذكية للركاب الذين يتساءلون عن سبب عدم تمكن هواتفهم العادية من الاتصال بالإنترنت». وتتبع «إيرتل كينيا»، التابعة لشركة الاتصالات الهندية «بهارتي إيرتل»، منهجاً مختلفاً، وتركز على استهداف الأشخاص الراغبين في استخدام الإنترنت والقلقين من كلفة الاتصال، ولذلك تمنحهم الشركة وصولاً مجانياً لبعض التطبيقات الشعبية مثل «فيس بوك»؛ على أمل أن يدفعهم ذلك لاستخدام الإنترنت على نطاقِ أوسع. ولا يقتصر الأمر على شركات الاتصالات المحلية، فتسعى بعض من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم لضم مليارات الأشخاص إلى مستخدمي الإنترنت، ويوجد الكثير منهم في إفريقيا؛ فوفقاً لبيانات «الاتحاد الدولي للاتصالات» تستخدم نسبة 16% من إجمالي سكان إفريقيا البالغ مليار نسمة الإنترنت، ما يقل عن مناطق أخرى مثل آسيا (32%)، والمنطقة العربية (38%). ومع ذلك، تُعد إفريقيا المنطقة الأسرع عالمياً في نمو استخدام الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، إذ ارتفعت نسبة الاستخدام إلى 11% العام الماضي، مقارنةً مع 2% في عام 2010، بحسب بيانات «الاتحاد الدولي للاتصالات». ويكمن العامل الأهم في زيادة أعداد المستخدمين في الوصول إلى طرق تجذب كثيراً من الأشخاص ممن يجدون المكالمات الهاتفية باهظة الكلفة، ولذلك تُمول شركات منها «غوغل» و«فيس بوك» تجمعات تعمل على خفض كلفة الوصول إلى الإنترنت مثل «التحالف من أجل إنترنت ميسور الكلفة». كما تتعاون شركة «إنتل» مع مُصنعي الهواتف في إفريقيا لخفض كلفة الهواتف الذكية التي تستخدم معالجاتها، وافتتحت «آي بي إم» في نوفمبر من العام الماضي مركزاً للأبحاث في كينيا في مراهنة على دور الابتكار المحلي، وللتركيز على دور التكنولوجيا في تحسين الخدمات العامة والتعليم والائتمان، وسبق أن مولت «مايكروسوفت» و«غوغل» مراكز للشركات الناشئة في نيجيرياوكينيا وجنوب إفريقيا. وفي الواقع، تمثل نيروبي، التي ارتفع عدد سكانها من نصف مليون نسمة في سبعينات القرن العشرين، إلى ما يزيد على ثلاثة ملايين حالياً، مركزاً متميزاً للمشروعات الناشئة في مجال التكنولوجيا في القارة الإفريقية، ويُطلق عليها أحياناً «سافانا السيليكون» في إشارة لتجربة «وادي السيليكون» في الولاياتالمتحدة الأميركية، وتضم نيروبي ست حاضنات تقنية للشركات الناشئة. وبحسب الحكومة الكينية، يستخدم نحو نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 40.7 مليون نسمة، الإنترنت بصورة ما، ومع ذلك يبقى الاتصال اللاسلكي «واي فاي» مقتصراً إلى حدٍ كبير على المنشآت الراقية، مثل المطاعم ذات الأسعار المرتفعة والمطارات. وتقول «سفاريكوم» إنها على استعداد لتحمل الخسائر الحالية من دون أن تُفصح عن تكاليف برنامج «فوما أونلاين» حتى الآن، وبدأ البرنامج في عام 2012 ب20 حافلة «متاتو» فقط، وتوسع حالياً ليضم 3000 حافلة تتنقل في مختلف أنحاء البلاد. وتُمد الشركة برنامجها «فوما أونلاين» إلى أماكن أخرى؛ وتُثبت مُوجهات «راوتر» في محطات السكك الحديدية ومحال الحلاقة في البلدات الصغيرة، كما تُسيّر حافلات مُجهزة بموجهات إلى المناطق الريفية في أيام السوق لعمل نقطة اتصال «واي فاي» مؤقتة، ويستخدم موظفو الشركة مُكبرات الصوت للإعلان عن توافر الاتصال بالإنترنت، كما يساعدون المتسوقين في إعداد حسابات بريد إلكتروني. الامارات اليوم