كان يوماً شاقاٌ،حاولت أن أنال فيه بعد العصر قسطاً من الراحة،وبعضاً من النعاس ليعيد لي جزءاً من النشاط بعد إرهاق يوم طويل، استعددت للدخول في رحلة الهدوء والسكينة، وبدأت أجفاني تثقلان والنعاس يهيم فرحاً في جسدي،و..و..ارتفع صراخ هاتفي..فتحت عيني مفزوعة، آه تباً لي فقد نسيت أن أغلق هذا الشيطان لأنشد هدوءاً يبدو مستحيلاً، نظرت الى رقم المتصل لم يكن مقيداً عندي ونظرت إلى الساعة مازالت قبل الثالثة بقليل ،وتوقعت شراً قد يكون أصاب إحدى حافلات المدرسة وهذا ولي أمر يتصل، أخاف كثيراً على تلاميذي، فسارعت الى الإجابة، وجاءني صوتها سريعاً:هل أنتِ مديرة مدرسة اللغات! دق قلبي توقعاً لمصيبة قادمة أجبتها :نعم! قالت:أنا أم ياسين، ولو سمحت أريد منك الآن أرقام تلفونات معلمات ولدي. استغربت من الطلب وقلت:لم أفهم يا أم ياسين، أرقام تلفونات جميع معلمات ولدك، لماذا؟ قالت :نعم لأني أريد أن يحضرن إلى البيت ويراجعن الدروس لياسين وسأدفع لهن ماأردن. ذهلت من طلبها واستويت على سريري فقد طار حلم الهدوء والسكينة وهرب مني النعاس غاضباً قائلة لها:ماذا ياأم ياسين؟ تقصدين أن يعلمن ابنك في البيت خصوصي؟ بثقة أجابت:نعم. وهنا نسيت أني في البيت وعدت إلى مكتبي مربية تمارس التربية في مجتمع مازال أمامه الكثير ليساعدنا لنجتاز عتبة ثقافة تورث لنا الجهل بأصول التربية والتعليم والتي تساعد أبناءنا على النهوض بمجتمعهم وتحقق لهم مستقبلاً مشرقاً وأجبتها:عفواً أم ياسين أنا لا أسمح لأي معلمة بإعطاء دروس خصوصية لأي تلميذ تدرسه في صفها. أخذت نفساً طويلاً واستعدت لتدخل معي في نقاش طويل يبدو أنها استعدت له قائلة:ولكن ياأستاذة؟ قاطعتها:أم ياسين سأنتظرك غداً لنعالج وضع ياسين فلا تتأخري! أغلقت وأنا أحاول أن أسترجع ذاكرتي وبحثت عن ياسين فيها، تذكرته فهو تلميذ هادئ انضم إلى مدرستي هذا العام، ملامحه خجولة ويبدو عليه الذكاء، يدرس في الصف الرابع قسم اللغة الإنجليزية وكنا قد نصحنا والدته أن يدرس في قسم عربي أو ترجعه سنة دراسية لضعف مستواه في قسم اللغة الإنجليزية ولصغر سنه أيضاً، إلا أنها أصرَت ونحن نعطي فرصة لولي الأمر ليساعدنا في تحسين مستوى أي تلميذ يعاني من ضعف في المستوى الدراسي وإذا لم نجد اي استجابة او استمرار في ضعف التلميذ نتخذ الاجراءات التي نراها في مصلحة التلميذ. وللأسف الشديد فإن بعض أولياء الأمور تعميهم المظاهر عن القدرات الحقيقية لأطفالهم فيضيع الطفل بين اختيارات والديه أو أحدهما وبين قدراته ومستواه .فعلى ولي الأمر عند التخطيط لمستقبل ولده أن يرسم خطوات ليصل إلى مايريده له و أن يراعي أموراً كثيرة منها قدرات ولده وميوله ، وما يستطيع أن يغير منها أو يستطيع أن يضيف لها. وفرض تعليم معين على الطفل لاسيما إذا وصل الى مستوٍى دراسي معين «مثل ياسين» لم يدرسه من قبل لمجرد التباهي أو أن يكون مثل ابن عمه مثلاً، هي من أخطر الأمور التي يرتكبها الأبوان في حق ابنهما فقد يقتلان جانباً إبداعياً لدى ولدهما كان من الممكن أن ينجح فيه وهما لايشعران. كما أن للمدرسة دوراً مهماً في التعاون مع البيت لمعالجة أي ضعف في مستوى التلميذ من خلال دعمه وتشجيعه على التفاعل في التحصيل العلمي. ومن خلال تقييم مستوى التلميذ تستطيع المدرسة أن تضع ولي الأمر وتساعده على رسم أول خطوات مستقبل ابنه ، “مستواه العلمي، قدراته، رغباته وميوله”وبالتالي لابد من مراعاة ذلك. وعندما نفرض على التلميذ مستوى أكبر من حجم قدراته أو لا نراعي ضعف مستواه عند وضعه في مستوى أعلى، سواء كان مستواه ضعيفاً أو سنه أو ماتلقاه من تعليم في أول سنواته وذلك بغرض التباهي أن«ابني» يدرس «قسم...» فهذا من الأخطار على مستقبله. كما أن المدرسة ومن خلال طاقم التدريس معنيون بمعالجة أي مشكلة قد يعانيها التلميذ في مستواه العلمي وبعض سلوكياته أو مشاكله النفسية وبمساعدة ولي الأمر. وقد نضطر أحياناً أن نطلب من ولي الأمر البحث عن معلم خصوصي لابنه ولكن في حالات معينة نحس أن التلميذ بحاجة لمعلم في المنزل، نظراً لضعف شديد في مستواه ولكن نشترط أن نشرف عليه ليكون داعماً للمدرسة ومكملاً لدورها. ولدينا قناعة ألا َتكون المعلمة الخصوصية في البيت من معلمات التلميذ في المدرسة، وذلك لعدة أسباب منها أنه تلميذها وما تبذله من جهد في الصف يكفي سواء في حصتها الأساسية أو في حصص التقوية التي نخصصها لضعاف المستوى ولن تضيف له أي جديد في البيت، كما أن الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتق المدرسة والمعلمات والتي يحاسبنا الله عليها قبل ولي الأمر تحتم علينا وعلى المعلمات أن يتجنبن تدريس دروس خصوصية لتلاميذهن في المدرسة و إن أردن أو رغب ولي الأمر في ذلك أو طلبن منه البحث عن معلمة تدرس ابنه في البيت لمساعدته، فنفضل دائماً أن تكون من خارج المدرسة أو ممن لا يدرسن التلميذ داخل المدرسة. ودمتم ..