صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"انتفاضة" الأنبار تربك حكومة المالكي
نشر في الجنوب ميديا يوم 10 - 01 - 2013

لم تأت الرياح بما يشتهي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي . هكذا تقول التطورات المتلاحقة الجارية في العراق، على خلفية تفاجؤ رئيس الوزراء نوري المالكي بانتفاضة شعبية بدأت في محافظة الأنبار، ثم سرعان ما بدأت تسري في مناطق أخرى وتكتسب تعاطف طوائف وجماعات سياسية وطائفية أخرى . وهو آخر ما كان يتوقعه المالكي، أن تؤدي محاولته استغلال اللحظة الداخلية والإقليمية الراهنة لتكريس سلطته وتقليم أظافر خصومه السياسيين، إلى نتيجة عكسية تماماً . فتتسبب محاولته تلك في تجميع خصومه، بل ومنحهم مبرراً قوياً للتحالف معاً ضده . لذا لم يكن من المستغرب أن يبدأ خطاب المالكي وموقفه في التغيير تدريجياً نحو التنازل والمرونة، ليس إزاء مطالب المنتفضين في الأنبار فقط، لكن أيضاً تجاه مطالب سابقة لبعض خصومه السياسيين . لكن من غير المؤكد ما إذا كانت تلك المرونة الاضطرارية من جانب المالكي، كفيلة بإنقاذ حكومته من الانهيار، أم أن الوقت قد فات ولم يعد بوسع التنازلات إنقاذه من طوفان التغيير .
تفاقمت الأزمة السياسية التي تواجه نوري المالكي منذ توقيف عناصر من حماية وزير المالية عارف العيساوي قبل أسبوعين . حيث اندلعت تظاهرات احتجاج في مناطق مختلفة من محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، اعتراضاً على ما اعتبره أهل الأنبار استهدافاً متعمداً للقيادات السياسية، ضمن سلسلة متوالية من الإجراءات الإقصائية والتهميش للعراقيين السنة بشكل عام .
لكن الوجه الأبرز لتفاقم الأزمة ليس في خروج السنة إلى الشوارع والاعتصام لعدة أيام اعتراضاً على الإجراءات الحكومية، وإنما في انضمام قوى سياسية ورموز من طوائف وجماعات أخرى إلى تلك الاحتجاجات، ربما استغلالاً للموقف لتصفية حسابات قديمة مع المالكي، أو لأغراض انتخابية تحسباً لإجراء انتخابات برلمانية مُبكرة، أو للضغط على المالكي لإبرام صفقة معه لإنقاذه من الوضع المتأزم الذي يمر به . في المجمل أصبحت الأزمة من التعقيد والتعاظم بحيث أصبحت فرص المالكي في الخروج منها مُنتصراً أو حتى سالماً تتضاءل بمرور الوقت .
كرة الثلج
بدأت أزمة المالكي صغيرة نسبياً، باعتراض وزير المالية رافع العيساوي على اعتقال بعض أفراد حمايته واتهامهم بالإرهاب . لكنها لم تكن المرة الأولى التي يتخذ فيها إجراء مماثل بحق أحد القيادات السياسية السنية (سبق الحكم قبل أشهر بالإعدام على طارق الهاشمي نائب الرئيس بتهم مشابهة) . فكانت واقعة حماية العيساوي بمثابة شرارة لتفجير الغضب . خاصة أن قضية الهاشمي تم التعامل معها بشكل سريع بخروجه من العراق وتأمينه في قطر ثم تركيا . بينما لم يتوافر لطاقم حماية العيساوي تلك الحماية . وعلى غير المتوقع من جانب حكومة المالكي، خرجت في الأنبار وهي أكبر المحافظات السنية تظاهرات ومسيرات احتجاج على الإجراء الذي اتخذ بحق أفراد حماية أحد الوزراء السنة . في رد فعل كشف عن حالة احتقان مكتوم تسود الأوساط السنية العراقية بفعل سلسلة ممارسات وإجراءات يعتبرها السنة استهدافاً متعمداً لهم كطائفة . لذا بدت الشكاوى والمظالم التي رفعها المتظاهرون أشمل وأوسع من واقعة العيساوي . كما تستمر منذ أسبوعين ويتسع نطاقها الجغرافي، بل والطائفي أيضاً . فبعد أن دخل أهل الرمادي في اعتصام مفتوح، انضمت مدينتا سامراء والموصل إلى موجة الاحتجاج وأعلنتا اعتصاماً مفتوحاً تضامناً مع الرمادى، كما بدأ عدد من المعتقلين بعدد من السجون العراقية إضراباً مفتوحاً عن الطعام تضامناً مع مطالب المتظاهرين والمعتصمين . ثم أعلنت "حركة تجديد" العراقية تأييدها لمطالب المعتصمين بمناطق مختلفة من البلاد ودعت لإسقاط حكومة المالكي .
ولم يتوقف الأمر عند اتساع نطاق المشاركة في الاحتجاجات، لكن ارتفع أيضاً سقف مطالب المحتجين . ما يشير من ناحية إلى أن الاحتقان السياسي والاجتماعي ليس مقصوراً على السنة فقط، وإن كانوا هم الأكثر احتقاناً، ويكشف من ناحية أخرى أن الأزمة برمتها أصبحت ككرة الثلج التي تتضخم سريعاً مع كل يوم يمر دون علاجها فعلياً وليس تجميلياً .
فقد كان لافتاً أن قضية العيساوي فجرت مطالب أخرى تتعلق بالإفراج عن معتقلين ومعتقلات ووقف انتهاكات تجرى داخل السجون بحق المحكومين منهم . لكن بطء وسوء تقدير المالكي للأزمة، رفع السقف سريعاً ليمتد إلى الرغبة في التخلص من المالكي شخصياً، وتغيير أسس الحياة السياسية بالعراق . واتخاذ إجراءات تحول دون احتكار السلطة من جانب أي شخص أو مجموعة أو طائفة . وساعد على تصعيد موقف المحتجين تكرار وعودٍ سابقة للمالكي بالإفراج عن المعتقلين وتحسين الأحوال داخل السجون، وعدم تهميش أي طائفة . وهي الوعود كررها المالكي في الأيام الماضية، فاعتبرها كثير من المحتجين مجرد تلاعب بالألفاظ للتسويف وعدم تلبية مطالبهم .
قائمة مطالب مهمة
مما أكسب مطالب المحتجين مزيداً من الصدقية والقوة، أنهم قاموا بشكل منظم بحصر قائمة محددة من المطالب . شملت اثني عشر مطلباً، من أهمها:
- إطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين .
- وقف تنفيذ أحكام الإعدام بحق السنة .
- تعليق العمل بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب .
- إيقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة .
- إصدار قانون للعفو العام .
- إلغاء قيادات العمليات الأمنية في جميع مناطق العراق .
- إعادة التحقيق في القضايا التي تخص رموزاً دينية ووطنية .
- إجراء تعداد سكاني بإشراف دولي قبل إجراء الانتخابات العامة .
ومن الواضح أن قائمة المطالب من الشمول بحيث تكفي لقلب الموازين السياسية في العراق حال تنفيذها . خصوصاً المطالب الأخيرة المتعلقة بالإجراءات الأمنية مثل إنشاء قيادات للعمليات الأمنية في أنحاء مختلفة من العراق، حيث تعمل تلك القوى الأمنية الجديدة بشكل مباشر لحساب رئاسة الوزراء . أما المطلب الذي يمكن وصفه بالقنبلة فهو ذلك المتعلق بإجراء تعداد سكاني تحت إشراف دولي محايد، قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة . فطرح هكذا مطلب يعكس التشكك الكبير وغياب الثقة السُنية في الإدارة الحاكمة للعراق . ليس في اللحظة الراهنة وحسب، بل منذ الاحتلال الأمريكي، الذي يرى السنة العراقيون أنه أدخل تغييرات على التركيبة الديموغرافية العراقية بالتسبب في تهجير ونزوح مئات الآلاف من العراقيين خارج وداخل العراق . ثم بعد ذلك حصول أعداد كبيرة من غير العراقيين على الجنسية العراقية .
أما المطلب الجوهري لدى المحتجين، وتتفق معهم فيه بعض القوى العراقية الأخرى غير السُنية، فهو ذلك المتعلق بإلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب . حيث يرى كثيرون من العراقيين في تلك المادة باباً واسعاً للاستبداد السياسي والقمع الأمني بذرائع قانونية غير واضحة وتخضع لتقدير السلطات دون أي ضوابط .
حيث تتيح تلك المادة للأجهزة الأمنية اعتقال من ترغب في اعتقاله دون توثيق الأسباب، وكذلك اعتقال أقارب المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم . وتنص المادة التي صدرت ضمن قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لعام 2005 على أن "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكا أي أعمال إرهابية، كما يعاقب بالإعدام كل من المحرض والمخطط في العمل الإرهابي" . وتضيف أيضاً معاقبة "كل من مكّن الإرهابيين من القيام بجرائم بعقوبة الفاعل الأصلي" .
كما تقضي بالسجن المؤبد على من يخفى عن عمد أي عمل إرهابي، وكذلك كل من يأوي إرهابيًا بهدف التستر .
وبعد أن كانت الممارسات والإجراءات التي تتم بحق مختلف الطوائف، وليس فقط السنة، تتحصن بمظلة قانونية . جاءت الوقائع الأخيرة التي تمس قيادات سياسية كبيرة لتفجر الرفض الشعبي العام لتلك المظلة، ما وضع المالكي وحكومته في مأزق كبير . وهو ما بدا واضحاً من تطور ردود فعل المالكي وتذبذبها في أيام قليلة .
ارتباك المالكي
اتسمت مواقف المالكي في بداية الأزمة بالاستهانة والتقليل من شأنها . ثم اتهم المتظاهرين بالارتباط بجهات خارجية وأن لهم أجندات أجنبية . ثم مع رفع سقف المطالب بدا المالكي أكثر إيجابية، فقال: إن الرسالة التي أراد المحتجون توصيلها قد وصلت . وحاول المالكي في إدارته الأزمة الجمع بين الثقة وعدم التنازل أمام المحتجين، وفي الوقت ذاته الحفاظ على سلطته من الانزلاق إلى مستنقع الثورة والانتفاضة الشعبية الشاملة ضدها . لذا لوحظ على مواقفه التذبذب والتأرجح بين التشدد والمرونة بالتوازي مع تقديم حلول أو الإعلان عن خطوات ثم التراجع عنها . فقد دعا بعد أيام قليلة من اندلاع التظاهرات إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة متزامنة مع انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في إبريل المقبل . وقال إنه يضع العراقيين أمام أربعة خيارات، هي: الحرب الطائفية، تقسيم البلاد، الحوار، انتخابات برلمانية مبكرة .
ثم بعدها بيومين فقط عاد المالكي واعتبر التظاهرات والاحتجاجات خطة مدبرة لإحداث فوضى بالعراق . ومع اتساع نطاق الاحتجاجات واستمرارها، بدأ تقديم بعض التنازلات بالإفراج عن بعض المعتقلات من السجون . والإعلان عن تشكيل لجنة من رجال الدين والقضاة لتحري أوضاع السجون والسجناء ومحاسبة المتجاوزين على المعتقلين . فيما اعتبر إقراراً ضمنياً بوجود انتهاكات تجرى بحق السجناء والسجينات العراقيات .
وبالتوازي مع هذه المواقف المتباينة، تحايل المالكي على مطلب إلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب، وقال: إن الحكومة ليس مخولاً لها إلغاء القوانين، وإنما البرلمان هو صاحب الصلاحية في ذلك . ثم مع إعلان رئيس البرلمان أسامة النجيفي عن جلسة طارئة للبرلمان (الأحد الماضي) لبحث هذا المطلب، قاطع الجلسة المقررة نواب ائتلاف دولة القانون وحلفاؤهم في البرلمان كتلة "العراقية البيضاء" وكتلة "المواطن" ونواب منظمة بدر وحزب الفضيلة . فلم يكتمل النصاب القانوني للجلسة . ما دفع رئيس البرلمان إلى الاكتفاء بالدعوة إلى جلسة تشاورية . حيث اعترضت الكتل الموالية للمالكي على عقد استثنائية، وطلبت عقد جلسة عادية تسبقها مشاورات للتوصل إلى توافقات سياسية مسبقة . وتم تبرير المقاطعة بالقول إنها "ستكون مناسبة لاستئناف الخطاب الطائفي" . ورداً على رفض كتلة القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي الاستجابة لحوار دعا إليه رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري .
لذا من السهل توقع أن يتراجع نوري المالكي أيضاً عن دعوته إلى انتخابات برلمانية مبكرة، خصوصا بعد أن بدا واضحاً تغيير مواقف عدة أطراف كانت موالية له، أو على الأقل لم تكن معادية له، فلم يعد من المؤكد تحالفها معه في الانتخابات، إن لم يتطور موقفها إلى خوض الانتخابات ضده بشكل مباشر .
مواقف متباينة
يزيد من حدة الأزمة العراقية الراهنة، وبالتالي اضطراب موقف المالكي وصعوبته، دخول أطراف أخرى على الخط، خصوصاً الأطراف العراقية ذات الثقل والتأثير في الشارع العراقي . ومن أهمها على الإطلاق التيار الصدري، الذي يمثل ثقلاً شعبية وله كتلة تصويتية كبيرة لها قيمتها مع اقتراب الموسم الانتخابي وتزايد الحديث عن انتخابات مبكرة . وكان لزعيم التيار مقتدى الصدر في بداية الأزمة موقف واضح ومفاجئ في الوقت ذاته . حيث شجب واستنكر ما وصفها "الحرب الطائفية الوقحة الموجهة من الحكومة ضد سنة العراق"، في خطاب شديد اللهجة لم يتكرر كثيراً منه ضد رئيس الوزراء نوري المالكي، خصوصاً في مسألة لها بُعد طائفي . فمعروف أن للصدر مواقف متمايزة عن بقية القوى الشيعية في العراق، وأنه من أقل التيارات الشيعية تأثراً بالطائفية المذهبية هناك، إلا أن أشد انتقاداته ضد الحكومة العراقية ارتبطت دائماً بالموقف من الاحتلال الأمريكي وطريقة إدارة البلاد في ظل وجوده . لذا جاء موقف الصدر لافتاً للغاية في بداية الأزمة . خصوصا أنه أعلن صراحة في بيان رسمي أن "الحكومة يجب ألا تُبنى وفق أسس طائفية وتفرد حزب واحد أو طائفة واحدة، بل يجب أن يكون العراق للجميع وليس حكرا على أحد" . لكن الصدر استدرك هذا الموقف الحماسي لاحقاً . بالدعوة إلى الوحدة بين كل الطوائف في البلاد، وقال في مسجد للسنة مكتظ بالمصلين إنه يريد أن يثبت أن العراق موحد بشيعته وسنته وعربه وأكراده . مشيراً إلى تأييده حق التظاهر السلمي المدني "على ألا يكون مسيساً أو يحمل صورا وأعلاما وشعارات مناوئة للعراق وشعبه"، في إشارة إلى ما نقلته بعض المصادر عن رفع صور صدام حسين في تظاهرات الأنبار، ورغم أن أهل الأنبار نفوا ذلك، إلا أن الصدر امتنع عن زيارة الأنبار إثر تلك الأنباء، بعد أن كان قد أعلن انضمامه إلى المتظاهرين هناك .
ولا يعد موقف الصدر استثنائياً، فبالإضافة إلى متعاطفين من مدينة الصدر، انضم متظاهرون يتقدمهم رجال دين ووجهاء من شيعة كربلاء وذي قار إلى المعتصمين في الرمادى . فيما يشير إلى أن المسألة تتسع وربما تفلت من بين يدي الحكومة العراقية، وأن فرص تقويض الانتفاضة بعزوها إلى الخلفية الطائفية تتضاءل .
بالتوازي مع ذلك الاتساع الطائفي، بدأت أيضاً قوى سياسية في الدخول على خط الأزمة . ويشمل ذلك كلاً من القائمة العراقية التي يقودها إياد علاوي (الشيعي) وكذلك بعض القوى الكردية التي لم تخرج بعد من أزمتها مع بغداد بسبب الوضع في كركوك وملف قيادة عمليات دجلة الذي لم يكن قد أغلق بعد حتى نشوب الأزمة الجديدة مع الأنبار .
ورغم أن مواقف "العراقية" والأكراد مفهومة في ظل الاحتقان المتبادل بينهما وبين المالكي وحكومته، إلا أن المحصلة النهائية لذلك الحشد السياسي والطائفي ضد حكومة المالكي يزيد من صعوبة الأزمة ويقلل من فرص الخروج منها دون خسائر . الأمر الذي انعكس بالفعل في مواقف المالكي والموالين له في الأيام القليلة الماضية، حيث لم يعد صالحاً العزف على نغمة الطائفية المذهبية، ولا الرغبة في تفتيت العراق واستخدام فزاعة العنف والاضطراب الأمني . وهو ما يفسر لجوء المالكي ورموز ائتلاف دولة القانون إلى اتهام أطراف خارجية بشكل مباشر بالتورط والتحريض على الفتنة في العراق .
هذا التطور والتفاقم في أبعاد ونطاق الأزمة، يكشف أنها ليست أزمة جزئية ولا مؤقتة، فقد كانت كذلك لو أن المالكي سارع بوأدها في البداية، إلا أنها أصبحت الآن أزمة مصير تتجاوز حدود الخلاف الطائفي أو السياسي . ورغم أن الأطراف التي دخلت على خط الأزمة ليست كلها على خلاف جذري مع المالكي، إلا أن لكل منها أيضاً مآخذ مهمة على طريقته في إدارة البلاد، فضلاً عما لبعضها من خصومة سياسية سابقة تضعها في مربع واحد مع خصومه الجدد والمتضررين من سياساته في هكذا أزمة . لذا يمكن القول إن الخروج من الأزمة الراهنة ربما لا يكون إلا بإعادة ترتيب الأوراق، وهو بدوره ما سيصعب كثيراً على المالكي القيام به دون تنازلات حقيقية وإجراءات فعلية معلنة تُقنع القوى والتيارات المناوئة له بأن احتكار السلطة قابل للانتهاء وأن ثمة فرصة باقية لإدارة الخلافات والانقسامات الداخلية بآليات سياسية، أياً كانت نتائجها .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.