بوابة الشروق 43,762 مليون دولار، أي ما يقرب من 270 مليون جنيه مصري، هو ثمن شراء تراخيص برمجيات الحواسيب المكتبية والخواديم المستخدمة في مؤسسات وهيئات حكومية من شركة مايكروسوفت، قرار أصدره مجلس الوزراء وأعلن عنه على صفحات التواصل الاجتماعي ظناً منه أن مستقبليه سيكونوا بنفس بلادة وفقر خيال حكومته، وسيمررون مثل هذا القرار دون فضح تخاذل الدولة وإهدارها الملايين بالرغم من وجود العديد من البدائل، بحسب تقرير موقع "حركة الاشتراكيين الثوريين" الرسمي اليوم. وقال التقرير، إنه في ظل حديث مستمر عن رفع للضرائب على السلع وارتفاع لعجز الموازنة واستدانة من صندوق النقد الدولي بشروط مجحفة ستدفع البلاد الى تطبيق سياسات تقشفية، نجد هذا القرار الاقتصادي ليبرهن لنا عن عمق إدراك حكومة قنديل للأزمة، ومدى دراسة الحكومة لكل قرار حتى لا تلجأ لاتخاذ أي قرار قد يكون ظالماً لملايين الفقراء في مصر. وأضاف: "قرار آخر يُضاف إلى سلسلة قرارات إهدار المال العام والذي جاء على رأسها في الفترة السابقة قرار غلق المواقع الإباحية والذي سيكلف في أقل التقديرات 100 مليون جنيه دون حتى أن يحقق الهدف المرجو منه، وقد أيدته الحكومة بالطبع احتراماً لأحكام القضاء بالرغم من عدم تنفيذها لأي من أحكام استرداد الشركات المنهوبة بل وقد طعنت في بعضها". ومضى قائلا: "بجانب إهدار المال العام، يُعد تعامل الحكومة شبه الدائم مع شركة مايكروسوفت الاحتكارية محل تساؤل؛ فحتى في التدريبات الإلزامية للموظفين والطلاب للحصول على رخصة قيادة الحاسب "ICDL" نجد البرامج المستخدمة جميعها برامج مايكروسوفت وهو ما لا يحدث في بلدان أخرى، مما يخلق أجيالاً كاملة معتمدة بشكل أساسي على شركة بعينها دون ترك المجال لأي بديل آخر". وأشار إلى أنه كالعادة نجد دور المنظمات المجتمعية في طرح البديل، ألا وهو المصادر المفتوحة. فقد عملت تلك المنظمات لسنوات لنشر الوعي بالفكرة ودعم البرمجيات الحرة والتدريب عليها لمحاولة خلق بيئة داعمة لها ترفض أن تظل تحت رحمة شركات احتكارية مستغلة، ولذلك كان من الطبيعي رفض قرار الحكومة وسياساتها المنبطحة دائماً لمثل هذه المنظمات. وقد أصدرت منظمات البرمجيات الحرة بياناً يناقش أهم أسباب رفضها للقرار ويناقش لماذا على الحكومة التخلي عن القرار وتبني البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر. وقال التقرير إن العالم يتجه نحو البرامج مفتوحة المصدر لأنها اقتصادياً، في حالة بناء تطبيقات الحكومة بالبرمجيات الحرة مفتوحة المصدر، فذلك سيخفض النفقات إلى أقل من 20%، كما أنه سيعتمد بشكل أساسي على الشركات المحلية الصغيرة التي تدعم البرمجيات الحرة بدلاً من توجيه الأموال لشركة أجنبية احتكارية. علاوة على أن البرمجيات المفتوحة أيضاً تتيح فرصة تعديل التطبيق أو إصلاح عيوبه أو تطويره بحسب الغرض وهو ما سيضع حداً لاستنزاف الأموال الذي تستفيد منه الشركة المحتكرة لدى كل تطوير. أما تقنياً، فليست هذه الحالة الأولى من نوعها التي تطبق فيها البرمجيات الحرة في حكومات؛ فوزارة الدفاع الأمريكي بدأت منذ عام 2008 بالاعتماد الكامل على البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر، كما أنه يوجد اتجاه عام في دول نامية ومتقدمة عدة للتحول إلى استخدام البرمجيات الحرة حصرياً في تطبيقات الحكومة والمؤسسات العامة، مثل الهند والبرازيل وماليزيا. كما أن لدينا تجربة أيضاً في مصر مع استخدام البرمجيات الحرة في موقع الانتخابات والذي قدم للناخبين بيانات عن قيدهم في الجداول الانتخابية من استفتاء 19 مارس 2011 مروراً بانتخابات مجلسي الشعب والشورى وحتي استفتاء الدستور الأخير. أما على المستوى الأمني، فنظم المعلومات الوطنية ذات الطبيعة الحساسة يجب أن تعمل ببرامج مفتوحة المصدر. وبالرغم من كل هذه المميزات والتي ناقشها وفد من ممثلي الجمعية المصرية للمصادرالمفتوحة مع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلا أنه لن يتم التراجع عن الصفقة لحرص مصر على تكثيف التعاون مع كبرى الشركات العالمية الرائدة لنسمع نفس العبارات الجوفاء المشددة على فوائد هذا التعاون في دعم الاستثمارات الخارجية. وعلى الرغم من ذلك يعد الوزير بالتحول التدريجي للبرمجيات الحرة مع العلم أن هذه الصفقة ممتدة لأربع سنوات وأن أي تطبيق جديد تتبناه الحكومة يجب بالطبع أن يخضع لمناقصة وهو ما يغلق الباب أمام الشركات المحلية للبرمجيات الحرة لعدم انطباق الشروط عليها. إذاً فالحكومة في الحقيقة لا تسعى إلى التحول إلى المصادر المفتوحة وهو في الحقيقة ليس لعداء شخصي بين الحكومة والمصادر المفتوحة؛ فالأزمة في الأساس في منظومة اقتصادية تستكمل إرث النظام السابق المفتقر للخيال والقاتل له. الأزمة أزمة سياسات بالية تجد الحل دائماً في الاقتراض وفرض إجراءات أكثر تقشفية على الفقراء، ولا تتردد في دعم الأغنياء ورجال الأعمال والشركات الاحتكارية على حساب الفقراء من شعبها.