صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    صنعاء .. الافراج عن موظف في منظمة دولية اغاثية    لماذا تظل عدن حقل تجارب في خدمة الكهرباء؟!    ميناء الحديدة يستأنف أعماله    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    قالوا : رجاءً توقفوا !    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    باجل حرق..!    الذكرى الثانية للتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    حادث غامض جديد على متن حاملة الطائرات الأمريكية ترومان بالبحر الأحمر    الجيش الباكستاني يعلن تعرض البلاد لهجوم هندي بعدة صواريخ ويتعهد بالرد    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص ورقة الدكتور محمد عبد الله نعمان المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين؟"
نشر في التغيير يوم 29 - 01 - 2012

نص ورقة الدكتور محمد عبد الله نعمان المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين ؟ الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 23- 24 يناير الجاري والذي نظمه مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان:
بسم الله الرحمن الرحيم
أولويات المرحلة الانتقالية
ورقة مشاركة مقدمة إلى:"المؤتمر الوطني حول اليمن إلى أين!! نحو رؤية معاصرة لبناء اليمن الجديد"
القاهرة 23-24 يناير 2012م
اعداد:الدكتور/ محمد عبد الله نعمان.
أستاذ القانون الدولي العام المساعد بجامعة صنعاء.
العدالة الانتقالية
"كيف نحوّل الأخطاء البشرية عدلاً بشرياً"
(عبارة ملهمة خُطَّت على حائط منزل رئيس أساقفة جنوب إفريقيا (ديزموند توتو) في مدينة كيب تاون).
"العدالة الانتقالية بوصفها أسمي أنواع العدل"
(المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية التونسية، بعد ثورة 2011م)
"الثورة هي حاملة مشروع الإنقاذ الوطني نحو الخلاص نحو الكرامة نحو الحرية"
(مقطع من حوار مع المناضلة و الثائرة اليمنية توكل عبد السلام كرمان،
الحائزة على جائزة نوبل للسلام، 2011م)
"كانت المنصة بين الشعر و محاضرات التوعية و رقصات قبائلنا الذين تركوا السلاح ورائهم ليأتوا إلى ساحة التغيير و هم يهتفون سلمية سلمية فنرد : حيّا بكم حيّا بكم, فوق الراس حيّا بكم! و قدموا الشهيد وراء الشهيد و لا زالوا يهتفون سلمية سلمية..... وما زلنا نخرج ضد النظام و ضد الظلام... ما زلنا نحمل البالونات و الشموع و الورود و نهتف يسقط يرحل حكم العسكر... و كما قال المقالح: سنضل نحفر في الجدار, إما فتحنا ثغرةً للنورِ, أو متنا على وجه الجدار"
(سارة ناشطة و ثائرة من اليمن، 2011م)
"ولن يساوم اليمنيون حتما على حقهم الطبيعي في أن يعيشوا بحرية وكرامة كبقية شعوب الأرض..... أن سنن التغيير الشامل واضحة المعالم تحث خطى الجميع نحو السير بعد التحرر من العبودية والطغيان والفساد في مسيرة هذه الثورة العظيمة إلى خطوة أهم بناء مجتمع الحرية والعدل".
(محمد سالم باسندوة، رئيس حكومة الوفاق الوطني، بعد خلع علي عبدالله صالح،2011م)
المسار التاريخي للعدالة الانتقالية:
يرجع تاريخ العدالة الانتقالية إلي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية و محاكمات نورمبرغ و القضاء علي النازية، و قد توطد مفهوم العدالة الانتقالية فيما بعد و أخذ الشكل الأكثر نضوجا الذي نعرفه اليوم بفضل تجارب متعددة و مختلفة لعل من أهمها:
1. محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات.
2. المتابعات ضد الحكم العسكري في الأرجنتين.
3. جهود تقصي الحقائق في أمريكا الجنوبية:
a. فقد ساهمت لجان الحقيقة في تشيلي 1990م، و الأرجنتين 1983م، في ترسيخ معني العدالة الانتقالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
4. فتح ملفات وكالة الأمن الداخلي السابق في ألمانيا.
5. منع منتهكي حقوق الإنسان السابقين من الوصول إلي مناصب في السلطة من خلال ما عرف بعمليات التطهير في تشيكوسلوفاكيا 1991م.
6. لجنة الحقيقة و المصالحة التي أنشأتها جنوب أفريقيا عام 1995م، و كان لها دور كبير و مهم في دفع مجتمعات أخرى لتبني فكرة العدالة الانتقالية.
7. إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي بها تكللت كل تلك الجهود في مجال العدالة الانتقالية، بل تعد قمة التطور في نضال البشرية ضد امتهان كرامة الإنسان و حقوقه.
و قد شهد العالم منذ السبعينيات حتى اليوم تشكيل (40) هيئة وطنية للحقيقة و المصالحة فى الدول التى سقطت فيها نظم حكم ديكتاتورية. تختلف تجربة الأرجنتين كليا عن تجربة جنوب أفريقيا فى النهج الذى اتبع لتحقيق العدالة و كشف الحقيقة. فقد أوصت مفوضية الحقيقة فى الأرجنتين فى عام 1984م،، بعد تسعة أشهر من التقصي، بالمحاكمات الجنائية و تعويض الضحايا و بالفعل تمت إدانة (5) من كبار جنرالات الجيش.
إلا أن الشد و الجذب بين الحكومات المدنية و المؤسسة العسكرية التي هددت بانقلابات عسكرية في حال استمرار الملاحقة الجنائية أدى إلى إصدار عدة قوانين للعفو و أوقفت فعليا أى ملاحقات جنائية جديدة تجاه المتورطين في الفترة التي أسميت بفترة "الحرب القذرة".
و لكن بعد مرور عشرين عاما على إصدار تلك القوانين قضت المحكمة الدستورية العليا فى عام 2003م، بعدم دستوريتها و هو ما أدى إلى توجيه (1400) اتهام جديد و إصدار مائة حكم بالإدانة حتى عام 2010م، على المتورطين في فترة "الحرب القذرة ".
و حدث نفس الأمر في اليونان و بوليفيا، حيث أجبرت الظروف السياسية و الثورات العسكر على الخضوع للملاحقات الجنائية.
و على عكس ذلك توصلت المؤسسات العسكرية في تشيلي و الأورجواي و جنوب أفريقيا التي كانت تمسك بمقاليد السلطة، إلى تفاهمات مع رجال العهد الجديد ضمنت العفو و عدم الملاحقة الجنائية للقيادات العسكرية.
ففي جنوب أفريقيا ضيقت في بداية التسعينيات من نطاق الملاحقات الجنائية للمتورطين في الانتهاكات التي وقعت إبان حكم الفصل العنصري. فقد دفعت المواءمات والتوازنات السياسية إلى التركيز أكثر على ضرورة إجلاء الحقيقة، و التأهيل النفسي و تعويض الضحايا، و إحياء الذكرى. و وسعت الحكومة في الفترة الانتقالية من برامج تحقيق العدالة الاجتماعية.
و قد وجهت انتقادات كثيرة لتجربة الحقيقة و المصالحة في جنوب أفريقيا بسبب ما وصف بتقليص نطاق الملاحقات الجنائية و بطء إجراءات التقاضي و عدم التعويض الشامل لمئات الآلاف من الضحايا.
و رغم حداثة فكرة العدالة الانتقالية نسبيّا، إلا أن الربع الأخير من القرن العشرين قد شهد تجارب مهمة في مجال العدالة الانتقالية في مختلف أنحاء العالم. و في هذا الصدد، بدأ موضوع العدالة الانتقالية، يطرح نفسه خلال السنوات الأخيرة، و بدرجات متفاوتة على المستويات الوطنية لبعض البلدان العربية في كل من: الجزائر و السودان و العراق. و البحرين و موريتانيا و لبنان و اليمن و مصر و سوريا و الأردن.
و قد تباينت صيغ طرح الموضوع، سواء في شكل دعوات رسمية لبعض صناع القرار السياسي، في إطار تثبيت السلم المدني و إنهاء النزاع المسلح أو في صيغة دعوات رسمية ذات صلة بتعزيز الانتقال الديمقراطي عن طريق المصالحات الوطنية. كما تباينت صيغ طرح موضوع العدالة الانتقالية، فالضحايا يطرحون العدالة الانتقالية بشكل يختلف عما يطرحه السياسيون كما أن مؤسسات المجتمع المدني المرتبطة أو المتفاعلة مع هذا الموضوع تطرحه، من خلال أشكال متعددة، و رغم الاختلاف في دوافع طرحه إلاّ أن جميع الدعوات ترمي إلى الكشف عن الحقيقة و عدم الإفلات من العقاب.
و يأتي طرح موضوع العدالة الانتقالية بصفة مباشرة، من قبل هيئات و جهات رسمية و حقوقية في إطار حركة تهدف إلى تثبيت السلم المدني و إقرار المصالحة الوطنية كما بدأ الموضوع يفرض نفسه في سياقات ذات صلة بتعزيز الديمقراطية و تثبيت الوحدة الوطنية في إطار استراتيجية للإصلاح السياسي في بعض البلدان.
المفهوم العام للعدالة الانتقالية:
تشير العدالة الانتقالية إلى حقلٍ من النشاط أو التحقيق يركز على المجتمعات التي تمتلك إرثاً كبيراً من انتهاكات حقوق الإنسان، كالإبادة الجماعية، أو أشكال أخرى من الانتهاكات تشمل الجرائم ضد الإنسانية ،أو الحرب الأهلية، وذلك من أجل بناء مجتمع أكثر ديمقراطية لمستقبل آمن.
فالعدالة الانتقالية هي فلسفة ومنهجية، هدفها أن تعالج ماضي انتهاكات جسيمة، و مساعدة الشعوب على الانتقال بشكل مباشر و سلمي و غير عنيف إلى الديمقراطية.
فما من شك أن كل وضع غير ديمقراطي و استبدادي ينتج عنه صور مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، و لأنه لا يمكن التقدم للأمام و تحقيق أي انتقال ديمقراطي ما لم تتم معالجة ملفات الماضي فيما يتعلق بتلك الانتهاكات، و يتم تطبيق العدالة الانتقالية.
و العدالة الانتقالية لا تقوم على الثأر والانتقام، بل تهدف للوصول إلى حل وسط بين الحاكم و المحكوم، بين مرتكب الانتهاكات و ضحاياه، في محاولة لمراجعة ما تم، و الخروج الاستراتيجي منه، لإعادة بناء وطن للمستقبل يتسع للجميع، قوامه احترام حقوق الإنسان و الديمقراطية و سيادة القانون.
المفهوم القانوني للعدالة الانتقالية:
هي جميع الإجراءات القانونية و السياسية و الإدارية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تتخذ في الفترة الانتقالية من نظام ديكتاتوري سلطوي إلى نظام ديمقراطي. و تمثل العدالة الجنائية إحدى أهم ركائز هذه المرحلة الانتقالية كما حدث في تجارب بلدان كثيرة. و لكن مفهوم العدالة و حدودها عادة ما يكون له سقف هو ما يتفق عليه شركاء الوطن خلال المرحلة الانتقالية، و يثبتونه في وثيقة رسمية.
فالعدالة الانتقالية هي نتيجة طبيعية لتوفر إرادة سياسية حقيقية، بحيث يتم التعامل مع الانتهاكات بطريقة واسعة و شاملة، سواء الانتهاكات التي قامت بها الدولة وهي تدافع عما تعتقد أنه مشروعيتها، أو تلك التي قام بها الأفراد أو التنظيمات السياسية، مدفوعين بهواجس سياسية.
و تقوم العدالة الانتقالية على استراتيجية واضحة وشجاعة في طرق إعمال مبادئ العدالة الانتقالية وما تفرضه من السعي إلى كشف حقائق الماضي وضحاياه و جلاديه، ثم المطالبة بتعزيز المسار الديمقراطي.
و يوجد من يرى أن التركيز بشكل أساسي على العدالة الجنائية الرادعة كآلية أساسية للانتقال من عهد إلى عهد هو فهم ضيق و قاصر لمفهوم العدالة المطلوبة خلال الفترة الانتقالية.
و قد ظهرت تجارب تم التركيز فيها على العدالة الاجتماعية أو العدالة بمفهوم المنهج الإصلاحي للجاني و الضحية كما يوجد فهم للعدالة كإعلاء من قيمة الإنسان و الكرامة الإنسانية.
و أيا كان مفهوم العدالة الذى سيتفق حوله شركاء الوطن لإدارة المرحلة الانتقالية فهناك آليات مختلفة للعدالة الانتقالية. من هذه الآليات: الإصلاح المؤسسي و الإصلاح الأمني، و تعويض الضحايا، و إظهار الحقيقة، و إحياء الذكرى.
و الآن يتابع المراقبون باهتمام بالغ ما سوف تسفر عنه تجارب تونس و مصر و اليمن في الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لأنها تجارب نجحت في إسقاط رأس النظام و جاءت من مخاض ثورات شعبية دون أي تدخل أو ضغوط أجنبية.
أهداف العدالة الانتقالية و دوافعها:
أولاً: الأهداف:
تسعي العدالة الانتقالية إلى بلوغ العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي للمجتمعات والشعوب (مثل الانتقال من الحرب إلي السلم أو من الشمولية إلي الديمقراطية)
و تهدف العدالة الانتقالية إلي التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق و مناهج واسعة و شاملة تتضمن العدالة الجنائية، و عدالة جبر الضرر، و العدالة الاجتماعية و العدالة الاقتصادية.
و ترتكز علي اعتقاد مفاده إن السياسة القضائية المسئولة يجب أن تتوخي هدفاً مزدوجاً و هو: المحاسبة علي جرائم الماضي، و منع الجرائم الجديدة من الوقوع. كما لا تغفل الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات مثل عمليات الإبادة الجماعية و المذابح الجماعية و التطهير العرقي، و غيرها.
ثانياً: الدوافع:
الدافع الرئيس للعدالة الانتقالية هو: مواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، و لابد من التأكيد على ضرورة هذه المواجهة بشفافية و علي هدي من مبادئ العدالة الانتقالية: و الدوافع الفرعية التي تحقق الأهداف و الدافع الرئيس هي:
أولا: تصفية الحسابات بين الجناة و الضحايا.
و هذا الدافع مهم لأنه يؤدي إلى: ضمان إرساء السلام الاجتماعي، و دعم التعايش السلمي بين ضحية الانتهاك و فاعله.
ثانيا: عفا الله عما سلف.
و هذا الدافع مهم لأنه يعزز الانصراف عن الشكوى من انتهاكات الماضي إلى تعزيز مستقبل الديمقراطية و تقويتها، و ذلك لاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم علي أكاذيب، و أن مواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلي ديمقراطية أكثر قوة، و ذلك من خلال إرساء مبدأ المحاسبة، و مكافحة ثقافة الإفلات من العقاب.
ثالثا: الواجب الأخلاقي في مواجهة الحقيقة:
و هذا الدافع مهم لأنه يشجع على اعتراف الجاني بالضحايا من جانب ، و تقبل الضحايا للانتهاكات التي وقعت في حقهم من جانت آخر؛ لأن النسيان أو التناسي هنا يعد شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم و الإهانة لهؤلاء الضحايا، و بالتالي فإن أسلم الحلول و أقلها ضرراً هو فتح جراح الماضي بشفافية من خلال أشكال عديدة من بينها لجان الحقيقة، ومبادرات المصالحة الوطنية.
رابعا: تجنب تكرار نفس الفظائع في المستقبل
بمعنى: أن تكون عملية التذكر و نبش الجراح و المحاسبة هي عنصر ردع و تخويف لمن تسول له نفسه ارتكاب انتهاكات مماثلة في المستقبل.
أسس العدالة الانتقالية و آلياتها:
تقوم العدالة لانتقالية علي خمسة أسس رئيسة لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية، هي:
الأول: المحاكمات و التحقيق في الجرائم:
بموجب القانون الدولي الملزم لكافة دول العالم لابد من محاسبة المسئولين عن الجرائم و فرض عقوبات عادلة عليهم، و لا يشترط أن يتم ذلك في محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، و لكن يمكن تطبيقها في محاكم وطنية أو مختلطة، و لا يوجد في العدالة الانتقالية حصانات لأي كان، بل لابد من الخضوع للمساءلة وفقاً لمبادئ العدالة الجنائية الدولية و المحلية.
الثاني: لجان الحقيقة:
لجان الحقيقة نشأت في الإساس بفضل المجتمع المدني و نشطاء حقوق الإنسان و المدافعون عن الديمقراطية و أبرزهم القائد الملهم نيلسون مانديلا
و هي لجان لتقصي الحقائق، تعمل على إنشاء سجل تاريخي لانتهاكات حقوق الإنسان التي غالبا ما بقيت سرا عن طريق أخذ شهادات الضحايا و المجرمين، و إجراء التحقيقات المفصلة فيها،
و تقوم لجان الحقيقة بتعريف أنماط الانتهاك و نقاط الضعف المؤسسية و الهيكلية، و المشاكل الاجتماعية و الثقافية، و الأنظمة القانونية الضعيفة التي سمحت بحدوث مثل هذه الانتهاكات، و تعد لجان الحقيقة هي أحد الآليات المهمة للعدالة الانتقالية.
كما أن الإنصاف و المصالحة و الاعتذار ستظل تحديا أمامنا، ما لم تطبق الديمقراطية الشاملة فليس الاعتذار هو ما سيضمن عدم التكرار، بل إن الديمقراطية هي ما يضمن عدم التكرار، مما يعني أن مسألة الماضي، بكل حيثياته، هي أكبر من المزايدات السياسية، و إلا سنفوّت على شعوبنا فرصة تاريخية كما فوتنا ذلك مرات عديدة.
الثالث: تعويض الضحايا و جبر الأضرار:
و يشمل ذلك التعويض المادي و المعنوي المباشر عن الأضرار أو ضياع الفرص و رد الاعتبار لمساندة الضحايا معنوياً، و استعادة ما فقد، إن أمكن.
و فيما يتعلق بمسألة الإنصاف و جبر الضرر، فإن أهم وسيلة للإنصاف هي التنمية المستدامة، و هذه أهم عملية تطوير مستمرة و دائمة و يمكن من خلالها أن ينصف شعب بأكمله، لأن الجميع يعدون ضحايا، فإذا كان ضحايا الماضي يطالبون بالخبز و الكرامة لأنفسهم و لأبنائهم، فما من وسيلة لتحقيق هذا من غير التنمية المستدامة، لأنها ستجعل هذا الشعب يجني ثمار ما زرعه و رواه بدمائهم أبناء وطنهم الأوفياء لقضاياه؛ وهو في نفس الوقت صمام الأمان ضد النزعات المتطرفة، سواء في أقصى اليسار أو في أقصى اليمين، وهي النزعات التي تستغل الأخطاء في مجال التنمية.
لذلك فإن أفضل اعتذار هو تحقيق تنمية مستدامة حقيقية، تعيد إلى الشعب ثرواته المنهوبة، و تقرب الدولة من المواطن، و ترسخ قيم العدالة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
الرابع: الإصلاح المؤسسي:
يعد الإصلاح المؤسسي أحد أهم الآليات التي تحتاجها البلدان الخارجة للتو من قمع الديكتاتوريات خاصة، كما يعد هذا الإصلاح ضروري لتفادي وقوع انهيار حضاري أو ديمقراطي في المستقبل.
الخامس: إقامة النُصُب التذكارية:
تعد إقامة النُصُب التذكارية و إحياء الذاكرة الوطنية الجماعية كآلية لإحياء ذكرى الضحايا تأكيداً مستمراً على عدم الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى
ترابط أسس و آليات العدالة الانتقالية:
أسس و آليات العدالة الانتقالية لا تعمل بصورة منفصلة عن بعضها البعض إنما تعمل وفق رؤية تكاملية و ترابط فيما بينها. فمثلاً: يعتبر البعض أن قول الحقيقة دون تعويضات خطوة بلا معني خصوصاً إذا أعطيت وعود بالتعويض. و من جانب آخر إذا تم منح تعويضات مادية دون عمليات مكملة كقول الحقيقة و المكاشفة سيتوقع من هذا خطورة أن ينظر الضحايا إلي هذه التعويضات كمحاولة لشراء صمتهم، كما ان تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن أن توفر جبراً للأضرار أكثر شمولاً مما توفره كل آلية علي حدة.
و يمكن القول بناءً على ما سبق، أن العدالة الانتقالية أو العدالة الديمقراطية أهم للجناة مرتكبي الانتهاكات أكثر من الضحايا، بل أنها تُعد مخرجا استراتيجياً للحكام للعبور إلى المجتمع المدني و الديمقراطي.
و إذا كان بعض السياسيين يحاجج بأن فتح ملفات الماضي أمر لا جدوى منه فكل الأطراف أخطأت، و كلها متمسكة بما قامت به من انتهاكات أو أخطاء، و بالتالي فإن فتح هذا الملف لن يخرج بنا إلى نتيجة سوى المزيد من التعقيد.
فإن واقع الحال يؤكد أنه، من الأفضل للحكام و للشعوب، فتح هذه الملفات و مناقشتها و إنهائها بشكل مرضي على المستوى الداخلي، سواء عبر تشكيل لجان حقيقة داخلية أو مبادرات مصالحة وطنية أو حتى إجراء تحقيقات و محاكمات أمام المحاكم الوطنية، فهذا أفضل ألف مرة من أن يضطر الحكام الشعوب إلى اللجوء لقوى خارجية أو الاحتماء بالمحكمة الجنائية الدولية ضدهم.
علاقة العدالة الانتقالية بالديمقراطية:
يوجد ارتباط وثيق بين العدالة الانتقالية و الديمقراطية و في المراحل الانتقالية للمجتمعات من النظم الديكتاتورية إلى النظم المدنية و الديمقراطية يبرز هذا الارتباط بشكل ملح و واضح.
و تبرز في هذه المرحلة مسألة الاعتذار، و المصالحة و هي مسألة حساسة جدا، فمبدئيا هي مطلب ديمقراطي بجميع المقاييس، لكنه حتى لا يخضع للحسابات السياسية و يفرغ من مضمونه في حاضرنا ومستقبلنا، و يصبح مجرد كلمات أو خطاب لا غير أو اعتذار من أجل الاعتذار، فإنه يشترط تحقق ديمقراطية شاملة، دمقرطة المجتمع و الأحزاب و الدولة أيضا فنحن إما أن نقطع مع ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بإظهار الحقيقة كاملة، وإما أن نعطل المسيرة فنكون مساهمين، أدبيا و أخلاقيا، في إعادة إنتاج هذا الماضي بصيغ جديدة.
و في المؤتمر الدولي الذي انعقد بعد الثورة في تونس بعنوان: "العدالة في الفترات الانتقالية: معالجة انتهاكات الماضي و بناء المستقبل" أوضح رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ديفيد تالبورت)، في كلمته الافتتاحية، أن العدالة الانتقالية تتعامل مع الماضي من منظور كاشف لمحاسبة الذين اقترفوا انتهاكات و لكشف الحقيقة و لتحديد الضحايا و وضع الآليات التي تحول دون حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.
كما اعتبر السيد عبدالباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن التحول السياسي نحو الديمقراطية بتونس يكون منقوصا إذا لم تمثل العدالة جزءً أساسيا من مكوناته.
و العهد الانتقالي الجديد يحتاج إلى تفعيل الآليات المختلفة للعدالة الانتقالية من: تطهير المؤسسات، و إجلاء الحقيقة، و إحياء الذكرى. بما يعود بالفائدة على أي مجتمع يمر بمرحلة انتقالية أو تحولية في مواجهة الماضي و بما يعزز إرساء السلام و تعزيز التحول الديمقراطي في المستقبل.
ومن أجل بلوغ العدالة الانتقالية أهدافها لابد من اتخاذ بعض الخطوات الضرورية و المهمة لعل في مقدمتها:
1.تشكيل فريق عمل حول العدالة الانتقالية:
و إذا كان قد تأسس مثل هذا الفريق بتاريخ 24 نوفمبر 2007م، في اجتماع الرباط الذي شمل نخبة من الحقوقيين و الباحثين و الخبراء العرب المتخصصين في قضايا الحل السلمي للنزاعات العنيفة و المصالحة الوطنية و العدالة الانتقالية و التحولات الديمقراطية و هو فريق عمل عربي من )تونس والأردن والمغرب ولبنان و العراق و موريتانيا و الجزائر) متخصص في قضايا المصالحة الوطنية و العدالة الانتقالية في سياق الانتقال الديمقراطي و قد جاء استجابة للحاجات الكبيرة للمنطقة العربية التي يعاني عدد من أقطارها من آثار أو تواصل النزاعات المسلحة أو الحروب الأهلية و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و معضلات الانتقال الديمقراطي.
فإنه لابد من توسيع هذا الفريق ليشمل أعضاء من: (اليمن و مصر و ليبيا والبحرين و سوريا)، من أجل توفير آلية إضافية تساهم بشكل إيجابي و بنّاء في برامج إحلال السلم و مداواة جروح الانتهاكات الماضية و مقاومة اللا عقاب و الإقصاء و تحقيق العدالة بأشكالها الانتقالية و الكلاسيكية تمهيدا للمصالحة الوطنية و قيام المؤسسات الديمقراطية ضمانا لشروط عدم تكرار هذه الأعمال .
تحديد أهداف فريق العمل حول العدالة الانتقالية:
على فريق العمل أن يضع نصب عينيه أهداف محددة بدقة و أن لا تتشعب هذه الأهداف، بحيث يتمكن من العمل بفاعلية و بالاستفادة من وجود منظمات المجتمع المدني و المتخصصين و الناشطين الحقوقيين في مختلف الدول العربية، بحيث يقتصر دور الفريق في:
1. نقل الخبرات الدولية للمنطقة العربية في مجال المصالحة الوطنية و العدالة الانتقالية و الانتقال الديمقراطي.
2. تأهيل خبرات عربية متخصصة ذات كفاءة في مجالات العدالة الانتقالية المختلفة.
3. تقديم خبرات لقوى المجتمع المدني و الحكومات في الدول العربية في مجال التخطيط الاستراتيجي لطرق و أساليب المصالحة الوطنية باعتماد منهجيات و آليات العدالة الانتقالية.
3.المرجعية القانونية لفريق العمل:
لابد للفريق أن يعتمد على عدد من الوثائق الدولية و العربية كمرجعية لعل من أهمها:
1. الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
2. نظام محكمة روما لعام 1998م، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2002م.
3. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول العدالة الانتقالية لعام 2006م.
4. الوثيقة الصادرة عن مؤتمر الديمقراطيين العرب الذي انعقد بالدوحة في مايو 2007م. كخطوط توجيهية عريضة.
5. ما سيشار إليه من وثائق و قرارات دولية تتعلق بحقوق الإنسان و العدالة الانتقالية في الملحق المرفق بهذه الدراسة، باعتبارها وثائق استرشادية و في مقدمة ذلك قواعد القانون الدولي الإنساني.
4.العدالة الانتقالية و تطهير الدولة
سريان الشرعية الثورية يتطلب بالضرورة تلبية استحقاقات العدالة الانتقالية و في مقدمة ذلك ملاحقة الرموز الفاسدة، لابد لتحقيقات النيابة العامة أن تطال من تورطوا بجرائم في الأحداث المرتبطة بالثورات إلى جانب التحقيق في تضخم ثروة أفراد الأسر الحاكمة و عدد كبير من رموز نظم الحكم البائدة و أن لا يكتفى بالتحقيقات الجنائية. فحسب، كما أنه إذا نجح الادعاء في إثبات أن القيادة السياسية كانت على علم بأوامر إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين أثناء الثورة فذلك سوف يفتح الباب أمام محاكمات جنائية للسياسيين أيضاً.
و يرى حقوقيون كثر أن كثيراً الجرائم المرتبطة بثورات الربيع العربي تكيف على أنها: جرائم ضد الإنسانية وهى واحدة من الجرائم الأربع الكبرى المنصوص عليها في اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. و لا يمكن للمحكمة الجنائية أن تلاحق بعض الحكام العرب جنائيا إلا بقرار إحالة من مجلس الأمن نظراً لعدم انضمامها للمحكمة أو إذا تبين للمحكمة أن القضاء في هذه البلدان لا يرغب أو لا يستطيع إجراء المحاكمات الجنائية بشكل عادل.
5.صناعة القرار و تطهير المؤسسات
تدل تجارب الشعوب التي عاشت فترات الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية أن هناك حقيقة أخلاقية مركزية تحكم منهج هذا التحول: هي إن الشعوب التي عانت لفترات طويلة من ممارسات حكم عنيفة وغير شرعية تريد قطع باب العودة إلى هذه المظالم و تريد في نفس الوقت التأسيس لحكم رشيد يقوم على أساس سيادة القانون و احترام حقوق الإنسان.
فالمشاركة في صنع القرار و تطهير المؤسسات التي كرست نهج الانتهاكات والتضليل (وبخاصة الأمن والإعلام هو ضرورة لا ترف، و تغيير هياكل الأجهزة القمعية و ممارساتها المشينة أمر ملح و ضروري إلى جانب تغيير قياداتها و عقيدة هذه الأجهزة التي قمعت الحريات لفترة طويلة لابد أن تتغير أيضاً.
و كذلك لابد من تطهير مؤسسات الدولة من أركان النظام المستبد الذين أذلوا وأفقروا الشعب و حتى لا تستمر سياساتهم الاقتصادية و الاجتماعية. غير العادلة.
و أن تتم هذه الاجراءات بكل شفافية لكى تلتئم آلام الشعب و يرتدع كل من تسول له نفسه على ممارسة الاستبداد و تتذكر الأجيال القادمة المظالم و الضحايا و كيف سقطوا.
ماذا لو لم تطبق "العدالة الانتقالية" في الجمهورية اليمنية؟
في البداية لابد من التأكيد على ضرورة وجود منهجية للتعامل مع الكم الهائل من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها علي عبد الله صالح و أبنائه و قادته و جنوده، و المتمثلة في القتل الفردي و الجماعي ضد المسالمين و استخدام الأسلحة المحرمة محلياً و دولياً و ضرب المتظاهرين و التحريض عليهم في وسائل الإعلام الرسمية و الابادات الجماعية في تعز و أبين و صنعاء و أرحب و نهم و غيرها إضافة لجرائم الخطف و الإخفاء و التعذيب و الفصل من الوظائف و مع الكم الهائل من الضحايا من جميع الأطراف، حيث طالت الانتهاكات حتى الفئات المحايدة، و النساء و الأطفال و الشيوخ و هم في مساكنهم.
في حال تجاهل "العدالة الانتقالية"، من المتوقع أن نشهد سيل عارم من عمليات الانتقام الفردي و الجماعي و التي ستؤدي إلى المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان و من قبل كل الأطراف. لا سيما أن المطالبة الشعبية بضرورة القصاص من الذين ارتكبوا تلك الجرائم تتصاعد باستمرار وبشكل كبير. و ستجد الحكومة الانتقالية نفسها أمام حزمة كبيرة من الانتهاكات و المظالم و الجرائم التي لا يمكن تجاهلها أو تأجيل التعامل معها.
و قد يعتقد البعض بأن الحل يكمن في التصالح القبلي و بالأساليب المتعارف عليها بين القبائل اليمنية و الحق أن الحلول القبلية السائدة قد تفيد في حوادث السيارات أو الخلافات الفردية أو الأسرية و لكنها لن تجدي نفعا في ما ترتب على هذه الثورة التي بدأت سلمية و حافظت على سلميتها حتى الآن رغم محاولات كثيرة لجرها إلى مربع العنف و حرفها عن سلميتها.
و رغم تمسك الثوار بنهجهم السلمي إلاّ أنهم قوبلوا بالعنف المفرط و هو ما شهدت به لجان التحقيق الدولية و قرارات مجلس الأمن الدولي و قد حدثت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان من قبل النظام و بقاياه المتهالكة، و لذلك فلن تجدي إقامة الدعاوى القضائية على مرتكبي الانتهاكات من الأفراد و المجموعات و لن تجدي جلسات متناثرة لعقد مصالحات بين زعماء القبائل، و لن تجدي التعويضات المادية العشوائية و لذلك ينبغي إعداد خطة متكاملة تبنى على محورين أساسيين متلازمين هما:
1.العدالة الانتقالية.
2. المصالحة الوطنية الشاملة.
عوائق تحقيق العدالة الانتقالية:
قد تحول موانع و عوائق كثيرة دون تحقيق العدالة الانتقالية في المرحلة الانتقالية أو ما بعدها، و منها:
1. عجز أو تباطؤ الأجهزة التنفيذية للسلطة الانتقالية عن الشروع في تكوين لجان تقصي الحقائق، أو لجان التحقيق، أو المحاكم التي ستقوم بالبث في الدعاوي الفردية و الجماعية، أو عن تنفيذ أحكام المحاكم التي تؤسس للبت في القضايا المرفوعة حول تلك الانتهاكات.
2. عدم مصداقية أجهزة القضاء أو ضعف استقلاليتها أو اختراقها من قبل رموز الفساد من القضاة و المحامين و لقانونيين.
3. فاعلية الثورة المضادة أو فلول "الطابور الخامس" على اختراق صفوف القيادة السياسية و الأمنية في المرحلة الانتقالية، و بالتالي تمكنهم من التستر على انتهاكات و جرائم تورط فيها عناصر منهم في مرحلة الدكتاتورية و الحكم العائلي.
4. التسرع في إصدار العفو العام، لأسباب سياسية، أو منح الحصانة القضائية لمرتكبي الانتهاكات عبر الإعلان عن قانون للعفو العام الذي يتم استغلاله من قبل مرتكبي الانتهاكات خلال المرحلة السابقة و هو ما يتنافى مع مبادئ العدالة الانتقالية التي لا تعرف الحصانة.
5. طمس الحقائق أو تغييبها أو العجز عن كشف الحقائق المطلوبة لتسوية ملفات انتهاكات مرحلة الدكتاتورية أو عدم قدرتها على كشف النقاب عن ملفات و جرائم ارتكبت مع استمرار معاناة ضحاياها.
6. ضياع الوثائق و المستندات المطلوبة لإدانة عناصر النظام أمام قضاء عادل يوفر للمتهمين حق الدفاع عن أنفسهم من منطلق أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته".
مؤشرات فشل السلطة في تحقيق العدالة الانتقالية:
قد يكون الفشل حليف السلطة في تحقيق العدالة الانتقالية، إذا لم تتوخى الحرص الأكيد في إنصاف الضحايا و مساءلة المسئولين عن الانتهاكات بشفافية و نزاهة كاملة، و ستظهر مؤشرات فشلها في تحقيق هذه المهمة من خلال ما يأتي:
1. إفلات عدد من رؤوس النظام الفاسد من العقاب. سواء من القبيلة أو من الأجهزة الأمنية أو من مؤسسات الدولة بسبب العفو العام الذي قد تصدره السلطة الانتقالية، أو بسبب عدم قدرة الادعاء العام على إبراز الأدلة الدامغة لإدانتهم أمام القضاء العادل.
2. تسلل بعض العناصر المشبوهة و المعروفة بالفساد و الاستبداد إلى مواقع مهمة في البنية الأمنية و القانونية و القضائية و السياسية التي لها علاقات وطيدة مع السلطة الانتقالية أو بعض عناصرها.
3. ظهور سلوكيات لعناصر في السلطة الانتقالية تكرس مفاهيم السلطة المطلقة التي يفترض أنها رحلت مع النظام الهالك، مما له أثر واضح على حرمان الليبيين من ممارسات الحريات العامة ومنع ضحايا الانتهاكات من الحصول على أحكام أو تعويضات أو اعترافات عادلة لقضاياهم .
4. حرص أحد أو عدد من المتنفذين أو المقربين من السلطة الانتقالية على التصالح مع بقايا النظام الهالك، و الحرص على توطيد العلاقة معهم سواء لكونهم من المعارف أو الأقرباء أو الأصدقاء أو الشركاء في أعمال تجارية مما سينتج عنه مظالم و خروقات جديدة قديمة.
العوامل السلبية ضد العدالة الانتقالية:
ما ذكر أعلاه بعض العوامل السلبية التي ستؤدي بالضرورة إلى جملة من العواقب الوخيمة و النتائج السلبية ضد العدالة الانتقالية و بالتالي تضر بمسيرة التحول الديمقراطي، و منها:
1. خلط الأوراق و ضياع الحقيقة و تحول المجرم إلى ضحية.
2. تعاظم معاناة الضحايا و شعورهم بالضيم و الإحباط و اليأس من التحول نحو الديمقراطية الحقيقية.
3. إفلات المجرمين من العقاب مما قد يحول بعضهم من خلال الادعاءات المضللة أبطالا للمرحلة القادمة.
4. انعدام الأمن في البلاد و السلام و الوئام الاجتماعي بسبب غياب العدل و سيادة حكم القانون.
عوامل نجاح تجربة "العدالة الانتقالية":
لنجاح تجربة العدالة الانتقالية في المرحلة الانتقالية و بعدها لابد من السير وفقاً لنهج محدد يقوم على خطوات مدروسة لعل من أهمها:
1. ضرورة وجود توازن و عدم استعجال في إصدار الأحكام.
2. ضرورة خضوع المحاكمات للمعايير الدولية و ضمانات المحاكمات العادلة، بحيث لا تتحول المحاسبة إلى انتقام.
3. تحصين النظام الجديد بإجراءات قانونية و إدارية بحيث لا يقع في فخ الاستبداد و عدم احترام حقوق الانسان ، و بما يعزز ثقة الناس بأن الانتهاكات لن تتكرر في المستقبل.
4. ضرورة أن تخضع عملية المحاسبة للقوانين.
5. القناعة الحقيقية بضرورة المضي قدما في تطبيق آليات العدالة الانتقالية و المصالحة الوطنية
تحديد الأوليات لنجاح المرحلة الانتقالية و ما بعدها:
لنجاح المرحلة الانتقالية و في اطارها العدالة الانتقالية لابد من تحديد الأولويات لهذه المرحلة الحاسمة في تاريخ الشعوب، و لعل من أهمها:
أولا: إصدار جملة من القوانين و القرارات و الإجراءات القانونية و الإدارية بترتيب يتنافى معه إمكانية الطعن في شرعيتها، و منها:
1. الإلغاء الرسمي و القانوني لمؤسسات النظام الاستبدادي الأسري الفاسد وخاصة الأجهزة الأمنية القمعية، و أية مؤسسات تابعة لها.
2. تأسيس لجان فنية لملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات و لبحث الإجراءات اللازمة لتقديمهم للقضاء العادل.
3. الشروع في الوصول للحقيقة و العدالة في قضايا الاختفاء القسري و المفقودين و المغيبين و موتى المقابر الجماعية و ضحايا الاغتصاب و القتل الجماعي.
4. تأسيس محكمة جنائية مختصة بمحاكمة علي عبد الله صالح وأولاده و بقايا نظامه من الشخصيات التي ارتبطت بممارسة انتهاك حقوق المواطن اليمني و استغلال السلطة و النفوذ.
5. تحويل المسؤولين السابقين للقضاء بتُهم تتعلق بالاستبداد و انتهاكات الحقوق، و جرائم ضد الإنسانية، و جرائم الفساد.
6. توفير سُبل التعويض العادل للضحايا و الاعتذار عمّا لحق بهم.
7. اتخاذ إجراءات لإصلاح القوانين المُجحفة بحقوق الإنسان و إعادة تأهيل مؤسسات الشرطة وأمن الدولة و أقسام وزارة الداخلية، و تحويلها من مؤسسات قمعية إلى مؤسسات تحافِظ على أمن المواطن و المجتمع و تحترم حقوق الإنسان.
8. دعوة خبرات تابعة للمركز الدولي للعدالة الانتقالية لزيارة البلاد و عقد الحوارات و المشاورات معها في حضور مؤسسات المجتمع المدني من أجل الاستفادة من التجارب الماضية و نقل خبرات مهمة في العدالة الانتقالية حتى نتجنب الوقوع في أخطاء وقعت فيها بعض الدول في السابق.
ثانيا: القيام بترتيبات سياسية و اقتصادية و اجتماعية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة و في خطوات متوازية مع الترتيبات القضائية و القانونية، و منها:
1. البدء في حوار واسع و شامل مع المجتمع، و خاصة مع أسر الشهداء و ضحايا النظام الفاسد، بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، للتوصل إلى تحديد دقيق للمطالب و الأولويات مع شرْح حقيقة استِحالة تطبيق كل آليات العدالة في نفس الوقت و على وجه السرعة.
2. اتخاذ خُطوات عملية توضِّح للمجتمع أن الثورة أسفَرت عن تغييرات حقيقية من خلال احترام فِعلي لحقوق الإنسان و مواصلة محاسبة المسؤولين عن الجرائم و نهب المال العام.
3. الشروع في إصلاح القوانين المقيّدة للحريات و إصلاح المؤسسات التي تسبَّبت في الماضي في انتهاك حقوق المواطنين و عدم السماح لمَن أفسدوا في الماضي، بمواصلة نشاطهم الهدام.
4. تفعيل لجان الحقيقة ، لكشْف حقيقة ما حدث أثناء الثورة و ما كان يحدُث في الماضي و ضَمان عدم تكراره.
عوامل نجاح المصالحة الوطنية:
لنجاح المصالحة الوطنية لابد من توفر عدة شروط لعل من أهمها:
1. الاعتراف الرسمي بالوقائع التي شكلت انتهاكا لحقوق الانسان و الاقرار بمبدأ محاسبة مرتكبيها في اطار مبدأ تصالحي يشمل كافة ألوان الطيف السياسي و الاجتماعي .
2. الاقرار بمبدأ تعويض أهالي المتضررين مادياً و معنوياً .
3. إبراز تجربة العدالة الانتقالية في الذاكرة الوطنية لكى تكون سداً أمام كل من يفكر في اقتراف انتهاكات في المستقبل سواءً بتناول ذلك الحدث محل التحقيق في وسائل الاعلام أو بإحداث مشاهد تذكارية في موقع الحدث.
4. العمل على الكشف عن جميع المختفين و المفقودين و تحديد أماكن اختفائهم و العمل الجاد على تسليم رفات المتوفين منهم لذويهم و اشراكهم في التحقيقات المتعلقة بذلك.
5. ضمان حياد لجان الحقيقة و العدالة و استقلاليتها عن أروقة السلطة، بحيث لا يكون من بين أعضائها من تولوا وظائف من شأنها القيام بممارسات سياسية أو قضائية لها علاقة بالأحداث التي تجرى التحقيقات بشأنها.
ملحق مهم بالدراسة
حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية
وثيقة صادرة عن مجلس حقوق الإنسان
سبتمبر 2006م
إن مجلس حقوق الإنسان،
إذ يسترشد بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949 وبروتوكوليها الإضافيين المؤرخين المؤرخة 8 حزيران/يونيه 1977، وغير ذلك من الصكوك ذات الصلة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وإعلان وبرنامج عمل فيينا،
وإذ يشير إلى القرارات السابقة للجنة حقوق الإنسان بشأن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية (2005/70)، والإفلات من العقاب (2005/81)، والحق في معرفة الحقيقة (2005/66)، وإلى قرار الجمعية العامة 60/147 بشأن المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، فضلاً عن مقرَّري المجلس 4/102 بشأن العدالة الانتقالية و2/105 بشأن الحق في معرفة الحقيقية،
وإذ يشير أيضاً إلى تقرير الأمين العام بشأن سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع (S/2004/616)، بما في ذلك التوصيات ذات الصلة الواردة فيه، وإلى تقرير الأمين العام المعنون "لنوحِّد قوانا: تعزيز الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة من أجل سيادة القانون" (A/61/636-S/2006/980) الذي يعيِّن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بوصفها الكيان الرائد داخل منظومة الأمم المتحدة بشأن جملة أمور، منها العدالة الانتقالية،
وإذ يشير كذلك إلى مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها من خلال الإجراءات الرامية إلى مكافحة الإفلات من العقاب (E/CN.4/Sub.2/1997/20/Rev.1، المرفق الثاني)، وإذ يحيط علماً مع التقدير بالنسخة المحدَّثة لتلك المبادئ (E/CN.4/2005/102/Add.1)، فضلاً عن تقرير لجنة حقوق الإنسان بشأن استقلال القضاء، وإدارة العدل، والإفلات من العقاب (E/CN.4/2006/52)،
وإذ يشير إلى قرار مجلس الأمن 1325 (2000) بشأن المرأة والسلم والأمن والاعتراف بمساهمة المرأة في حل النزاعات وتحقيق السلم المستدام،
وإذ يرحب بالدور الذي تؤديه لجنة بناء السلم في هذا الصدد، وإذ يذكِّر بضرورة قيام هذه اللجنة بتكثيف جهودها، في إطار ولايتها، بالتعاون مع الحكومات الوطنية والانتقالية وبالتشاور مع كيانات الأمم المتحدة ذات الصلة، من أجل إدماج حقوق الإنسان، لدى إسداء المشورة بشأن استراتيجيات بناء السلم، أو لدى اقتراح استراتيجيات لبناء السلم خاصة ببلدان بعينها، فيما يتعلق بأوضاع ما بعد الصراع في الحالات قيد النظر، حيثما ينطبق ذلك،
وإذ يسلِّم بدور المحكمة الجنائية الدولية في إطار نظام متعدد الأطراف يهدف إلى وضع حد للإفلات من العقاب، وإرساء سيادة القانون، وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان، وتحقيق سلم مستدام، وفقاً للقانون الدولي ولمقاصد ومبادئ الميثاق،
وإذ يرحِّب بالأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة، بما في ذلك عن طريق وجودها الميداني، في مساعدة الدول على تصميم وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية وتعزيز سيادة القانون، فضلاً عن العمل المفاهيمي والتحليلي الذي تضطلع به بشأن العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان،
وإذ يرحِّب أيضاً بالإدماج المتزايد لمنظور حقوق الإنسان، بما في ذلك عن طريق الأنشطة التي تضطلع بها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية في منظومة الأمم المتحدة، في أنشطة الأمم المتحدة المتصلة بالعدالة الانتقالية، فضلاً عن الأهمية التي توليها لسيادة القانون والعدالة الانتقالية المفوضة السامية لحقوق الإنسان ومكتبها، بما في ذلك الوحدة المعنية بسيادة القانون والديمقراطية،
وإذ يشدِّد على أن المجموعة الكاملة من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ينبغي أن توضع في الاعتبار في أي سياق للعدالة الانتقالية، من أجل تعزيز جملة أمور، منها سيادة القانون والمساءلة،
1- يرحب بالدراسة المتعلقة بالأنشطة التي تضطلع بها في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أجهزة منظومة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان (E/CN.4/2006/93)، كما يرحب بالتقدم المحرَز بشأن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية (A/HRC/4/87)؛
2- يؤكِّد أهمية وإلحاح الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى استعادة العدالة وسيادة القانون في أوضاع الصراع وما بعد الصراع وكذلك، حيثما يكون ذلك ذا صلة، في سياق العمليات الانتقالية؛
3- يشدِّد على أهمية الأخذ بنهج شامل إزاء العدالة الانتقالية تُدمَج فيه المجموعة الكاملة من التدابير القضائية وغير القضائية، بما في ذلك، في جملة أمور أخرى، عمليات الملاحقة القضائية الفردية، وعمليات الجبر، والسعي إلى معرفة الحقيقة، والإصلاح المؤسسي، ومساءلة الموظفين والمسؤولين الحكوميين، أو مجموعة مؤتلفة من هذه التدابير يجري تصوُّرها على النحو المناسب، من أجل التوصل، في جملة أمور، إلى ضمان المساءلة، وخدمة العدالة، وتوفير سبل انتصاف للضحايا، وتعزيز التعافي والمصالحة، وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة على النظام الأمني، واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون، وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛
4- يشدِّد أيضاً على أن العدالة والسلم والديمقراطية والتنمية هي ضرورات حتمية يُعزِّز بعضها بعضاً؛
5- يؤكِّد أهمية وجود عملية شاملة للتشاور الوطني، ولا سيما مع أولئك المتضررين من جرّاء انتهاكات حقوق الإنسان، في الإسهام في استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية تأخذ في الاعتبار الظروف المحدَّدة لكل حالة وبما يتوافق مع حقوق الإنسان؛
6- يشدِّد على أهمية إعطاء المجموعات الضعيفة، بما فيها تلك المجموعات المهمَّشة لأسباب سياسية أو اجتماعية - اقتصادية أو غير ذلك من الأسباب، دوراً في هذه العمليات، وضمان التصدي للتمييز والأسباب الجذرية للصراع؛
7- يسلِّم بالدور الهام الذي تؤديه الجهات التالية في تحقيق أهداف العدالة الانتقالية وفي إعادة بناء المجتمع، وكذلك في تعزيز سيادة القانون والمساءلة:
(أ) رابطات الضحايا، والمدافعون عن حقوق الإنسان، وغير ذلك من فعاليات المجتمع المدني، فضلاً عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المُنشأة وفقاً لمبادئ باريس؛
(ب) المنظمات النسائية في تصميم وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية من أجل ضمان تمثيل النساء في هياكلها والأخذ بمنظور جنساني في ولاياتها وعملها؛
(ج) وسائط الإعلام الحرة والمستقلة في إعلام الجمهور ببُعد حقوق الإنسان في مجال آليات العدالة الانتقالية محلياً ووطنياً ودولياً؛
8- يشدِّد على ضرورة توفير تدريب في مجال حقوق الإنسان يراعي الاعتبارات الجنسانية في سياق العدالة الانتقالية، وذلك لصالح جميع الفعاليات الوطنية ذات الصلة، من بينها أفراد الشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات والأمن، وموظفو النيابة العامة والعاملون في جهاز القضاء، في التعامل مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وبخاصة النساء والفتيات؛
9- يؤكد ضرورة احترام حقوق كل من الضحايا والمتهمين، وفقاً للمعايير الدولية، مع إيلاء اهتمام خاص لمن هم الأشد تضرراً من جراء الصراعات وانهيار سيادة القانون، ومن بينهم النساء والأطفال والمهاجرون واللاجئون والأشخاص ذوو الإعاقات والأشخاص المنتمون إلى أقليات وأفراد الشعوب الأصلية، وضمان اتخاذ تدابير محدَّدة لتأمين مشاركة هؤلاء مشاركة حرة وحمايتهم ولضمان العودة المستدامة، بأمان وكرامة، للاجئين والمشرّدين داخلياً؛
10- يهيب بالدول أن تساعد الأمم المتحدة في عملها الجاري بشأن التوصيات ذات الصلة الواردة في تقرير الأمين العام بشأن سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع (S/2004/616) وتقريره المعنون "لنوحِّد قوانا: تعزيز الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة من أجل سيادة القانون" (S/2006/980)، بطرق منها إدماج القانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادئه وأفضل الممارسات في عملية إنشاء وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية، والتعاون الكامل مع الوجود الميداني للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، وكذلك عن طريق تيسير عمل الإجراءات الخاصة ذات الصلة؛
11- يهيب بالمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية مساعدة البلدان، التي تقبل ذلك، في سياق العدالة الانتقالية، على ضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان وإدماج أفضل الممارسات في عملية وضع وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية؛
12- يطلب إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تُسهم في تعزيز دورها الرائد، بما في ذلك فيما يتعلق بالعمل المفاهيمي والتحليلي بشأن العدالة الانتقالية، ومساعدة الدول على تصميم وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية من منظور حقوق الإنسان، مع التشديد في الوقت نفسه على أهمية التعاون الوثيق بين المفوضية وغيرها من الأجزاء ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، وكذلك مع المنظمات الدولية وغير الحكومية الأخرى فيما يتعلق بإدماج حقوق الإنسان وأفضل الممارسات في عملية وضع وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية، وفي العملية الجارية لتعزيز منظومة الأمم المتحدة في مجال سيادة القانون والعدالة الانتقالية؛
13- يطلب أيضاً إلى من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تقدم، بالتشاور مع الجهات الأخرى المعنية في منظومة الأمم المتحدة، والمجتمع المدني، وغير ذلك من الجهات المعنية، دراسة تحليلية بشأن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية تتضمن استعراضاً عاماً للأنشطة التي تضطلع بها أجهزة منظومة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك العناصر المعنية بحقوق الإنسان ضمن بعثات إحلال السلم، وتحليلاً للعمل المُنجَز، وتجميعاً للدروس المستفادة وأفضل الممارسات، وتقييماً للاحتياجات الإجمالية، فضلاً عن استنتاجات وتوصيات، بغية مساعدة البلدان في سياق العدالة الانتقالية، فضلاً عن جرد لجوانب حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في اتفاقات السلم المبرمة مؤخراً؛
14- يطلب إلى الأجزاء الأخرى لمنظومة الأمم المتحدة أن تتعاون تعاوناً كاملاً مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية؛
15- يقرِّر أن يواصل نظره في هذه المسألة في دورته الثانية عشرة أو في الدورة المقابِلة وفقاً لبرنامج عمله السنوي.
الجلسة الثانية والعشرون
24 أيلول/سبتمبر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.