مواضيع ذات صلة لندن فاجأ السيد حسن نصر الله الكثيرين من انصاره ومتابعيه يوم امس عندما اكد ان سورية 'مهددة بالتقسيم اكثر من اي وقت مضى'، ولكنه لم يقل كيف يمكن منع هذا التقسيم، ومن هو المسؤول عن وصول البلاد الى هذا المصير المظلم. التقسيم الذي يواجه سورية، ولا نبالغ اذا قلنا ان خطواته الاولى قد بدأت فعلا، لن يتوقف قطاره عند الحدود السورية، وقد يمتد الى دول الجوار مثل لبنان والعراق والاردن ليصل الى السعودية وربما تركياوايران ايضا. المشكلة ان هذه الدول، مجتمعة او منفردة، لا تعي خطورة مثل هذا المخطط على وحدتها الوطنية، الجغرافية والديموغرافية معا، وهذا يتضح من خلال التحريض على القتال ودعم الحلول العسكرية التي يتبناها طرفا الصراع في سورية. السيد حسن نصر الله، مثل الكثيرين الذين يتعاطون بالشأن السوري يتحدثون عن الحلول السياسية، باعتبارها المخرج الوحيد والناجع من هذه الازمة، ولكن في واقع الحال ان طرفي الصراع والقوى العالمية والاقليمية التي تدعمهما بالمال والسلاح لا يريدون هذه التسوية السياسية، وان ارادوها فوفق شروطهم التعجيزية، واملاءاتهم التي يعرفون مسبقا انها غير ممكنة. النظام السوري يريد الحوار مع المعارضة ولكن بعد القضاء عليها وتقليم اظفارها، ونزع اسلحتها، والمعارضة تشترط ذهاب رأس النظام قبل البدء في اي حوار. وهناك اطراف في اوساط المعارضة تريد نهاية دموية لهذا الرأس على غرار ما حدث للزعيم الليبي معمر القذافي وبعض ابنائه، الامر الذي يشكل دعوة لهذا النظام ورأسه الى القتال حتى الموت، دون اي اعتبار للنتائج الكارثية التي يمكن ان تترتب على ذلك بالنسبة الى سورية. بالامس اعلنت الاممالمتحدة ان عدد القتلى في سورية وصل الى ستين الفا، واذا أخذنا المعدلات الحالية للموت، التي تصل الى حوالى مئتي قتيل يوميا، فهذا يعني ان هذا الرقم قد يصل الى مئة الف او اكثر بنهاية العام الجديد. الصراع في الجزائر ادى الى سقوط مئتي الف قتيل طوال السنوات الثماني التي استغرقها، وها هو نظيره السوري يقترب من هذا الرقم في زمن قياسي، ونحن هنا لا نتحدث عن امكانية اتساع نطاق هذا الصراع بحيث يشمل دولا اقليمية او دولية، او استخدام اسلحة غير تقليدية، خاصة من قبل النظام في حال يأس او كرد على هذا التدخل الخارجي غير المستبعد. سورية تعيش حاليا حالة من الفوضى الدموية، بينما يقف العالم موقف المتفرج، وكأن هؤلاء الذين يسقطون يوميا بالمئات ليسوا بشرا، والاخطر من ذلك موقف دول عربية تصب الزيت على نار الصراع وتوفر ادوات الموت والدمار تماما مثلما تفعل ايران وروسيا المتهمتان باطالة امد الازمة. السيد جورج صبرا رئيس المجلس الوطني السوري نطق للمرة الاولى بالحل السياسي كمخرج من الازمة السورية، وقال ان الحل العسكري لا يمكن ان يستمر طوال الوقت، ولا بد من الحل السياسي في نهاية المطاف، وذلك في حديث لمحطة اذاعية لبنانية. هذا كلام عاقل مسؤول يجب ان يجد آذانا صاغية لدى اطراف المعارضة السورية الاخرى والدول الداعمة لها، فلا بديل غير الحوار المسؤول، وتقديم مصلحة سورية الوطن والشعب فوق كل الاعتبارات الاخرى. النظام لم يسقط رغم النبوءات المتعددة بسقوطه من كل الجهات، والمعارضة المسلحة لن تهزم، بدليل صمودها لاكثر من عام وتقدمها في مناطق عديدة، ولا بد ان يسلم الطرفان بعدم قدرتهما على الحسم بالوسائل العسكرية والامنية، وينخرطا في مفاوضات جدية لانتقال السلطة من خلال تسوية متفق عليها. ختاما نقول كنا نتمنى لو ان السيد حسن نصر الله اقنع حليفه بدمشق بالتجاوب مع مطالب الانتفاضة المشروعة بالاصلاح الحقيقي والجدي لكان جنبنا كل هذه المآسي. وقد يكون قد حاول ولم يوفق، ومن المؤسف ان الوقت لم يعد وقت تبادل اللوم والعتاب، في ظل الدمار والصوملة والتقسيم الذي ينتظر سورية ويهدد بتفتيتها وتحولها الى ملاذات للوردات الحرب.