تعرف "الهيكلة" بأنها عملية تغيير مدروسة للعلاقات الرسمية بين المكونات التنظيمية.. ويقصد بذلك مجموعة الاستراتيجيات والخطط والبرامج والسياسات التي تضعها القيادة لتحسين كفاءة الأداء وإعادة توزيع السلاح وانتشار القوات وتمركزها في المواقع الخطرة، وهي عكس مفهوم "هَيْكل" الذي يُقصد به تنظيم الأصول الرئيسية.. والفرق بين "هيكل" و"هيكلة" هو أنّ هيكل يطلق على تنظيم الموجود بينما هيلكة تطلق على بناء الشيء من الأسفل إلى الأعلى أو إعادة بناء الشيء من الأعلى إلى الأسفل، وبذلك فهي أوسع مفهوماً منه كما أنّ الهدم والتخريب في مفهوم الهيكلة لا يعتبر هدماً أو تخريباً للموجود وإنما يُعدّ بناءً لأنها تهدمه من الأعلى إلى الأسفل ثم تعيد بناءه على الطريقة التي يراها الخبراء. ولو تمعّنا قليلاً في مصطلح "الهيكلة" بهذا المفهوم فإنه لا يوجد في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لا نصاً ولا مضموناً، والذي جاء في البند السابع عشر من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية هو مصطلح (هيكل) وهو المفهوم الإداري الذي فهمه رئيس الجمهورية المشيرعبد ربه منصور هادي ووضع عليه مشروعه الإصلاحي للجيش اليمني وبدأه بقرارات رمضان 6 أغسطس 2012م، أما مصطلح "هيكلة" ومفهومها فقد جاء في البند السادس من الوثيقة التي وقعها حميد الأحمر مع السفير الأمريكي السابق وسربها موقع ويكليكس عام 2011م، وهو المصطلح الوحيد الذي يتناغم مع مصطلح التغيير والتدمير الذي حمل شعاراته وراياته الإخوان المسلمون في دول "الربيع العربي".. ويتوقف تنفيذ برنامج الهيكلة على عقيدة الجيش المستهدف حيث تحتاج خطة التنفيذ إلى فترات زمنية متفاوتة تتراوح بين خمس أو ست سنوات كحدٍ أدنى وعشر سنوات كحدٍ متوسط وعشرين سنة كحدٍ أعلى، شريطة أن يكون خبراء الهيكلة يحملون نفس معتقد الجيش المستهدف وبالتالي يستحيل أن يكون مصطلح "الهيكلة" موجود في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعدة أمور منها أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قانون دولي يحل محل الدستور اليمني يلتزم به أطراف الصراع السياسي لمدة سنتين كفترة انتقالية، بينما الهيكلة تحتاج إلى خمس أو ست سنوات كحدٍ أدنى لذا يستحيل الجمع بين الفترة الانتقالية وزمن تنفيذ الهيكلة إلا إذا كان ذلك يقتضي التمديد لرئيس الجمهورية وحكومة الوفاق ففي ذلك نظر، ومن ثمّ لم تكن تصريحات الناطق الرسمي للمشترك محمد قحطان مزعجة بالنسبة لي حينها عندما قال: إنّ الهيكلة تحتاج إلى ثلاث سنوات لأنني كنت أعلم مسبقاً أنّ الرجل لا يملك الأداة الناجعة التي تمكنه من الغوص في بحور هذا العلم ورجاله، لكنّ الذي أزعجني وأقلقني حقاً تصريحات وزير الدفاع اليمني قبل أيام عندما قال: إنّ الهيكلة تحتاج إلى عشر سنوات وقد وضعنا خطة ناجحة لتحقيق ذلك.. والحقيقة وأمانة للتاريخ إذا كانت العشر السنوات هي الظرف الزمني لهيكلة الجيش اليمني فإنّ برنامج التنفيذ قد يلحقه النجاح ولكن لا تسبقه الدقة، هذا إذا كان خبراء الهيكلة روسيين وعراقيين ومصريين أو روسيين ومصريين وسوريين، أما إذا كان خبراء الهيكلة كما هو معلوم أمريكيين وأوربيين وأردنيين فإنّ خطة وزير الدفاع محكوم عليها بالفشل مسبقاً، لأنّ الهيكلة تقتضي توافق العقائد بين الجيش والخبراء والمعلوم لدى الجميع أنّ العقيدة الغربية تتناقض جملة وتفصيلاً مع العقيدة الشرقية. ولو تناولنا كلام وزير الدفاع من الناحية العسكرية فإنه يتعارض مع العرف العسكري إذ بأي حق يضع خطة الهيكلة لمدة عشر سنوات لجيش يحمل عقيدة مزدوجة ويستقدم له خبراء مغايرين له في العقيدة، ومن جهة ثانية فإنّ تصريح وزير الدفاع يُخالف النظام والقانون إذ بأيّ حق يطلق ذلك التصريح وهو يعلم أنّ المبادرة الخليجية سارية المفعول لمدة سنتين فقط, أما لو تناولنا كلام الوزير من الناحية السياسية باعتباره وزيراً محسوباً على المؤتمر فإنّ الوزير بذلك التصريح استشعر المسؤولية الوطنية وهو يُعدّ تلك الخطة تجاه جيشه وشعبه ووطنه، وربما أراد من ذلك التصريح أن يطلق رسالة سياسية لحزب المؤتمر مفادها أنّ الهيكلة ليست موجودة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وإذا كانت الفترة الانتقالية سنتين فإنّ مسألة الهيكلة قد تستغرق عشر سنوات، وبالتالي كان يجب بل ينبغي على حزب المؤتمر أن يتمسك بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ويرفض زيادة أي حرف عليها، أو على الأقل يطلب صورة من الخطة التي قدمها وزير الدفاع ويضع شروطه وملاحظاته عليها ومن ثم يضع لها آلية تنفيذية يلتزم بها الجميع، أما هكذا هيكلة بصفة مفتوحة فإنّ لبنان ما زالت في الهيكلة من 1986م إلى اليوم ونتائج صراعات الهيكلة بصورة متزايدة.. * باحث في الشؤون العسكرية