الأربعاء 02 يناير 2013 09:41 مساءً أموت في الشيطنة يا ناس ، لا أجمل من طفل معجون بماء العفرتة ، لا أرهب من عوض ابن جارنا ، ابنة خالي تشد شعر رأسها بسببه كل يوم ، تعكف على تدريسه الفروض ؛ فيرمي إلى وجهها بمأزقه من فكرة الدراسة بأكملها ، يتفلسف و يتفلسف ، بعمق لا يدركه كثير ممن حوله ،عن نفسي لا أصدق أن طفلاً في الصف الثاني يقف محاججاً فرضاً مدرسياً يخيّره بين هل أن معاملة أخيه الأكبر يجب أن تكون بالاحترام أو بالشدة ؟ و يختار الشدة ، من باب المصداقية يجزم أنه و أخوه الأكبر يتعاركان أحياناً و هذا في وجهه نظره لا ينافي فكرة الاحترام ، يتنهد و يقول : إيش من مدرسة دي تعلمك الكذب ؟ " ،كان هذا بعد أن غلّطته معلّمة اللغة العربية على اختياره الشفاف ، فلسفات عوض لا تنتهي ، و عطشه للمعرفة يذهل من حوله ، يكره المنهج الدراسي و يصفه بالأهبل ، " إيش لهم يتحكموا فيبي؟ ، اشرب بيدك اليمين ، ارمي القمامة بالمكان المخصص ، احب أمك و أباك ، دحين دي دراسة ؟ يسأل في أغلب الأوقات ، و تحمل الريح سخريته أبعد من قهقهاتنا ، ذات مرة صادرت المعلمة شنطته و طلبت قدوم و لي أمره في اليوم التالي ، أحكم خطته و أطلق تصريحا تأليبياً لأشقياء الحارة " عوض ما بينام بالبيت و شنطته بايتة بالمدرسة " ، ذهب المتنمرون للمدرسة و أعادوا لعوض الشنطة العزيزة التي كما قال تعب و هو يحملها كل يوم على ظهره و من غير المسموح للمعلّمة الغبية أن تأخذها هكذا " بارد مبرّد " ، ضحكت والدته عندما دخل كالفاتحين و الشنطة في حضنه من جديد ، " أووووه يقصف عمرك ، اللي بيقول انك تفتحها واصل " قالت خالة سوسن ، لكنه ألجمها بسؤال لا يخرج إلا من تلافيف جمجمة شكلتها يد البراعة الإلهية " دحين انتِ يا أماه ترضي حد يشلنا منك ؟ ، أجابت بالنفي الحازم ، أكمل عوض : " ها و كيف تضربينا طيب ؟ " . أي عمق هذا و أي إدراك لطفل يستوعب واقعه على نحو لا يشوبه إدعاء أو تنطع ! ، يتمنى كل صباح أمنية غائرة " متى بخرج بكرفته يارب و يجي سواق الباص يقول تعال يا عوض ؟ ، الناس يروحوا المدارس بباصات خاصة و عوض يدكها مشي كل يوم " ، يقول ميمماً وجهه شطر قدره الذي لا يروقه اليوم ، دون أن يدرك سر اختياره له مستقبلاً . عوض لا يرتاد المدارس الخصوصية التي أصبحت موضة القادرين و غير القادرين في عدن هذه الأيام ، بقيت المدارس الحكومية للطبقة القابعة في بدروم الحياة ، أسفل قليلاً أو كثيراً من " دور " " غير القادرين " ، في المدارس الحكومية لا زالوا يطلبون من الأطفال رسم " علم بلادي " ، رسم عوض علم دولة الجنوب ( العربي / اليمني ) السابق بالمثلث الأزرق و النجمة الحمراء ، قطعت المعلمة الورقة مرتين ، و في كل مرة كان يعيد رسم نفس العلم ، بعدما أضجرها صرخت به أمام البقية : " ايش انت غبي ما تفهمش ؟! " ، قال لها : " مش انتِ قلتِ ارسموا علم بلادي ؟ هذا هو علم بلادي ! " .