بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"انتفاضة" الأنبار تربك حكومة المالكي
نشر في الجنوب ميديا يوم 10 - 01 - 2013

لم تأت الرياح بما يشتهي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي . هكذا تقول التطورات المتلاحقة الجارية في العراق، على خلفية تفاجؤ رئيس الوزراء نوري المالكي بانتفاضة شعبية بدأت في محافظة الأنبار، ثم سرعان ما بدأت تسري في مناطق أخرى وتكتسب تعاطف طوائف وجماعات سياسية وطائفية أخرى . وهو آخر ما كان يتوقعه المالكي، أن تؤدي محاولته استغلال اللحظة الداخلية والإقليمية الراهنة لتكريس سلطته وتقليم أظافر خصومه السياسيين، إلى نتيجة عكسية تماماً . فتتسبب محاولته تلك في تجميع خصومه، بل ومنحهم مبرراً قوياً للتحالف معاً ضده . لذا لم يكن من المستغرب أن يبدأ خطاب المالكي وموقفه في التغيير تدريجياً نحو التنازل والمرونة، ليس إزاء مطالب المنتفضين في الأنبار فقط، لكن أيضاً تجاه مطالب سابقة لبعض خصومه السياسيين . لكن من غير المؤكد ما إذا كانت تلك المرونة الاضطرارية من جانب المالكي، كفيلة بإنقاذ حكومته من الانهيار، أم أن الوقت قد فات ولم يعد بوسع التنازلات إنقاذه من طوفان التغيير .
تفاقمت الأزمة السياسية التي تواجه نوري المالكي منذ توقيف عناصر من حماية وزير المالية عارف العيساوي قبل أسبوعين . حيث اندلعت تظاهرات احتجاج في مناطق مختلفة من محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، اعتراضاً على ما اعتبره أهل الأنبار استهدافاً متعمداً للقيادات السياسية، ضمن سلسلة متوالية من الإجراءات الإقصائية والتهميش للعراقيين السنة بشكل عام .
لكن الوجه الأبرز لتفاقم الأزمة ليس في خروج السنة إلى الشوارع والاعتصام لعدة أيام اعتراضاً على الإجراءات الحكومية، وإنما في انضمام قوى سياسية ورموز من طوائف وجماعات أخرى إلى تلك الاحتجاجات، ربما استغلالاً للموقف لتصفية حسابات قديمة مع المالكي، أو لأغراض انتخابية تحسباً لإجراء انتخابات برلمانية مُبكرة، أو للضغط على المالكي لإبرام صفقة معه لإنقاذه من الوضع المتأزم الذي يمر به . في المجمل أصبحت الأزمة من التعقيد والتعاظم بحيث أصبحت فرص المالكي في الخروج منها مُنتصراً أو حتى سالماً تتضاءل بمرور الوقت .
كرة الثلج
بدأت أزمة المالكي صغيرة نسبياً، باعتراض وزير المالية رافع العيساوي على اعتقال بعض أفراد حمايته واتهامهم بالإرهاب . لكنها لم تكن المرة الأولى التي يتخذ فيها إجراء مماثل بحق أحد القيادات السياسية السنية (سبق الحكم قبل أشهر بالإعدام على طارق الهاشمي نائب الرئيس بتهم مشابهة) . فكانت واقعة حماية العيساوي بمثابة شرارة لتفجير الغضب . خاصة أن قضية الهاشمي تم التعامل معها بشكل سريع بخروجه من العراق وتأمينه في قطر ثم تركيا . بينما لم يتوافر لطاقم حماية العيساوي تلك الحماية . وعلى غير المتوقع من جانب حكومة المالكي، خرجت في الأنبار وهي أكبر المحافظات السنية تظاهرات ومسيرات احتجاج على الإجراء الذي اتخذ بحق أفراد حماية أحد الوزراء السنة . في رد فعل كشف عن حالة احتقان مكتوم تسود الأوساط السنية العراقية بفعل سلسلة ممارسات وإجراءات يعتبرها السنة استهدافاً متعمداً لهم كطائفة . لذا بدت الشكاوى والمظالم التي رفعها المتظاهرون أشمل وأوسع من واقعة العيساوي . كما تستمر منذ أسبوعين ويتسع نطاقها الجغرافي، بل والطائفي أيضاً . فبعد أن دخل أهل الرمادي في اعتصام مفتوح، انضمت مدينتا سامراء والموصل إلى موجة الاحتجاج وأعلنتا اعتصاماً مفتوحاً تضامناً مع الرمادى، كما بدأ عدد من المعتقلين بعدد من السجون العراقية إضراباً مفتوحاً عن الطعام تضامناً مع مطالب المتظاهرين والمعتصمين . ثم أعلنت "حركة تجديد" العراقية تأييدها لمطالب المعتصمين بمناطق مختلفة من البلاد ودعت لإسقاط حكومة المالكي .
ولم يتوقف الأمر عند اتساع نطاق المشاركة في الاحتجاجات، لكن ارتفع أيضاً سقف مطالب المحتجين . ما يشير من ناحية إلى أن الاحتقان السياسي والاجتماعي ليس مقصوراً على السنة فقط، وإن كانوا هم الأكثر احتقاناً، ويكشف من ناحية أخرى أن الأزمة برمتها أصبحت ككرة الثلج التي تتضخم سريعاً مع كل يوم يمر دون علاجها فعلياً وليس تجميلياً .
فقد كان لافتاً أن قضية العيساوي فجرت مطالب أخرى تتعلق بالإفراج عن معتقلين ومعتقلات ووقف انتهاكات تجرى داخل السجون بحق المحكومين منهم . لكن بطء وسوء تقدير المالكي للأزمة، رفع السقف سريعاً ليمتد إلى الرغبة في التخلص من المالكي شخصياً، وتغيير أسس الحياة السياسية بالعراق . واتخاذ إجراءات تحول دون احتكار السلطة من جانب أي شخص أو مجموعة أو طائفة . وساعد على تصعيد موقف المحتجين تكرار وعودٍ سابقة للمالكي بالإفراج عن المعتقلين وتحسين الأحوال داخل السجون، وعدم تهميش أي طائفة . وهي الوعود كررها المالكي في الأيام الماضية، فاعتبرها كثير من المحتجين مجرد تلاعب بالألفاظ للتسويف وعدم تلبية مطالبهم .
قائمة مطالب مهمة
مما أكسب مطالب المحتجين مزيداً من الصدقية والقوة، أنهم قاموا بشكل منظم بحصر قائمة محددة من المطالب . شملت اثني عشر مطلباً، من أهمها:
- إطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين .
- وقف تنفيذ أحكام الإعدام بحق السنة .
- تعليق العمل بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب .
- إيقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة .
- إصدار قانون للعفو العام .
- إلغاء قيادات العمليات الأمنية في جميع مناطق العراق .
- إعادة التحقيق في القضايا التي تخص رموزاً دينية ووطنية .
- إجراء تعداد سكاني بإشراف دولي قبل إجراء الانتخابات العامة .
ومن الواضح أن قائمة المطالب من الشمول بحيث تكفي لقلب الموازين السياسية في العراق حال تنفيذها . خصوصاً المطالب الأخيرة المتعلقة بالإجراءات الأمنية مثل إنشاء قيادات للعمليات الأمنية في أنحاء مختلفة من العراق، حيث تعمل تلك القوى الأمنية الجديدة بشكل مباشر لحساب رئاسة الوزراء . أما المطلب الذي يمكن وصفه بالقنبلة فهو ذلك المتعلق بإجراء تعداد سكاني تحت إشراف دولي محايد، قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة . فطرح هكذا مطلب يعكس التشكك الكبير وغياب الثقة السُنية في الإدارة الحاكمة للعراق . ليس في اللحظة الراهنة وحسب، بل منذ الاحتلال الأمريكي، الذي يرى السنة العراقيون أنه أدخل تغييرات على التركيبة الديموغرافية العراقية بالتسبب في تهجير ونزوح مئات الآلاف من العراقيين خارج وداخل العراق . ثم بعد ذلك حصول أعداد كبيرة من غير العراقيين على الجنسية العراقية .
أما المطلب الجوهري لدى المحتجين، وتتفق معهم فيه بعض القوى العراقية الأخرى غير السُنية، فهو ذلك المتعلق بإلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب . حيث يرى كثيرون من العراقيين في تلك المادة باباً واسعاً للاستبداد السياسي والقمع الأمني بذرائع قانونية غير واضحة وتخضع لتقدير السلطات دون أي ضوابط .
حيث تتيح تلك المادة للأجهزة الأمنية اعتقال من ترغب في اعتقاله دون توثيق الأسباب، وكذلك اعتقال أقارب المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم . وتنص المادة التي صدرت ضمن قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لعام 2005 على أن "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكا أي أعمال إرهابية، كما يعاقب بالإعدام كل من المحرض والمخطط في العمل الإرهابي" . وتضيف أيضاً معاقبة "كل من مكّن الإرهابيين من القيام بجرائم بعقوبة الفاعل الأصلي" .
كما تقضي بالسجن المؤبد على من يخفى عن عمد أي عمل إرهابي، وكذلك كل من يأوي إرهابيًا بهدف التستر .
وبعد أن كانت الممارسات والإجراءات التي تتم بحق مختلف الطوائف، وليس فقط السنة، تتحصن بمظلة قانونية . جاءت الوقائع الأخيرة التي تمس قيادات سياسية كبيرة لتفجر الرفض الشعبي العام لتلك المظلة، ما وضع المالكي وحكومته في مأزق كبير . وهو ما بدا واضحاً من تطور ردود فعل المالكي وتذبذبها في أيام قليلة .
ارتباك المالكي
اتسمت مواقف المالكي في بداية الأزمة بالاستهانة والتقليل من شأنها . ثم اتهم المتظاهرين بالارتباط بجهات خارجية وأن لهم أجندات أجنبية . ثم مع رفع سقف المطالب بدا المالكي أكثر إيجابية، فقال: إن الرسالة التي أراد المحتجون توصيلها قد وصلت . وحاول المالكي في إدارته الأزمة الجمع بين الثقة وعدم التنازل أمام المحتجين، وفي الوقت ذاته الحفاظ على سلطته من الانزلاق إلى مستنقع الثورة والانتفاضة الشعبية الشاملة ضدها . لذا لوحظ على مواقفه التذبذب والتأرجح بين التشدد والمرونة بالتوازي مع تقديم حلول أو الإعلان عن خطوات ثم التراجع عنها . فقد دعا بعد أيام قليلة من اندلاع التظاهرات إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة متزامنة مع انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في إبريل المقبل . وقال إنه يضع العراقيين أمام أربعة خيارات، هي: الحرب الطائفية، تقسيم البلاد، الحوار، انتخابات برلمانية مبكرة .
ثم بعدها بيومين فقط عاد المالكي واعتبر التظاهرات والاحتجاجات خطة مدبرة لإحداث فوضى بالعراق . ومع اتساع نطاق الاحتجاجات واستمرارها، بدأ تقديم بعض التنازلات بالإفراج عن بعض المعتقلات من السجون . والإعلان عن تشكيل لجنة من رجال الدين والقضاة لتحري أوضاع السجون والسجناء ومحاسبة المتجاوزين على المعتقلين . فيما اعتبر إقراراً ضمنياً بوجود انتهاكات تجرى بحق السجناء والسجينات العراقيات .
وبالتوازي مع هذه المواقف المتباينة، تحايل المالكي على مطلب إلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب، وقال: إن الحكومة ليس مخولاً لها إلغاء القوانين، وإنما البرلمان هو صاحب الصلاحية في ذلك . ثم مع إعلان رئيس البرلمان أسامة النجيفي عن جلسة طارئة للبرلمان (الأحد الماضي) لبحث هذا المطلب، قاطع الجلسة المقررة نواب ائتلاف دولة القانون وحلفاؤهم في البرلمان كتلة "العراقية البيضاء" وكتلة "المواطن" ونواب منظمة بدر وحزب الفضيلة . فلم يكتمل النصاب القانوني للجلسة . ما دفع رئيس البرلمان إلى الاكتفاء بالدعوة إلى جلسة تشاورية . حيث اعترضت الكتل الموالية للمالكي على عقد استثنائية، وطلبت عقد جلسة عادية تسبقها مشاورات للتوصل إلى توافقات سياسية مسبقة . وتم تبرير المقاطعة بالقول إنها "ستكون مناسبة لاستئناف الخطاب الطائفي" . ورداً على رفض كتلة القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي الاستجابة لحوار دعا إليه رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري .
لذا من السهل توقع أن يتراجع نوري المالكي أيضاً عن دعوته إلى انتخابات برلمانية مبكرة، خصوصا بعد أن بدا واضحاً تغيير مواقف عدة أطراف كانت موالية له، أو على الأقل لم تكن معادية له، فلم يعد من المؤكد تحالفها معه في الانتخابات، إن لم يتطور موقفها إلى خوض الانتخابات ضده بشكل مباشر .
مواقف متباينة
يزيد من حدة الأزمة العراقية الراهنة، وبالتالي اضطراب موقف المالكي وصعوبته، دخول أطراف أخرى على الخط، خصوصاً الأطراف العراقية ذات الثقل والتأثير في الشارع العراقي . ومن أهمها على الإطلاق التيار الصدري، الذي يمثل ثقلاً شعبية وله كتلة تصويتية كبيرة لها قيمتها مع اقتراب الموسم الانتخابي وتزايد الحديث عن انتخابات مبكرة . وكان لزعيم التيار مقتدى الصدر في بداية الأزمة موقف واضح ومفاجئ في الوقت ذاته . حيث شجب واستنكر ما وصفها "الحرب الطائفية الوقحة الموجهة من الحكومة ضد سنة العراق"، في خطاب شديد اللهجة لم يتكرر كثيراً منه ضد رئيس الوزراء نوري المالكي، خصوصاً في مسألة لها بُعد طائفي . فمعروف أن للصدر مواقف متمايزة عن بقية القوى الشيعية في العراق، وأنه من أقل التيارات الشيعية تأثراً بالطائفية المذهبية هناك، إلا أن أشد انتقاداته ضد الحكومة العراقية ارتبطت دائماً بالموقف من الاحتلال الأمريكي وطريقة إدارة البلاد في ظل وجوده . لذا جاء موقف الصدر لافتاً للغاية في بداية الأزمة . خصوصا أنه أعلن صراحة في بيان رسمي أن "الحكومة يجب ألا تُبنى وفق أسس طائفية وتفرد حزب واحد أو طائفة واحدة، بل يجب أن يكون العراق للجميع وليس حكرا على أحد" . لكن الصدر استدرك هذا الموقف الحماسي لاحقاً . بالدعوة إلى الوحدة بين كل الطوائف في البلاد، وقال في مسجد للسنة مكتظ بالمصلين إنه يريد أن يثبت أن العراق موحد بشيعته وسنته وعربه وأكراده . مشيراً إلى تأييده حق التظاهر السلمي المدني "على ألا يكون مسيساً أو يحمل صورا وأعلاما وشعارات مناوئة للعراق وشعبه"، في إشارة إلى ما نقلته بعض المصادر عن رفع صور صدام حسين في تظاهرات الأنبار، ورغم أن أهل الأنبار نفوا ذلك، إلا أن الصدر امتنع عن زيارة الأنبار إثر تلك الأنباء، بعد أن كان قد أعلن انضمامه إلى المتظاهرين هناك .
ولا يعد موقف الصدر استثنائياً، فبالإضافة إلى متعاطفين من مدينة الصدر، انضم متظاهرون يتقدمهم رجال دين ووجهاء من شيعة كربلاء وذي قار إلى المعتصمين في الرمادى . فيما يشير إلى أن المسألة تتسع وربما تفلت من بين يدي الحكومة العراقية، وأن فرص تقويض الانتفاضة بعزوها إلى الخلفية الطائفية تتضاءل .
بالتوازي مع ذلك الاتساع الطائفي، بدأت أيضاً قوى سياسية في الدخول على خط الأزمة . ويشمل ذلك كلاً من القائمة العراقية التي يقودها إياد علاوي (الشيعي) وكذلك بعض القوى الكردية التي لم تخرج بعد من أزمتها مع بغداد بسبب الوضع في كركوك وملف قيادة عمليات دجلة الذي لم يكن قد أغلق بعد حتى نشوب الأزمة الجديدة مع الأنبار .
ورغم أن مواقف "العراقية" والأكراد مفهومة في ظل الاحتقان المتبادل بينهما وبين المالكي وحكومته، إلا أن المحصلة النهائية لذلك الحشد السياسي والطائفي ضد حكومة المالكي يزيد من صعوبة الأزمة ويقلل من فرص الخروج منها دون خسائر . الأمر الذي انعكس بالفعل في مواقف المالكي والموالين له في الأيام القليلة الماضية، حيث لم يعد صالحاً العزف على نغمة الطائفية المذهبية، ولا الرغبة في تفتيت العراق واستخدام فزاعة العنف والاضطراب الأمني . وهو ما يفسر لجوء المالكي ورموز ائتلاف دولة القانون إلى اتهام أطراف خارجية بشكل مباشر بالتورط والتحريض على الفتنة في العراق .
هذا التطور والتفاقم في أبعاد ونطاق الأزمة، يكشف أنها ليست أزمة جزئية ولا مؤقتة، فقد كانت كذلك لو أن المالكي سارع بوأدها في البداية، إلا أنها أصبحت الآن أزمة مصير تتجاوز حدود الخلاف الطائفي أو السياسي . ورغم أن الأطراف التي دخلت على خط الأزمة ليست كلها على خلاف جذري مع المالكي، إلا أن لكل منها أيضاً مآخذ مهمة على طريقته في إدارة البلاد، فضلاً عما لبعضها من خصومة سياسية سابقة تضعها في مربع واحد مع خصومه الجدد والمتضررين من سياساته في هكذا أزمة . لذا يمكن القول إن الخروج من الأزمة الراهنة ربما لا يكون إلا بإعادة ترتيب الأوراق، وهو بدوره ما سيصعب كثيراً على المالكي القيام به دون تنازلات حقيقية وإجراءات فعلية معلنة تُقنع القوى والتيارات المناوئة له بأن احتكار السلطة قابل للانتهاء وأن ثمة فرصة باقية لإدارة الخلافات والانقسامات الداخلية بآليات سياسية، أياً كانت نتائجها .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.