أنس القباطي هناك من لا يريد لليمنيين أن يتقاربوا، ويسعى جاهدًا لإبقائهم في حالة من الفرقة والانقسام والخصام. فكلما اقتربوا من بعضهم البعض، تنفجر فجأة حوادث هنا أو هناك، تُفبرك وتُصنع عمدًا روايات وقصص، لإعادتهم إلى ضفتي نهر الكراهية الذي يُراد له أن يستمر في التدفق. في خضم هذا المشهد المعقّد، تتحرك جيوش إلكترونية من الذباب المموّل، لضخّ سيل من الأكاذيب والتفاهات، بهدف تشتيت الناشطين وتحويل أنظارهم عن القضايا الجوهرية، وعلى رأسها الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، التي يُمثّل الدفاع عنها الخطوة الأولى نحو استعادة روح الدولة. من المؤسف أن كثيرًا من حالات التضامن مع ضحايا الانتهاكات سرعان ما تنهار لمجرد أن يُبدي الضحية موقفًا لا يعجب البعض. وهذا الانسحاب من المواقف يُعبّر عن قصور واضح في الوعي الحقوقي، ويكشف أن دوافع التضامن لم تكن مبدئية، بل نتيجة خصومة سياسية مع الجهة المنتهِكة. إن الحقوق والحريات لا يمكن أن تُجزّأ، وتجزئتها تعني تسييسها. وتسييس الحقوق يفتح الأبواب على مصراعيها لانتهاكات متكررة، لأن منتهك الحقوق والحريات العامة حين يجد من يبرر له، سيتمادى أكثر، مدفوعًا بعدم وجود رادع أخلاق. لذلك، لا بد من إدانة الانتهاكات أياً كان مرتكبيها، باعتبار ذلك مبدأ غير قابل للمساومة أو للحسابات السياسية، فحين تدين انتهاكًا ما، فأنت لا تتضامن فقط مع الضحية، بل تدافع عن نفسك أولًا، لأن من انتهك حقوق غيرك اليوم، سينتهك حقوقك غدًا. إن استعادة الدولة اليمنية لن تكون ممكنة ما لم نتصدّ لانتهاكات الحقوق والحريات العامة، بصرف النظر عن هوية الجهة التي تمارسها. لأن الحقوق هي روح الدولة، وهي أساس احترام التنوع والتعدد الفكري، والمدخل الطبيعي لبناء مجتمع سليم يحتكم إلى القانون لا إلى العنف. يجب أن نُدرك أن الحرب في جوهرها هي أكبر انتهاك للحقوق والحريات، وهي وسيلة لتقويض سلطة الدولة وقوانينها الرادعة. وإذا ما آمن الناس بأن الحقوق والحريات العامة مبدأ فوق الخلافات السياسية والمصالح الشخصية، فإن الحرب ستفقد أسباب استمرارها، وسيرتدع أمراء الحرب أمام اصطفاف حقوقي واسع ضد الانتهاكات، ما سيجبرهم على الجنوح إلى السلام، والعودة إلى دولة القانون. أيها المثقفون، إن دفاعكم عن الحقوق والحريات كمبدأ غير قابل للتجزئة هو حجر الزاوية في وقف الحرب وإنهاء تداعياتها. وهو الطريق إلى استعادة الدولة التي أوشكت سنوات الحرب ان تقضي على ما تبقّى منها.