بعد أن يكون "حزب الوردة" (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، قد أنهى مؤتمره بانتخاب كاتبه الوطني الجديد إدريس لشكر، وقيادته السياسية الجديدة، تكون الدورة التنظيمية قد انتهت بالنسبة للأحزاب الكبرى، التي عقدت مؤتمراتها العامة قبل نهاية ،2012 لتكون سنة 2013 سنة خاصة في روزنامة العمل السياسي والحكومي معاً . فالأحزاب أعطت ما عندها من قيادات جديدة، وشببت أو حافظت على السائد داخلها سياسياً وتنظيمياً، والأحزاب الرئيسة، التي تشتغل إما في الأغلبية أو في المعارضة، حاولت أن تقترب من منطوق الدستور الجديد في انتخاب قياداتها للمرحلة المقبلة، ولما يمكن أن يكون عليه الحزب في مغرب اليوم والغد . من اللافت للنظر أن المؤتمرات الحزبية لهذه الأحزاب قد مرت كل منها بطعم خاص، فحزب العدالة والتنمية جرى مؤتمره في جو احتفالي، فهو الحزب الحاكم الذي كرس الاستمرارية في صفوف قيادته السياسية مع بعض التجديد، وأعاد تنظيم صفوفه يما يستدعيه وجوده الجديد في مقدمة التدبير الحكومي، مع الاحتفاظ بالحق في ممارسة هامش من المناورة السياسية، "فالصقور" لابد أن تحلق عالياً، ولكي تفعل ذلك يلزمها هامش طيران أكبر وسماء مفتوحة، وليس سقفاً واطئاً . ولذلك بدا الحزب وكأنه يوزع نوعاً من الأدوار المتفق عليها، لعب في الحكومة ولعب في مربع المعارضة، والنتيجة، ممارسة للحكم بنفس المعارض السياسي، والحكم بمنطق المواجهة، فالحزب يعرف أن له خصومات في الأحزاب وخارجها، لذلك ابتدع طريقته الخاصة في إطلاق قيود صقوره كي ترفرف بين الحين والآخر خارج السرب . وإذا كان العدالة والتنمية قد حافظ على البناء الرأسي للحزب، فإن حزب الأصالة والمعاصرة، الخصم السياسي لحزب بنكيران، عمد إلى انتهاج تغيير راديكالي في قيادته، فقد اختفت العديد من الوجوه التي ارتبطت بالفترة التأسيسية، وجاء رجل تقني هو مصطفى الباكوري كي يشرف على إدارة شؤون الحزب، في المقابل يبدو أن حكيم بنشماس الذي يترأس المجلس الوطني ل"حزب الجرار" هو الذي يقود "الأصالة" رسمياً، وهو الذي يولد المواقف التي يعبر عنها الحزب اتجاه التجربة الحكومية لبنكيران، في حين يقوم إلياس العماري بدوزنة الأداة حتى يستقيم العمل . في الجهة الأخرى، خاض حميد شباط الأمين العام الحالي لحزب الاستقلال حرباً ضروساً من أجل إخضاع حزب الاستقلال لمشيئته، أو لنقل على وجه التدقيق للجناح النقابي لحزب علال الفاسي، وهو في هذا لعب كل الأوراق واستعمل كل الأسلحة، حتى أنهك خصمه عبدالواحد الفاسي، وطلع أميناً عاماً للحزب وغصة كبيرة في حلق الفاسيين لم تبرأ بعد، ولاتزال آثارها جارية أمام المحاكم . اليوم يريد "حزب الوردة" (الاتحاد الاشتراكي) أن يجدد نفسه، وأن يعتلي منصة السياسة من جديد، وبين هذا الأمل في الرجوع إلى معترك الفعل السياسي ولو من موقع المعارضة، ووضع العين على الانتخابات الجماعية المقبلة ولإفراز قيادة سجالية من مستوى ما يتوفر عليه العدالة والتنمية والاستقلال، ومعالجة الأعطاب التنظيمية والجراح الذاتية التي تراكمت منذ حكومة عبدالرحمن اليوسفي الأولى، بين كل هذا المحيط من الأمواج المتلاطمة ومن الخلاصات السلبية التي استخلصها الحزب من مشاركته في التدبير الحكومي خلال 14 سنة، يحاول "حزب الوردة" أن ينهض من جديد، وعينه على سنة ،2013 التي لو أردنا أن نقرأ فنجانها، لقلنا إنها ستكون سنة الفرز النهائي والحسم وخلق اصطفاف جديد، سيحمل أحزاباً إلى "العهد الحكومي" الجديد، ويجني غلال موسم الربيع العربي . وقد أكد النائب الأول الجديد إديس لشكر الذي انتخب خلفاً لعبدالواحد راضي، أن حزبه سيبقى في المعارضة ما لم يستجد جديد على الساحة السياسية المغربية . تم اختيار لشكر، وهو محام مرموق، بعدما تجاوز ثلاثة مرشحين آخرين هم أحمد الزايدي، وفتح الله ولعلو، والحبيب المالكي . تسير سنة 2013 إلى كشف ملامحها من الآن، قوامها استقرار سياسي وتنظيمي داخل الأحزاب الكبرى لأربع سنوات مقبلة، والقطع نهائياً مع "أسلوب الانشقاق" فلم يعد شيء يصلح للشق لا في السياسة ولا في غيرها، في حين أن الانتظارات تكبر والآمال تتحول إلى خيبات، والدولة تكسب المزيد من النقاط على حساب الفاعلين في السياسة وفي المجتمع المدني، لتتحول السنة المقبلة إلى سنة "توظيف مباشر" وبدون مباراة، للدولة ومن أجل الدولة . مطالب حقوقية أورد التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن سنة 2012 تميزت باستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من تعذيب ممنهج واعتقال سياسي، وبانتهاك الحريات الفردية والجماعية بشكل عام والتراجع على عدد من المكتسبات التي تحققت في هذا المجال وتمادي الدولة في تماطلها في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وخرقها للعديد من الالتزامات التي اتخذتها اتجاه المنتظم الدولي بتطبيق مقتضيات الاتفاقيات المصادق عليها والتجاوب مع توصيات اللجان الأممية المعنية بها . كما عرفت احتجاجات في العديد من المناطق من أجل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وضد التهميش والإقصاء ونهب الثروات الطبيعية لمناطقهم مطالبين بسياسة تنموية حقيقية . وأكدت الجمعية المغربية استمرار حركة 20 فبراير نضالها في احتجاجها ضد الاستبداد والفساد ومن أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية رغم تصاعد القمع ضد نشطائها، ومواجهة تظاهراتهم السلمية ومطالبهم المشروعة بالعنف الشديد والاعتقالات وتلفيق التهم والمحاكمات الجائرة والانتقامية . واعتبرت الجمعية أن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي كشفت عنها تقارير العديد من الجهات، وفي مقدمتها تقارير الهيئات والائتلافات الحقوقية المغربية والمنظمات الدولية وكذلك، تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الخاصة بالتعذيب وسوء المعاملة والممارسات المهينة، تنتقص من قيمة المكاسب التي أحرزتها الحركة الحقوقية هذه السنة من خلال قرار المغرب التصديق على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري و3 بروتوكولات ملحقة باتفاقيات وعهود سبق وصدق عليها المغرب، والتي في كل الأحوال مازالت مساطر التصديق تنتظر التنفيذ العملي، وإصدارها في الجريدة الرسمية وملاءمة القوانين المحلية مع مقتضياتها، وتطبيقها . من جهة أخرى، أكد التقرير أنه على مستوى الوضع الاتفاقي مازالت العديد من التزامات المغرب بشأن التصديق على الاتفاقيات الدولية لم يتم تنفيذها . فباستثناء اتخاذ الحكومة قراراً بالتصديق على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وعلى البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، والبروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن هذا القرار مازال ينتظر التنفيذ، كما أن المغرب لم ينفذ بعد التزامه بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، والانضمام إلى اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، كما لم يصادق على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية 87 حول الحرية النقابية وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وعلى مستوى الوضع الاتفاقي: مازالت العديد من التزامات المغرب بشأن التصديق على الاتفاقيات الدولية لم يتم تنفيذها . فباستثناء اتخاذ الحكومة قراراً بالتصديق على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وعلى البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن هذا القرار مازال ينتظر التنفيذ، كما أن المغرب لم ينفذ بعد التزامه بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام . والانضمام إلى اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية . كما لم يصادق على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية 87 حول الحرية النقابية وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ومازال المغرب مطالباً كذلك برفع التحفظات على عدد من الاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل، كما أن العديد من الاتفاقيات لم يتم إصدارها في الجريدة الرسمية، ولم تتم ملاءمة القوانين المحلية معها . ومازالت بعض التقارير الدورية التي تصبح ملزمة للمغرب بمجرد تصديقه على الاتفاقيات لم يضعها الحكومة لدى الهيئات الأممية المعنية أو راكم تأخراً بشأن مواعيدها المحددة بمقتضى الاتفاقيات . إيجابيات وسلبيات لكن أكبر نقص تسجله الأوساط الحقوقية في المغرب، هو ذلك المتصل بالمستوى التشريعي وتعتبر الجمعيات الحقوقية أن العديد من القوانين المغربية لا تستجيب لمتطلبات الملاءمة وفي مقدمتها الدستور المغربي الذي يتطلب احترام الديمقراطية عند صياغة المشروع التي يجب أن تكون من صلاحية ممثلي مختلف القوى الحية بالبلاد، أو من حيث المصادقة عليه عبر استفتاء ديمقراطي حر ونزيه، أو من حيث المضمون الديمقراطي الذي يجب أن يؤكد بالخصوص على السيادة الشعبية، وعلى الشعب كمصدر لكل السلطات، ويقرّ بشكل واضح بقيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، من ضمنها المساواة، وعلى رأسها المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، ويقرّ بالحكومة كجهاز يتوفر على كافة الصلاحيات التنفيذية، وبالبرلمان كمؤسسة تتوفر على كافة الصلاحيات التشريعية والرقابية، وعلى القضاء كسلطة، وعلى الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى الفصل بين الدين والدولة، وأن يقر بكافة الحريات بما فيها حرية العقيدة، وباللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية من دون تأجيل أو مفاضلة . وإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تؤكد مطلب الدستور الديمقراطي كبوابة لبناء دولة الحق والقانون، تعتبر أن التعديل الدستوري لفاتح يوليو ،2011 قد حافظ على الجوهر الاستبدادي للدستور رغم تنصيصه على عدد من الحقوق والحريات واعترافه بالهوية الأمازيغية لأول مرة . وسجلت الجمعيات الحقوقية التأخر الملحوظ في إخراج القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور والتي يعرقل غيابها عدداً من مضامينه، ما يجعل الشق المتعلق بالحقوق والحريات، مجرد نصوص نظرية غير قابلة للتطبيق . وتمنت العديد من النصوص التي جرى إخراجها هذه السنة مسجلة الدور الذي لعبته الحركة الحقوقية في الوقوف ضد الصيغة الأولى لمشروع القانون حول الضمانات الممنوحة للعسكريين التي سارعت الحكومة بإعداده، المتضمن لحصانة تامة للعسكريين من أي محاسبة عند انتهاكهم للقانون وحقوق الإنسان، والذي تمت مراجعته بشكل خفف من تلك الحصانة بعد المعارضة التي لقيها . كما تميزت هذه السنة أيضاً بإصدار "قانون التعيين في المناصب العليا" الذي تميز بتعزيز سلطة الملك عبر الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للمؤسسات التي أدرجت ضمن المؤسسات التي يعين مسؤوليها مقارنة مع تلك المعهودة لرئيس الحكومة . لكن الحركة الحقوقية في المغرب لاتزال تطالب بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية والتصدي للقمع، ومعبرة عن استيائها بسبب مرور سبع سنوات كاملة على إنجاز تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وحل الهيئة وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (قبل حله بدوره وتعويضه بالمجلس الوطني)، والسلطة التنفيذية بتطبيق قرارات وتوصيات الهيئة، من دون تطبيق النتائج التي تم التوصل إليها . تجلى ذلك في عدم الكشف عن مصير سائر المختطفين، وعدم تحديد هوية الرفاة وتسليمه للأسر الراغبة في ذلك، وعدم استكمال الحقيقة بالنسبة لمجمل الانتهاكات، وضعف الغلاف المالي المخصص لجبر الأضرار، وعدم وضوح المعايير المعتمدة لذلك، وعدم احترام متطلبات الحفاظ على الذاكرة وعدم اعتذار الدولة الرسمي والعلني للضحايا وللمجتمع، وعدم إطلاق سراح ما تبقى من معتقلين سياسيين بل تمت إضافة معتقلين سياسيين جدد، والمماطلة في إجراء التوصيات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية الكفيلة بتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلاً، ومنها توصيات لا تتطلب جهداً مالياً أو تقنياً، مثل الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية وإلغاء عقوبة الإعدام التي لا تتطلب سوى الإرادة السياسية .