مواضيع ذات صلة طيب تيزيني في مقابلة مع مجلة «بروفايل» النمساوية، يطرح الشاعر أدونيس (على أحمد سعيد إسبر) التساؤل التالي: «كيف يمكن بناء أسس دولة بمساعدة نفس الأشخاص الذين استعمروا هذا البلد؟». أما هذا التساؤل فيطرحه أدونيس على المعارضة السورية في الخارج. ويعلن موضحاً أنه «لا يدعم المعارضة السورية ضد الأسد، وأي تدخل عسكري غربي في سوريا ستكون له نفس عواقب غزو العراق عام 2003، وسيدمر البلد». وفي تحديد الموقف من الإسلاميين، يتحدث أدونيس عن «أنه أعجب ببداية الثورات في العالم العربي، لكنه تحول إلى انتقادها مع وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس ومصر». ويقرر أدونيس أنه «لا توجد إسلاموية معتدلة». ومن ثم، يشبه «الإخوان المسلمين» ب«الفاشيين». ورأى أن الثورات في العالم العربي «لا يمكن أن تنجح إلا إذا قامت على أسس علمانية». تلك مواقف وآراء أعلن عنها أدونيس، فاتحاً، بذلك مع آخرين باب الحوار حول الثورة السورية، وهذا أمر إيجابي. لكنه يستبق هذا النقاش، ليقرر -كما رأينا- أنه لا يدعم المعارضة السورية في قضيتها الحاسمة: لا للاستبداد والقهر. وسنأخذ ذلك عليه، وهو الذي عاش سنين مديدة خارج سوريا، ونقارن هذا الموقف بموقف برهان غليون الذي عاش خارج سوريا عقوداً، وعلى رغم ذلك تصوّر الموقف حين تسلم قيادة المجلس الوطني السوري لعدة دورات (وبالمناسبة، كان ذلك عيباً في نظر الكثيرين ومنهم الوزيرة كلينتون)، حين أعلنوا أن أعضاء سوريين في ذلك المجلس عاشوا أربعة عقود خارج سوريا، ليأتوا بعد ذلك ويتصدروا مجالس الكفاح في سبيل الثورة السورية، عبر الهاتف وأمثاله! لكن ذلك لا يمنع أبداً أن يشارك في «حوار الثورة السورية» هذا وذاك وذلك، بكل أطيافهم وحيثياتهم السياسية والفكرية وغيره. وإذا كان أدونيس محقاً في انتقاده فكرة تدخل عسكري غربي في سوريا، فإنه في الوقت نفسه كان جديراً به الإشارة إلى أن النظام السوري هو الذي طرح فكرة تدخل عسكري بكيفية عملية، حين راحت الإمدادات العسكرية من أسلحة وعتاد عسكري وغيره تأتي إلى سوريا من روسيا وإيران و«حزب الله»، عدا مجموعات من الرجال والخبراء، إضافة إلى أن مجموعات الثورة من الشباب بدأت سلمية، وظلت كذلك إلى مدى أشهر تالية وكنت شاهداً على ذلك. ويضاف إلى هذا استخدام أسلحة محرمة دولياً في تدمير البلاد وقتل العباد. ويبرز في حوار أدونيس موقفه من الإسلاميين ووصولهم إلى السلطة. وهو -في هذا- يضع الإسلاموية والإسلامية في مستوى واحد. وهذا غير دقيق بالاعتبارات الثلاثة النظري والمنهجي والعملي. وفي تعرّضه لهذه المسألة، لاحظ أن الإسلاموية لا توجد منها صيغة معتدلة، وهذا صحيح ودقيق، على النقيض من الإسلامية، التي تحتمل الاعتدال والبعد المدني والمواطنة مثلاً. فالإسلاموية من الصيغتين السابقتين لا تتحمل التوقف عند «الإسلامية»، التي تمثل تقرير حالة ذهنية دون التنظير لها: فهذا الرجل أو ذاك إسلامي في اعتقاده، أخذ ذلك على سبيل الولادة، وتقبله، دون إضافة شيء أو حذف شيء منه. أما في الصيغة الأولى فالرجل ينظر لموقفه خصوصاً في النظر إلى مفهوم المقدس المطلق على أنه يخصّ النص الديني، الذي يأخذ به. فالمقبول ها هنا هو الإسلامي وليس الإسلاموي، الذي يقود إلى التشدد والرؤية المغلقة، وهذا يعرفه أدونيس. والسؤال التالي يصبح وارداً: هل نقف في وجه الخيارات الفكرية والاعتقادية القائمة على الحرية، أم نرفض الإملاء والقسر في الخيار؟ أضف إلى ذلك أن إسلاماً سلفوياً متشدداً لا وجود له، في العموم، بسوريا، وكذا الأمر فيما يتصل بظاهرة الطائفية. فهذه لم يكن لها جذر عريق مديد في حياة السوريين، وإنْ ظهر شيء منها رداً على الثورة أو الانتفاضة السورية. بل لعلنا نقول، إن ما جاء على لساني وزير الخارجية الروسي والموفد الدولي الإبراهيمي ربما يصبح النظر إليه بوصفه جهلاً بواقع الحال السوري، أو -وهذا شيء مقيت- من حيث هو نمط من تجييش طائفي، يوظف لتسويغ الخيار الخاطئ، الذي طرحه الإبراهيمي. أما جماعة «النصرة» وغيرها فلا يعتد بعددها.