مواضيع ذات صلة عبد الوهاب بدرخان لم تعد هناك ذرَّة شك في أن نظام المالكي ماض في أخذ العراق إلى مناخات الخوف والترهيب التي سادت في عهد صدام . فالحديث مع العديد من العراقيين، سياسيين ومثقفين ومواطنين عاديين، ومن انتماءات مختلفة، يفضي إلى مثل هذا الحكم. كان بعض المراقبين يخشى سابقاً أن يتعاطف مع شكاوى ضحايا المالكي، أو أن تفوته صعوبة حكم العراق وبالتالي الحاجة إلى حاكم صلب يتقن الشدَّة بمقدار ما يُعمل القانون ويحترمه. ولكن تكاثر الوقائع الفئوية والمبالغات في استخدام القوى الأمنية بمنحى ميليشيوي فجّ أصبح جزءاً من الواقع ولم يعد مجرد شك أو اشتباه. أتيح لي في الآونة الأخيرة أن أوجه السؤال نفسه إلى العديد من العراقيين، بينهم موالون معجبون بالمالكي وخصوم له. كان السؤال عن قضية نائب الرئيس طارق الهاشمي. لفت الطرفان إلى أن الهاشمي كان في إحدى المراحل قريباً من المالكي، حتى أن أحدهم قال إنه كان «حليفاً» له. كان الخصوم حاسمين في يقينهم بأن القضية «ملفقة» من ألفها إلى يائها، ولم يكن الموالون جازمين بأن الاتهامات صحيحة، بل إن بعضهم أبدى إعجابه بالحبكة المحكمة التي استخدم المالكي فيها سيطرته على الجهاز القضائي حيث رفع سيف «اجتثاث البعث» مخيِّرا المرشحين للاجتثاث بين إقصائهم أو الامتثال أسوة بما كانوا يفعلون في العهد السابق. كان المالكي ضرب ضربته ضد الهاشمي وأغرقها في سياق اليوم التالي للانسحاب الأميركي واندفاعه إلى تأكيد سلطته، فاختار المسؤول السني الأعلى مرتبة ورماه بأكثر الاتهامات خطورة، واستطراداً الأكثر قابلية للمطِّ والتلاعب. وفي غضون وقت قياسي كان اعتقال العشرات وحصل على «اعترافات»، ثم أصبح الملف بسرعة جاهزاً للمحاكمة، وكان مفهوماً مسبوقاً أنه يستطيع الحصول على الحكم الذي يريده لتأكيد إقصاء الهاشمي عن المشهد السياسي. وقبل ذلك كان لجأ إلى الترهيب والترغيب لشق صف «الحزب الإسلامي» الذي يعتبر الهاشمي من قادته، وتمكن من تزكية شخوص ترتاح إليهم طهران على رأس هذا الحزب. ليس معروفاً بدقة إذا كانت ثمة صلة بين وقائع اجتماع المالكي مع جلال طالباني وبين الجلطة الدماغية التي أصيب بها الرئيس بعد الاجتماع مباشرة. هذا لا ينفي أن «مام جلال» يمر منذ عامين بحال صحية هشة ومضطربة اضطرته للغياب فترات طويلة في رحلات علاج، ما يعني أن الجلطة كانت مما يمكن توقعه. لكن مرض طالباني واحتمالاته ترك انطباعاً مقلقاً بأن الرجل الوحيد الذي يحسب المالكي له حساباً يوشك أن يغيب. لكنه لم يغب بعد، ومع ذلك فما أن غادر إلى ألمانيا للعلاج حتى استدار المالكي ليضرب مجدداً، وفي الاتجاه نفسه مستهدفاً «الشريك السني» في تركيبة الحكم. هذه المرة لم ينتقل وزير المال رافع العيساوي إلى أربيل، بل وقف أمام الكاميرات في بغداد ليروي علناً كيف أن وزارته ومكتبه ومنزله دهمت حين كان في اجتماع يضم وزراء آخرين وعدداً من كبار المسؤولين، وكيف أن القوة الأمنية الأشبه بميليشيا مجهولة الهوية كسرت وخربت ثم اعتقلت جميع أفراد حمايته واقتادتهم إلى جهة لا يعلمها. إنه السيناريو ذاته. لكن العيساوي تحدّى المالكي وطالب باستقالته أو بحجب الثقة عنه لأنه «لا يؤمن بالشراكة ولا يحترم القانون ولا الدستور». وليس المالكي من يأبه لمثل هذه الاتهامات، فهو سبق أن غضب من صالح المطلك الذي وصفه ب«الديكتاتور». ثم صالحه واستبقاه نائباً له. ومن الواضح أنه استفاد من تلك التهمة ليرسخ لدى العراقيين صورته كحاكم قوي. وبعد مراكمته السلطات الأمنية والقضائية والسياسية في يده، يبدو أن العيساوي لا يسهّل له سيطرة كاملة على السلطة المالية، لذلك يسعى إلى إزاحته بتهمة جاهزة هي «الإرهاب»، لكنه استنفر عشيرة العيساوي في الفلوجة. أحد السياسيين العراقيين لخّص الموقف كالآتي: طالما أن المالكي هو نقطة التقاطع والتوافق الضمني بين الأميركيين والإيرانيين فلن يستطيع أحد زحزحته، لا خصومه الشيعة، ولا الأكراد ولا السنة. وعلى رغم مبالغته في التفرد بالحكم فإن رعاته الخارجيين يرون ممارساته مبررة، بذريعة أنه يعرف مصالحهم ويرعاها، ولا تهمهم تقارير الأممالمتحدة عن فساد القضاء والأمن. أما التوتر الحالي بين بغداد وأربيل فسيبقى عند هذا الحد، والمالكي يستخدمه لتعزيز شعبيته.