كنت فيما مضى «حانب» أين أذهب بطفلي في المستقبل.. أما اليوم فقد زالت «الحنبة» لأني قررت أن أرسم ملامح مستقبله بنفسي على الأقل في أعوام اعتماده عليّ.. ويتلخص قراري في أمرين متضادين..لكنهما في النهاية في صالحه.. أما الأول فهو أن أستعفف وأصوم بدلاً من الزواج فقط حتى لا أنجبه.. والثاني هو إذا ما عجزت وأصر هو أن يأتي إلى دنياي فإني سأذهب به إلى أي مكان في العالم، ولكني لن أذهب به إلى المدرسة!؟ وما غريب إلا الشيطان. طبعاً هذا في حال ظلت وزارة التربية والتعليم مصرة على طريقة التعليم والمناهج ذاتها.. لا تتعجبوا تكرار كتاباتي عن التعليم والمناهج.. ولكني أحمل قناعة تصل حد الإيمان والتقديس، وهي أن كل هذا التراجع والتخلف الذي نحاول التقليل من شأنه هو بسبب التعليم رضينا أم أبينا.. ولن يفهم أو يشعر بهذه المرارة التي تعتمل في صدري سوى اثنين؛ الأول هو معلم مسكون برغبة التجديد والتغيير الذي لا بد أن يحدثه التعليم في عقول ونفوس المتعلمين، وسواءً كان معلماً في المدرسة أو في الجامعة. أما الثاني فهو أب أو أم بدرجة عالية من الوعي، ولا فرق عنده في ظل هكذا مناهج.. أن يحصل طفله على عشرة على عشرة أو صفراً على عشرة! لأن هذه نتيجة معلومات شكلية «نكتها» الطفل من ذاكرته على ورقة الإجابة، وتخلص منها إلى الأبد.. أو أنه لم يستوعبها لأنها لم تصل إلى عقله وقلبه فسلم ورقته بيضاء من غير سوء..! إن الطريقة التقليدية للتعليم والتي عفا عليها الزمن.. وأكل الدهر عليها وشرب ونام وهرم وفات، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون حجر أساس في مشروع بناء الوطن كما يجب وكما نحلم نحن وهو؟؟! ولنسأل لماذا يصر الآباء على تعليم أبنائهم هل من أجل أن يفكوا الخط.. ويكتبوا رسائل للسعودية؟ أم من أجل أن يحصلوا على وظائف في المستقبل.. أم هي عادة سرت في البلاد؟! أعتقد أن كل ذلك غير ذي قيمة، لأن حرصنا على التعليم نابع من حرصنا على الدفع بعملية التقدم والتنمية في هذا الوطن؟ وحتى نصير شعباً له مكانته بين شعوب العالم. ما الذي سيحدث إن طالبنا بعملية تحديث للمناهج الدراسية ولطريقة التعليم على حدٍ سواء؟؟ لماذا نقلد الآخر في طريقة اللبس.. والكلام.. والأفكار السخيفة، والمعتقدات التافهة، والرغبات البسيطة والدونية، والاهتمامات الغبية ولكنا لا نفكر حتى مجرد التفكير في تقليده في طرق تعليمه ومناهجه؟ رغم أن ذلك حاجة أساسية وملحة. بعد أحداث «أيلول» طالبت أمريكا دول العالم العربي والإسلامي بتغيير المناهج «الدينية على وجه التحديد»، ولبت هذه الأخيرة طائعة، ولكنها لم تضع في اعتبارها أية أهمية إلى كيف؟ وما هو؟ المهم أنها أضافت وحذفت فيما طُلب وحسب ما طُلب منها وبدافع سياسي محض.. فأ ستبدلت سورة «الكافرون» بسورة «العصر»، ورحم الله راشد الماجد حين قال: «الله لا يجيب الزعل بينك وبيني». إن مناهجنا تفتقر لأبسط مقومات العلم والتخلص من الأمية والجهل بل بالعكس هي تكرس لأمية مقنعة وجهل مركب!!!؟ ففي الوقت الذي يحاول فيه الطفل الصيني أو الياباني صُنع ساعة.. يردد تلاميذي جيل المستقبل ببلاهة منقطعة النظير: «أبي اشترى لي ساعة فلم أنم من الفرح.. إذا سمعت صوتها يدق قلبي ينشرح». إنه التعليم الكوميدي بحق السماء، فهنا تتجلى الخيانة لهذا الوطن المعطاء. كنت أشرح لتلاميذي الصغار درس آداب قضاء الحاجة - أي والله- ولم أشعر إلا وكهلان أحد تلاميذي قد فزع من كرسيه وطوق خصري بذراعيه وغرس رأسه فيه، وهو يقول «يا منعاه يا استاذة يكفي والله قد إحنا طافحين.. قوى يا أستاذة ما هو هذه الخيبلة »!؟ ألا تعتقدون أنه كان محقاً في وصفه وتضجره..؟ ضحكت يومها بألم شديد وقهر أشد؟ لأني شعرت كم هي المدرسة ومناهجها. بالنسبة للتلاميذ عقاب أسطوري على جريمة لم يرتكبوها.. في الوقت الذي يفترض أن تكون هي متعتهم وفسحتهم لأن فيها متعاً لأفكارهم وأحلامهم مهما كانت صغيرة وبسيطة. ختاماً.. أليست الصحافة سلطة رابعة ومن حقها رفد الوطن بالأفكار التي من شأنها إحداث تغيير ايجابي فيه؟؟ لذا سأظل أكتب وأحلم على الأقل حتى لا يأتي يوم ويكرر طفلي... رجاء جهلان وضجره.