مارلين سلوم أين نحن من "كان"؟ أين حضور يوسف شاهين ويسري نصرالله وغيرهما في ذلك المهرجان؟ سؤال يدور في بال أي عربي وهو يجول بنظره في برنامج مهرجان "كان" السينمائي الدولي للدورة 67 الحالية، خصوصاً أنه شعر منذ الأعوام الأخيرة الماضية بأن السينما العربية بدأت تتحرك وتثبت وجودها أكثر فأكثر في مختلف المهرجانات العالمية، وبأنها قادرة على تحقيق نجاح أكبر بفضل تنشيط حركة التصوير والإقبال المتزايد للشباب على الإخراج السينمائي . لكن "كان" جاء بلا تمثيل حقيقي ومهم للسينما العربية، وكأننا اكتفينا بتميز المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، لنتركه وحيداً في مواجهة "الكبار" في المسابقة الرسمية . دائماً ما يدور الحديث عن "وساطات" ومحسوبيات في المهرجانات العالمية، وأن البعض يحجز لنفسه مقعداً مسبقاً ويضمن الفوز بأي فيلم يقدمه، بينما يتم استبعاد مخرجين معينين لأسباب سياسية أو "عنصرية" . هذا الكلام صحيح لكن ليس دائماً، ولا ينطبق على كل المهرجانات وفي كل الحالات، ولا بد أن يفرض المخرج الجيد نفسه رغماً عن أي لجنة تحكيمية قد تميل إلى التمييز بين فلان وعلان . لذلك، لا يجوز أن يغرق البعض في فكرة "المؤامرة" على الأفلام العربية، كي يدافع عن هذا الغياب اللافت في مهرجان "كان" . ففي المسابقة الرسمية للفوز بالسعفة الذهبية، كادت السينما العربية أن تغيب بشكل تام لولا الفيلم اليتيم "تمبكتو" للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو . وقد اختار سيساكو كعادته نقل صورة عن الواقع المر، من خلال صورة مقربة لما عانته مدينة تمبكتو في الفترة الأخيرة، ويعرض جانباً من تعامل الجماعات الإسلامية المسلحة والعنف . سيساكو يشارك أيضاً كعضو في لجنة تحكيم مسابقة "سينيفونداسيون" والتي يرأسها لهذه الدورة المخرج الإيراني عباس كياروستامي . طبعاً هناك أفلام أخرى مشاركة في المهرجان إنما خارج المسابقة الرسمية، وهناك مشاركات "على هامش المهرجان" وهي لفتات مهمة تجذب صنّاع السينما وتفتح أبواباً للتسويق والدعم والترويج، وهي التي يعول عليها بعض الشباب والجهات الإنتاجية الضعيفة التي تحتاج إلى دعم وشراكة من جهات عالمية أخرى لتقديم أفلام جيدة . ومن الأفلام العربية المشاركة، "شلاط تونس" للتونسية كوثر بن هنية والذي تم ترشيحه من قبل جمعية الأفلام المستقلة للتوزيع إلى جانب ثمانية أفلام طويلة من مختلف أنحاء العالم . الفيلم السوري "ماء الفضة" للمخرجين أسامة محمد ووئام بدرخان يندرج ضمن المختارات الرسمية للمهرجان، لكنه يعرض خارج المسابقة، وهو من النوع التوثيقي حيث صوره المخرجان بكاميرا الهاتف النقال، بلا "روتوش" وبلا ماكياج، مباشرة من قلب حمص والشوارع الحزينة في أجواء الحرب والحصار والموت . وئام صورت جزءاً من الفيلم أثناء وجودها في حمص، وأرسلته إلى أسامة المقيم في فرنسا، وهناك تم تجميع المشاهد والمقاطع مع بعض الإضافات، ليخرج الفيلم كشاهد على الحياة في سوريا، أو كشاهد يقدم للعالم من قلب مهرجان "كان" صورة عما يحصل في سوريا . المخرج المصري عمر الزهيري يشارك في مسابقة سينيفونداسيون "التي أسست لمساعدة السينمائيين الشباب، بفيلم "ما حدث بعد وضع حجر الأساس لمشروع الأساس بالكيلو 375" . بعيداً عن إطار الأفلام الطويلة، أصبح للسينما العربية باع في تقديم الأفلام القصيرة، وأصبحت هذه النوعية الملعب الذي يجيد التحرك فيه أغلبية صناع الأفلام العرب، وتنشط فيه الحركة الإماراتية، حيث تشارك twofour 54 في هذه الدورة من المهرجان بخمسة أفلام قصيرة هي: فيلمان إماراتيان الأول "13:37" من إخراج عيسى السبوسي تدور أحداثه حول الدراما السيكولوجية في المستقبل . والثاني لمصطفى عباس "حالة غروب" عن قصة شخصين الأول روائي أمريكي الجنسية والثاني طالب إماراتي يجد كل منهما العزاء لنفسه عندما يستمع لقصة حياة الآخر . الفيلم الثالث مصري اسمه "الأطلال" ومستوحى من الأغنية التي تحمل الاسم نفسه لأم كلثوم، وقد أراد مخرجه حازم مهدي إبراز مجموعة من الاستكشافات البصرية لحالات الأسر وآثار الانفصال . الرابع سعودي "مع الوقت" للمخرج ملاك قوته عن حالة الخوف التي قد يعيشها بعض الأطفال في منازلهم بمناطق مختلفة من العالم . وخامساً الفيلم العراقي "هذه ليلتي" للمخرج علاء شاكر عن العلاقات بين الناس في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، مستنداً إلى أحداث من واقع الحياة في العراق . وإذا كانت twofour 54 تعتبر مختبراً للإبداع الفني في أبوظبي، فإن مشاركة أفلام من إنتاجها في مهرجان "كان" هي باب يطل من خلاله الشباب العربي وليس فقط الإماراتي على السينما العالمية، وفرصة ليراهم صنّاع هذه السينما فيدعمهم علهم يقدمون أفلاماً طويلة لاحقاً ومن إنتاج مشترك ويتم تسويقها في الخارج، كما تفعل نادين لبكي مثلاً في اعتمادها على الدعم من أكثر من جهة ومن بينها فرنسا، لتتمكن من تقديم أفلامها والوصول بها للعرض في أوروبا . مهرجان "كان" لا يجذب الأنظار إلى مسابقته الرسمية للفوز بالسعفة الذهبية فقط، بل هناك محطات مهمة على هامشه تكون هي الحدث أيضاً، والمشاركة فيها تفتح أبواباً كثيرة . حتى النجوم العالميين يشاركون فيها ويعتمدون عليها لدعم أعمالهم، فهل ما زالت السينما العربية مترددة وضعيفة إلى حد التراجع بهذا الشكل الواضح عن المهرجانات؟ نتمنى أن تنشط حركة السينما العربية بدءاً من الترويج إلى التسويق كي تتمكن من الوصول إلى المشاركة وبقوة في المسابقات الكبرى قبل أن نترحم على الماضي ونقول: "كان" يا ما كان . الخليج الامارتية