الأهمية القصوى والضرورة البالغة هي ما يشير إليها د. محمد المخلافي – وزير الشئون القانونية – لإصدار قانون العدالة الانتقالية، مؤكداً على هذه الأهمية بأن ((العدالة تحقق الرضا لدى المجتمع وتجبر الضرر وتوجد التدابير المانعة لانتهاك حقوق الإنسان)). وتعتبر الحكومة اليمنية ملزمة بإصدار قانون العدالة الانتقالية وفقاً لنص قانون ((الحصانة))، حيث نصت علية المادة الثالثة من قانون الحصانة المقدم حكومياً والمقر برلمانياً، والذي ألزم حكومة الوفاق الوطني ما نصه “تقديم مشروع بقانون” إلى البرلمان حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. وفي 19 يناير من هذا العام أقر مجلس النواب المادة (3) على حكومة الوفاق الوطني تقديم مشروع بقانون أو مشاريع بقوانين إلى البرلمان حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وفقاً لما ورد في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في فقرتها (ح) من البند (21) بما يرمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. وضم مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية القانون رقم (1) لسنة 2012 الذي يمنح الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس السابق علي صالح ومعاونيه، مما يبعد هؤلاء عن المحاسبة الجنائية علة انتهاكهم للقانون الدولي. وفي يونيو حظ مجلس الأمن الحكومة اليمنية على «سرعة إصدار التشريع الخاص بالعدالة الانتقالية دعماً لتحقيق المصالحة»، كما شدد مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، أن “قانون العدالة الانتقالية أصبح مطلباً لمجلس الأمن الدولي بعد التحفظات التي أبدتها الأممالمتحدة على قانون الحصانة الممنوح للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح؛ باعتباره يتناقض مع مبادئ الأممالمتحدة، خاصة ما يتعلق بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى “أن إجراء تحقيق دولي شفاف حول الانتهاكات التي ارتكبت بحق المتظاهرين خلال العام الماضي أمر لابد منه، “وقد أدت بعض المشاورات العامة إلى تعديل مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وفشلت الحكومة في الوصول إلى التوافق وإقراره في وقت سابق بعد امتناع وزراء المؤتمر عن نقاش لجنة التحقيق في «أحداث 2011» والتي تعد إحدى النقاط المتفرعة من مشروع العدالة الانتقالية أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وهي اللجنة التي تم صدور قرار جمهوري بإنشائها في 22من هذا الشهر، ومثل قرار إنشائها تعزيزاً لصدور قانون العدالة الانتقالية حسب د.المخلافي، والذى يضيف: لا أستطيع القول في الوقت الحاضر بأن الموقف ضد مشروع قانون العدالة الانتقالية لايزال كما كان سابقاً، فقد اتسع القبول لمشروع القانون، وأصبح من يعارضونه غير معارضين له. ويؤكد المخلافي بأن هذه الجماعات مجتمعة لم تعد تمثل موقفاً حقيقياً أو تعبيراً هاماً عن الرفض لمشروع القانون. ويحدد المخلافي المجموعات المعارضة سابقاً لمشروع القانون بقوله: هناك فئه لا تدرك أهمية المشروع والناس أعداء لما يجهلون، وهناك مجموعة أخرى ربما موقفها من مشروع القانون يتصل بمحاولة إعاقة العملية السياسية والتحول السلمي عبر التوافق الوطني، وأيضاً هناك من أراد أن تكون هذه العدالة شاملة العدالة الجنائية، وبالتالي يجرى الرفض للعفو عن مرتكبي الانتهاكات. وتهدف العدالة الانتقالية فلسفة ومنهجية، لمعالجة ماضي انتهاكات جسيمة، ومساعدة الشعوب على الانتقال بشكل مباشر وسلمي وغير عنيف إلى الديمقراطية، حيث كل وضع غير ديمقراطي استبدادي نتج عنه صور مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، ولأنه لا يمكن التقدم للأمام أو تحقيق أي انتقال ديمقراطي مالم تتم معالجة ملفات الماضي فيما يتعلق بتلك الانتهاكات، يتم تطبيق العدالة الانتقالية، وهي لا تقوم على الثأر والانتقام، ولكن الوصول إلى حل وسط بين الحاكم والمحكوم، بين مرتكب الانتهاكات وضحاياه، بين الضحية والجلاد، في محاولة لمراجعة ما تم، والخروج الاستراتيجي منه، لإعادة بناء وطن للمستقبل يسع الجميع، قوامه احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، إضافة للتعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق ومناهج واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر، والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. كما تسعي العدالة الانتقالية إلى بلوغ العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي للمجتمعات والشعوب (مثل الانتقال من الحرب إلي السلم، أومن الشمولية إلي الديمقراطية). وتقوم العدالة لانتقالية على خمس آليات لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية تعتمد على المحاكمات والتحقيق في الجرائم بموجب القانون الدولي الملزم لكافة دول العالم ومحاسبة المسئولين عنها، ولا يشترط أن يتم ذلك في محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية مثلاً، ولكن يمكن تطبيقها في محاكم محلية أو وطنية.(وهذه جزئية يجب التنبه لها عند دراسة الحالة اليمنية بخاصة لوجود قانون الحصانة بحيث تراعي خصوصية الحصان وسريانها بالحدود الدنيا ودون الأضرار بالبلد واستغلال إن القانون غير سارٍ فيما يخص قضايا الإرهاب).. ويقول المخلافي: سوف يتم تنفيذ الآليات من خلال هيئة نص عليها مشروع قانون العدالة الانتقالية وهي هيئة (الإنصاف والمصالحة)، والتي ستقوم باتخاذ التدابير والإجراءات التي تستحق من خلالها ومن ذلك التحقيق الشامل للفترة المشمولة من القانون (منذ حرب صيف 94) والاستماع لأهالي الضحايا والشهود للكشف عما جرى من انتهاكات. ويضيف المخلافي: الجانب الآخر جبر الضرر، وهو يشمل التعويض (المادي-المعنوي) المباشر عن الأضرار، الجانب المعنوي هو الاعتراف بما جرى ورفض تكراره في المستقبل والاعتذار للمجتمع، والاعتراف والاعتذار بالدرجة الأساسية سيقوم به ممثل الدولة بالاعتذار للشعب اليمني، وقد تصل الهيئة بقبول الاعتذار من قبل مسئولي الدولة الحاليين. أما فيما يتعلق بالجانب المعنوي للضحايا فإقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية كآلية لإحياء ذكرى الضحايا بيوم خاص، تسميه شوارع أو مناطق بأسماء ضحايا بارزين إقامة المجسمات الجدارية ومعارض الصور الفوتغرافية.. وأخيراً تدابير نص عليها مشروع القانون تمنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً وهي نوعان: الأولى إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وقد قمنا بالاشتراك مع وزارة حقوق الإنسان بإعداد مشروع لهذه الهيئة وأنزلناه في موقع الوزارتين وطالبنا بإبداء الآراء، وسيتم صدور قرار إنشائها بعد صدور قانون العدالة الانتقالية. أما الأخرى فتدابير للإصلاح المؤسسي وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بما يمنع أية انتهاكات مستقبلية. المجانبة للصواب في قراءة مشروع قانون العدالة الانتقالية هي ما يصف بها وزير الشئون القانونية الآراء القائلة بأن حصر المدة الزمنية منذ حرب صيف 94كفترة مشمولة بالتحقيق سوف يكون دافعاً بارزاً لفئات اجتماعية للاعتراض والمطالبة لشمول الفترة الزمنية لفترات سابقة. ويقول المخلافي: ففيما يتعلق بالانتهاكات السابقة للعام 1994م، فمشروع القانون لا يغفلها ويتيح لهيئة الإنصاف والمصالحة النظر فيها إذا كان الضرر من الانتهاكات لايزال قائماً ومستمراً، ومن ناحية أخرى فمشروع القانون قد أعطى لهيئة الإنصاف والمصالحة فترة زمنية تستطيع أن تحقق الغاية من العدالة دون الإغراق في إشكاليات أخرى.. ولا يحجر مشروع قانون العدالة الانتقالية على أسر الضحايا من التقدم بدعاوى قضائية محلية أو دولية ضد منتهكي حقوق الإنسان في الفترة المشمولة فيه، ف((مشروع القانون أتى ليحقق العدل للضحايا من خلال جبر ضررهم ولم يتعرض للإباحة أو المنع من اللجوء للقضاء)). لا يبحث قانون العدالة الانتقالية في الحروب التي أدت لانتهاكات حقوق الإنسان ولاعن المسئولين عن تلك الحروب، ولكنه سيبحث في الوثائق التي جرى فيها انتهاك حقوق الإنسان فيها، أما غاية هذا القانون فهي الإقامة للعدالة التصالحية لإنهاء حالة الثأر ومنع تكرار انتهاك حقوق الإنسان مستقبلاً.