يبدو أن عام 2012 لم تنته معجزاته السينمائية في مجال الرسوم المتحركة، وجاء آخرها "ذي هوبيت، رحلة غير متوقعة"، الفيلم الذي يروي قصة رحلة ملحمية تدور أحداثها في زمن ما قبل سلسلة أفلام "سيد الخواتم"، لنفس المخرج النيوزيلندي بيتر جاكسون، والمأخوذة عن الرواية الأصلية "ذي هوبيت" للروائي الإنجليزي جون تولكين الصادرة عام ،1937 وهو من إنتاج شركة "مترو غولدوين ماير" الأمريكية، بطولة مارتن فريمان، إيان ماكلين، كيت بلانشيت، أندي سيركس، إليجاه وود، ريتشارد أرميتاج، بنديكت كومبرباتش، وأندي سيركس . "ذي هوبيت" الذي يعرض في الصالات السينمائية في العالم حالياً، هو الفيلم الأول من ثلاثة أفلام متتالية تم تصوير اثنين منها إلى الآن، وقد رصدت للمجموعة شركة "مترو غولدوين ماير" مبلغ 574 مليون دولار كتكلفة إنتاجية . وسنشهد العام المقبل ظهور الفيلم الثاني وانطلاق تصوير الفيم الثالث . تعد الرواية قصة استباقية للأحداث التي شاهدناها في الجزء الأول لسلسلة "سيد الخواتم"، حيث تتناول مغامرات بيبلو باغينز (مارتن فريمان)، عم الصغير فرودو (إليجاه وود)، الذي ظهر على هيئة رجل عجوز في سلسلة "سيد الخواتم" . وفي "ذي هوبيت" تحكي الأحداث مغامراته وهو في ريعان شبابه، ونراه يرويها لفرودو قبل أن ينطلق الأخير برفقة زميله لتدمير الخاتم . تتمثل المغامرة في قيام بيلبو برفقة مجموعة من الأقزام بتكليف من الساحر العجوز "غاندالف" لاستعادة كنوز مملكة الهوبيت المفقودة "إريبور" والتي غزاها التنين الأسطوري "سماج" منذ زمن بعيد . من هنا يبدأ بيبلو رحلته الأسطورية مصطحباً 30 من أقزام الأرض الوسطى "دوارفز"، وبقيادة المحارب الأسطوري "ثورين أوكينشيلد"، ليهجروا ثقوبهم الحارة وسط الطبيعة الساحرة الدافئة، إلى أودية الجبال والكهوف الضبابية في رحلة محفوفة بالمخاطر . وخلال توجههم للأراضي الواقعة غرب وشرق "الجبل الوحيد"، كان عليهم أولاً أن يمروا عبر أنفاق "جوبلين" الغامضة، حيث يقابل بيبلو المخلوق "غولوم" الذي سيغير مجريات حياته إلى الأبد . أثناء مغامراته الشيقة، لم يتعلم بيبلو المتواضع، الدهاء والمكر من غولوم فحسب، بل استطاع أيضاً أن يستحوذ على خاتم قيم كان بحوزته، والذي له علاقة وثيقة بمصير ومستقبل مملكة وسط الأرض بأكملها، على نحو لم يدركه بيبلو في بادئ الأمر، ليستمر في مغامراته من أجل فهم ذلك اللغز . لكن نهاية الفيلم لن تكون نهاية المغامرات، إذ إن سلسلة أفلام "الهوبيت" تستكمل بفيلمين آخرين من المقرر عرضهما نهاية عامي 2013 و 2014 على التوالي لتكملة القصة الملحمية للأقزام "الهوبيت" وقصة استردادهم لمملكتهم المفقودة . يعد العمل الملحمي تحفة سينمائية من الصعب أن تتكرر، وتم تصويره بنيوزيلندا في العديد من الأماكن التي تتسم بجمال الطبيعة مع إضفاء الديكورات والمؤثرات التي تشعرنا بأننا في عالم من الأحلام والخيال والسحر، مع مؤثرات صوتية وبصرية تفوق تقنيات سلسلة أفلام "سيد الخواتم" . وحرص جاكسون على تصوير ثاني سلسلة ملحمية له وعرضها لأول مرة داخل مسرح "إمباثى سياتر" بمدينة ويلينعتون بنيوزيلندا في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما أطلق نسخته التجارية في الولاياتالمتحدة ودول عدة منتصف الشهر الجاري . وعلى الرغم من عرض الفيلم في أواخر أيام السنة، فقد لحق "ذي هوبيت" بقطار جوائز الأوسكار، والذي يتوقع العديد من النقاد أن يحصل على أكثر من جائزة بسبب تقنياته التي استخدمت لأول مرة في تاريخ السينما الأمريكية، وتم ترشيحه من قبل أكاديمية فنون وعلوم الرسوم المتحركة ضمن قائمة تضم عشرة أفلام لنيل جائزة الأوسكار لأفضل مؤثرات بصرية، والتي سيعلن عنها رسمياً في العاشر من يناير/كانون الثاني المقبل، ليقام حفل توزيع الجوائز في 24 فبراير/شباط المقبل . ومنذ أوائل أيام تصويره حتى عرضه الأول، انتشرت الصور والرسومات والتماثيل الضخمة التي تجسد شخصيات الفيلم الأسطورية لتزين الشوارع والمقاهي ودور العرض في نيوزيلندا، كذلك شهد الفيلم ميزانية دعائية ضخمة، تمثلت في حجم الإعلانات والملصقات الدعائية التي استخدمت ولأول مرة على واجهة طائرات الخطوط الجوية النيوزيلندية ليكون أول إعلان طائر . وكان الاحتفاء بالفيلم منقطع النظير من قبل سكان نيوزيلندا الذين ينظرون إليه كصناعة وطنية تحاكي نظيرتها في هوليوود من حيث المؤثرات والتقنية العالية المستخدمة في تصويره . وبرز الاحتفاء الجماهيري والتشوق الشديد لعرض الفيلم خلال عرضه الرسمي الأول بمدينة ولينغتون، حيث تكلف الافتتاح فقط ما يزيد مليوني دولار، وقد انبهر الزوار القادمون من الخارج لحضور الحفل حينما لاحظوا أن كل شيء فى المدينة معد للاحتفال بعرض الفيلم وكأنه حدث تاريخي، وتبدأ مظاهر الاحتفال من مطار نيوزيلندا، من خلال عرض فيديوهات الرسوم المتحركة على شكل "الهوبيت" التي ترشد المسافرين وتطلعهم على وسائل الأمان، كذلك صالة الاستقبال الرئيسة يتدلى منها مجسم ضخم لشخصية غولوم محاولاً الإمساك بسمكة ليأكلها، وبمجرد الخروج للمدينة تنتشر أعلام على شكل شخصيات الهوبيت ترفرف على كل أبنية المدينة التي حول المسؤولون اسمها من ويلينغتون إلى "Middle of the middle earth" أو "مركز الأرض الوسطى"، في إشارة إلى القارة الخيالية التي اختلقها الروائي البريطاني جون تولكين مؤلف رواية الهوبيت، والتي تدور حولها قصة الفيلم . كذلك تم تصميم تمثال ضخم للساحر غاندالف، الشخصية المحببة إلى قلوب الأطفال، في استقبال الزوار على بوابة "إمباثي سياتر" . كما ترقب الآلاف من المعجبين حفل الافتتاح واضطر بعضهم إلى المبيت أمام المسرح لحجز مكان متميز لرؤية نجوم الفيلم عن قرب . وحضر الحفل المخرج النيوزيلندي على رأس فريق عمله برفقة مارتن فريمان ومجموعة من أبطال الفيلم، وبرز الكندي جيمس كاميرون، مخرج فيم "أفاتار" بين المدعوين، وكذلك رئيس الوزراء النيوزيلندي جون كي، وأحيا المغني والملحن النيوزيلندي نيل فين الحفل الموسيقي الذي أقيم على مسرح السجادة الحمراء لتلك المناسبة . رغم احتفاء المدينة ب "ذي هوبيت"، إلا أن شركة الإنتاج "مترو غولدوين ماير" كانت على وشك نقل تصوير الفيلم إلى دولة أخرى غير نيوزيلندا، بعد المشكلات التي واجهتها مع نقابات الممثلين المحلية بشأن الأجور في أكتوبر/تشرين الأول ،2010 إلا أن الحكومة النيوزيلندية تدخلت وقبلت تعديل قانون العمل لإنقاذ الفيلم، كما تم التوقف عن العمل مرات عدة بسبب مشكلات في التمويل ما اضطر شركة الإنتاج للاقتراض من أموال دافعي الضرائب بما يعادل 14 في المئة من التكلفة الإجمالية، التي وصلت إلى 575 مليون دولار، بالمقارنة مع 246 مليون دولار تكلفة إنتاج سلسلة أفلام "سيد الخواتم" منذ أكثر من عشر سنوات . ولكن رئيس الوزراء جون كي صرح ضاحكاً بأنه على يقين بأن الأموال التي تم إنفاقها ستعود بحجم كنز التنين "سماج" . كما أوضح أن نيوزيلندا تعول على فيلم الخيال والمغامرات لزيادة أعداد السياح الوافدين إليها، لذا تقرر ترك كواليس وديكورات الجُزْأين الأول والثاني من الثلاثية، اللذان تم تصويرهما في مدينة "ماتاماتا" جنوبي أوكلاند كما هي وتحويلها إلى معالم سياحية . ويأمل "كي" في أن يحقق عرض الجزء الأول في شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، والجزء الثاني في عام ،2013 زيادة في أعداد السياح تفوق الزيادة التي حققتها سلسلة الأفلام الخيالية "سيد الخواتم" . تحوِّل الفيلم إلى موضة وانتشارها بين أوساط الجماهير، أصاب بعضهم بحالة من الإحباط أثناء مشاهدتهم للقطات الإعلانية ، حيث جاءت تعليقاتهم على العديد من البرامج واستطلاعات الرأي معبرة عن إستيائهم من المؤثرات المستخدمة في الفيلم الذي يبدو وكأنه مصنوع للتلفزيون وليس بغرض العرض السينمائي، ولكن الممثل إيان ماكلين أوضح للجمهور أن تلك المؤثرات لم تظهر بالشكل المطلوب في المشاهد الإعلانية، وقال مدافعاً عن الفيلم إنه تم تصويره بتقنية ثلاثية الأبعاد لذا لا يمكن أن نلاحظها أثناء العرض الإعلاني على شاشات التلفزيون غير المؤهلة لإظهار تلك التقنيات . ولكن هذا التقدم التكنولوجي الهائل للفيلم لم يمنع النقاد من توجيه اتهامات للمخرج بسبب اعتماده تكنولوجيا تصوير تعرض الفيلم بمعدل إطار عالي التردد يصل إلى 48 إطاراً في الثانية على شاشات السينما غير المجهزة لذلك، ما يسبب إحساساً بعدم الارتياح لدى الكثيرين أثناء المشاهدة، وهو الأمر الذي لم ينكره جاكسون، ولكنه دافع عن موقفه بأن تلك التكنولوجيا لا مفر منها فى المستقبل القريب وخاصة فى مجال الصورة ثلاثية الأبعاد بهدف إضفاء الواقعية على الصورة والحركة داخل الفيلم، ليضمن تعايش الجمهور مع الحدث . كثير من المحللين أكدوا أن مواكبة تلك التكنولوجيا في الوقت الحالي، سوف يتحملها أصحاب دور العرض من خلال إجراء العديد من التعديلات على أجهزة العرض "بروجكتور" وتطويرها لتواكب التردد الجديد للحفاظ على الصورة من دون أي تشتت أو ازدواجية . ويعتبر جاكسون وجيمس كاميرون مخرج فيلم "افاتار" من أنصار تلك التكنولوجيا، لكن أنج لي مخرج فيلم "حياة باي" كان له رأي آخر، حيث قال، إنه من دور هذا التردد الجديد في إضفاء الواقعية الشديدة على الصورة، إلا أنه من غير المعقول أن يحل كل المشكلات المتعلقة بالصورة، بل ويمكن أن يتسبب في مشكلات أخرى أثناء العرض ما سيؤدي إلى فشل الفيلم، وأضاف: أنه يمكن تطبيق هذا التردد تدريجياً حتى يعتاد عليها الجمهور . فجاء رد جاكسون حاسماً، بقوله إن إيقاف تطوير تكنولوجيا المؤثرات البصرية بالفيلم الآن أمر لن يحدث، حيث إن الجميع ينتظر الفيلم بفارغ الصبر كي يشاهدوا عملاً لم يشاهدوه من قبل من خلال تجربة مثيرة لم يسبق لها مثيل . كما وافقه الرأي ممثلون من شركة الإنتاج "ورنر برذرز" التي ستتولى مهمة التوزيع، وسلسلة دور العرض "ريجال"، حينما أعطوا له الضوء الأخضر فى المضي قدماً في رحلته الخيالية الشيقة وإتمامها بالفيلم الثالث الذي ينتهي من تصويره قريباً بالتقنية نفسها، كما وافقت شركة "ريجال" على تطوير 2700 دار عرض كمرحلة أولى لعرض "ذي هوبيت" . واللافت أن الفيلم سوف يطرح ثلاثة أنواع للفيديو: ثلاثية الأبعاد، وثنائية الأبعاد وآي ماكس ثلاثي الأبعاد، حيث ستكون كل صيغة بالترددات 24 و48 إطار فى الثانية ليرضي كل الأذواق . ويقول جاكسون: علينا التريث حتى منتصف الشهر الحالي لنعرف ما يقوله الجمهور نفسه تجاه الفيلم . ولمزيد من الإبهار والإثارة فقد استخدم جاكسون مؤثرات صوتية من خلال تكنولوجيا "دولبي آدموس" من أجل تقديم مسار صوتي أكثر طبيعية وواقعية، حيث يقوم بتحريك الصوت حول الجماهير وفوقهم ليشعرهم بالانتقال إلى عالم الأرض الوسطى داخل أحداث الفيلم، وعدم الاكتفاء بمجرد مشاهدتها . تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من التكنولوجيا الصوتية أحدث ثورة في تجربة الصوت في عالم الترفيه، حيث تسمح لمصممي ومازجي الصوت بالوصول إلى مستوى جديد من التحكم المبتكر، وتضمن حصول جمهور السينما على جميع المؤثرات الصوتية لهذا المزج الصوتي بغض النظر عن تجهيزات صالات السينما . كما يتوقع المحللون أن يتصدر إيرادات السينما الأمريكية "Box Office" منذ الأسبوع الأول لعرضه في الولاياتالمتحدة، كما سوف يحقق أكثر من مئة مليون دولار في أقل من شهر بسبب مواكبته لأعياد رأس السنة .