يعيش القطاع الاقتصادي في اليمن هذه الأيام حالة من الارتباك والترقب بسبب تدهور سعر الصرف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط الاقتصاديين وعلى مستوى المواطن البسيط "الجمهور" التقت بالخبير والباحث الاقتصادي الدكتور محمد الميتمي لتشخيص مشكلة التدهور المتسارع لسعر الصرف للعملة المحلية وآثارها ولمعرفة وجهة نظره في الإجراءات المتخذة من البنك المركزي والحلول التي يراها لمعالجة هذه المشكلة.4 *بداية.. البنك المركزي اتخذ قرار رفع سعر الفائدة من (12 % إلى 15 %) بالنسبة للمدخرات بالريال اليمني.. ما هي آثار مثل هذا القرار في نظر الدكتور محمد الميتمي كمصرفي وباحث متخصص في الشؤون المصرفية والمعالجات النقدية بشكل عام؟ - طبعا الجميع يعرف أن العملة الوطنية تواجه تحديات كبيرة الآن.. سعر الصرف يتأرجح وقيمة العملة تنخفض.. وصل سعر الدولار الآن إلى 229 تقريباً، فهذا وضع خطر.. والبنك المركزي - مع الأسف - الأدوات التي بيده للحفاظ على الاستقرار النقدي محدودة جدا لأسباب كثيرة، منها: أولاً: أن الاحتياطي النقدي أو القطاع من العملة الأجنبية تآكل بسبب انخفاض دخل اليمن من العائدات النفطية المصدر الأساسي للاحتياطي النقدي من الصرف الأجنبي وزيادة المتطلبات.. الاحتياجات الاجتماعية لتغطية واردات اليمن.... *"مقاطعاً".. دكتور ممكن تأجيل هذا الموضوع.. سنتحدث عنه لاحقاً يعني ما.....؟ - "مقاطعا" أريد أقول لك حاجة وهي أن الأداة النقدية المتاحة للبنك المركزي ضئيلة جدا بالنسبة للمعالجة.. أسعار الفائدة هي من الأدوات المتاحة للبنك المركزي لما يطلق عليه بقبض الائتمان أو خفض السيولة لدى الجمهور. *فقط هذه كل الآثار المترتبة على مثل هذا القرار.. هناك البعض يرى أن هناك آثاراً خطيرة؟ - يا أخي الآثار طبعا هي آثار انكماشية.. هذه هي واحدة من الأدوات الانكماشية لاقتصاد اليمن، تستخدم دائما في كثير من الدول فيما يطلق عليه باتباع سياسة انكماشية.. الخطر هنا لأن الاقتصاد اليمني يعاني حالة انكماش طويل المدى. *تقصد أن رفع أسعار الفائدة السبب فيما آل إليه الاقتصاد اليمني اليوم؟ - بالضبط وذلك يضاعف الركود الاقتصادي والانكماش.. هذه هي الآثار المباشرة لكن دائما لما تكون الخيارات محدودة أمام "البنك المركزي اليمني" إما أنه يكبح جماح التضخم - والتضخم سوف يضر بقطاع واسع من السكان وخاصة ذوي الدخل المحدود والدخول الثابتة - أو أنه سيعمق الركود الاقتصادي.. طبعا هذا كله يشكل خطراً لأنه دائماً يؤدي إلى ارتفاع معدل الفقر والبطالة في المجتمع وكلها مؤشرات خطيرة تضر بالاقتصاد الوطني. *دكتور.. نريد حصر نطاق هذا الخطر في إطار الحركة التجارية والاقتصادية، وعلى وجه الخصوص الجانب الاستثماري والمستثمرين؟ - كما قلت لك هي سياسة انكماشية ستضاعف أو ستعمق الركود الاقتصادي في البلاد، أيضاً من جانب آخر تؤثر على الاستقرار.. تذبذب سعر الصرف يضر حتى بالعملية الاستثمارية، لأنه المستثمر عندما يعجز أمام تقلب أسعار الصرف بشكل سريع وحاد يعجز عن حساب معدلات الربح وبالتالي ينصرف عن الاستثمار. *هل ثمة بدائل يمكن اتخاذها كبديل لرفع معدل سعر الفائدة من وجهة نظرك كباحث مصرفي متخصص؟ - نعم تعزيز الاحتياطي النقدي من خلال رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي لا تذهب إلا لمن يستحقونها.. عندنا ثلاثة مليار دولار تقريبا تخصص لدعم المشتقات النفطية، وهذا رقم كبير يمثل ثلث موازنة الدولة، وهو لا يفيد الفقراء ولا المنتجين بأي حال من الأحوال وفق كثير من التصورات والدراسات العملية، ولو وفر هذا المبلغ لبرامج التنمية ودعم الاحتياطي النقدي سوف يغني بأكثر من مائة مرة عند إجراء أسعار الفائدة أو إجراءات نقدية أخرى. *طيب يا دكتور.. أنا لي وجهة نظر خاصة في هذا الموضوع - رفع الدعم عن المشتقات النفطية - لأن قناعتي كواحد من الشرائح المسحوقة أنه سيكون له مضاعفات وآثار اجتماعية خطيرة جداً؟ - هذا الانطباع موجود وجرى تعميمه.. دعم المشتقات النفطية لا يسهم إلا بمعدل 7-8 % من دعم الفقراء بينما 80 % من هذا الدعم يذهب لغير الفقراء.. أنا اقول الرقم هذا وأتحدى أي اقتصادي أو شخص مسؤول في الدولة يقدر يواجهني به. *بصرف النظر عن المغامرة في صحة هذا الموضوع من عدمه كونك من أفضل الباحثين المصرفيين ودراساتك للمعالجات النقدية تؤيد ذلك، لكن ما الذي يمكن أن ينعكس على حركة التجارة وعلى وجه الخصوص الاستيراد عبر القنوات الرسمية إزاء هذا القرار مثلا.. هل سيزداد التهريب ويبدأ يتقلص الاستيراد عبر الجهات أو الطرق البنكية؟ - خليني أكون معك كذا واضح بمثال بسيط.. الفاشية الألمانية لم تلق قبولاً ولم تطلع إلى السلطة إلا عندما أنهار سعر الصرف الألماني.. عندما وصل سعر الدولار إلى مليار مارك ألماني، وكان يضطر الألماني أن يخرج بأكياس أو شوالات من النقود ليشتري قطعة خبز، فخطر التضخم أشد وألد الأخطار على المجتمع وخاصة الفقراء، وكبح جماح التضخم مسألة معقدة في السياسة النقدية عندما تكون الخيارات محدودة.. أسعار الفائدة هي الخيار، لكن في الوقت الراهن هذا الخيار لم يكن أفضل الخيارات ولا أكثرها فائدة ونجوعاً. *بالنسبة للخيارات البديلة قد تقل أو تتقلص أمام الفرد أو المجتمعات الصغيرة لكن أمام الدولة ثمة خيارات وبدائل متعددة.. برأيكم ماهي أفضل وأسرع الخيارات الأخرى التي كان من المفترض أن تطرح على الطاولة؟ - أنا مستعد أعلن ذلك من خلال صحيفة "الجمهور" وأتحمل مسؤولية أمام المجتمع.. أقولها بكل وضوح.. مسؤولية اجتماعية لأنني جزء من هذا المجتمع، أن الخيار الوحيد في الوقت الراهن المتاح والذي سيسهم في وقف تدهور سعر الريال الذي يتضرر منه الفقراء بدرجة أساسية، هو رفع الدعم عن المشتقات النفطية إذا سخر هذا الوفر من المشتقات النفطية لعدة خيارات، منها دعم مشاريع التنمية والمنتجين الزراعيين الذين ينتجون "السلع" الأساسية الداخلة ضمن مكونات الأمن الغذائي اليمني مثل القمح وغيره، ودعم مؤسسات الدولة.. وأنا أتحمل المسؤولية لأن هذا هو الخيار الوحيد، وأخشى أن اليمنيين سيشهدون الأسابيع القادمة إذا لم يتم معالجة سعر الصرف بشكل سريع وعاجل وجدي ما لم ينتظروه. *دكتور.. هل تتصور أن المعالجات النقدية في إطار مكتبي كفيلة بحل المشكلة بمعزل عن المعالجات الاقتصادية بشكل عام؟ - لا.. لا .. عفوا عزيزي أنا أتكلم كإقتصادي في معالجات قصيرة الأجل، يعني عندما يكون المريض في وضع حرج يودونه غرفة الإنعاش.. هذه الغرفة ليست مكان العلاج طويل الأمل هي لوقف التدهور.. يعني على مستوى القرار قصير الأجل والمعالجات السريعة التي توقف تدهور العملة، ما فيش إجراءات اقتصادية طويلة الأمد، لأن هذا يحتاج إلى وقت فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل والنمو الاقتصادي، كل هذا سيعالج تدهور العملة الوطنية.. نحن الآن نتحدث عن قرار قصير الأجل اليوم الريال يتراجع بشكل مقلق أمام الدولار، لهذا لابد من قرار سريع وعاجل على مدى أسابيع وأشهر، هذه القرارات ليست اقتصادية وإنما قرارات قصيرة الأجل.. يعني نحن في إطار مستوى قصيرة الأجل، إما أن نحل المشكلة أو نبقى في وضع صعب وهذا خيارنا الوحيد.. كما أكرر: أتحمل المسؤولية فيما ذكرت. *من وجهة نظرك هل المشكلة اقتصادية أم أنها نقدية بحتة؟ - هي مشكلة اقتصادية كبيرة.. سعر الصرف أنا أشبهه بدرجة حرارة الجسم زي الترمومتر لما ترتفع درجة حرارة الجسم لا يعني ذلك أن المرض الحرارة، وإنما هو مؤشر على أن الجسد مريض وعليل.