الاخطبوط كائن بحري رخوي منحه الله قدرات عجيبة وفائقة فهو يملك عدة أدمغة وعدة قلوب وعدة أطراف ومشهور بقوة الافتراس، وقد أصبح الاخطبوط اسماً لاصقاً لأناس يمثلون جماعات لوبية لها قدرات على السيطرة والاستحواذ والإفساد في مجتمعاتنا العربية، وقد ظهر الأخطبوط في عالم الكرة تلك الساحرة المستديرة التي شغفت بها قلوب الجماهير حباً، ودخل الأخطبوط "بول" عالم الشهرة من أوسع أبوابه في مونديال جنوب أفريقيا بطريقة التنبؤ والعرافة في مجتمع متقدم تسوده العقلانية والعلم مثل المجتمعات الغربية والأوربية، ولكن السحر والغواية والتنجيم والشعوذة عادت إليه من نافذة يهودية، تؤمن بالتنجيم.. ولأول مرة يدخل عالم الشباب والرياضة عالم الودع والعرافة، وهي ثقافة أخذ بها كثير من الزعامات العالمية والعربية وأصبحت قراراتهم تخضع للعرافة وضرب الودع وقراءة الكف والكهانة، التي هي من صفات اليهود والسيخ الهنود، حتى أصبح اليوم الأخطبوط يتصدر عالم الرياضة والتشجيع، ومعول عليه في تحديد الفريق الفائز والفريق الخاسر في مونديال 2010م ولكن "كذب المنجمون ولو صدقوا". فالكهانة والعرافة أخذت تترسخ ثقافتها اليوم في المجتمعات البدائية والمتحضرة.. ففي لبنان مثلا أقيم معرض للكتاب بلغت فيه مبيعات كتب التنجيم ذروتها، وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة مستفيضة خاصة في مجتمعاتنا العربية المتحضرة والمتمدنة والمثقفة مثل المجتمع اللبناني. وها هي اليوم تظهر ثقافة شبابية ورياضية في مجتمعات غربية وأوربية، حيث تنبأ الأخطبوط بخسارة ألمانيا أمام أسبانيا، كما تنبأ ايضا بهزيمة هولندا أمام أسبانيا وأصبح الأخطبوط "بول" داخلاً بقوة في عالم المزايدة والصفقات ومحمياً ومحصناً من أي اعتداء يطال حياته. فحقا إننا اليوم نعيش عالم الأخطبوط المسيطر على الحكم والمال والسياسة والاقتصاد، وما كان الإخطبوط "بول" إلا امتداداً لثقافة سابقة وراسخة في الأنظمة العربية وبلادنا على وجه الخصوص، وهي ثقافة الأخطبوط المتمثل في الفساد المالي والإداري الذي ينخر في الجهاز الإداري ويستنزف الموارد العامة الممولة لخزينة الدولة.. وهو الموجود في كثير منا مفاصل الدولة وجهازها الإداري لتدخل بلادنا في أسفل قائمة منظمة الثقافة العالمية. وكما أن هناك اخطبوط فساد هناك اخطبوط سياسة وأحزاب تساوم وتساهم في تسويق مقدرات الشعب وقوانينه الوطنية في سوق النخاسة السياسية خارج الوطن، كما أن هناك اخطبوط تخريب جمركي وتهريب ضريبي أضر باقتصاد الوطن، وما هو قائم اليوم من منازعات حول تطبيق قانون ضريبة المبيعات وعدم تطبيقه من قبل اخطبوط الرأسمال العامل في السوق التجاري، والذي حاول جاهدا إضعافه منذ إقراره عام 2005م وترحيله من عام إلى آخر.. مثيراً لمزاعم شيطانية بأن تطبيق هذا القانون سيعمل على رفع الأسعار ومن ثم سيوجد تذمراً في أوساط الشعب وسيكون له تأثير سلبي على نتيجة الانتخابات، وسيؤدي إلى تراجع قوة الحزب الحاكم أمام المعارضة. وحقيقة إن هذا القانون هو امتداد لقانون ضريبة الإنتاج والاستهلاك المعمول به منذ سنوات، وتم تطويره ليواكب المتغيرات الدولية أسوة بغيره من الدول التي تعمل به مثل الأردن ومصر، ولكن العملية تحتاج إلى فرض هيبة الدولة وقوانينها ولا تحتاج إلى مداراة وترضية، فإرضاء الناس غاية لا تدرك وقالوا "المداري بخيل وضعيف"، ولكن تهرب المكلفين من تطبيق هذا القانون لأنه سيفضح مراكزهم المالية، لأن هذا القانون سيعمل على إيجاد ضوابط في سجلات المكلفين المحاسبية وسيحرر فواتير المبيعات ومن ثم سيفضح مقدار المبيعات السنوية، والتي ستظهر مقدار هامش الربح وفرض الضريبة عليها.. كما أنه سيفضح من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تفرض على السلعة من المنفذ حتى المخزن الخاص بالمكلف، مصادر الشراء والاستيراد واخطبوط التهريب الجمركي والرأسمال المكون لهذه الثروات غير النظيفة والتي يتم نشر غسيلها وتنظيفها من خلال المشاريع الاستثمارية لتبييض تلك الأموال المشبوهة. فكم نحن بحاجة اليوم إلى اخطبوط مثل اخطبوط "بول" ليفضح هؤلاء الفاسدين الذين أحاطوا أنفسهم بهالة من القداسة والقيمة الاجتماعية، وهم في حقيقة الأمر فاسدون ومفسدون للحياة والمجتمع من حولهم، فالاخطبوط اليوم صار له حضور في كل مكان وفي كل مفصل من مفاصل الحكومة، يحكم ويسيطر بغباء وجهل مركب بينما ذوو العقول والخبرات والمؤهلات خارج الاهتمام، إضافة إلى اخطبوط القبيلة التي أفسدت الحياة المدنية وعطلت النظام والقانون والقضاء، واصبح العرف والتحكيم القبلي هو السائد والمسيطر على كافة قضايانا الاجتماعية والإدارية.. وكذا اخطبوط نهب الأراضي والمتنفسات واخطبوط الغش في التعليم وتجهيل الشباب واجهة المستقبل التعليمي. والموضوع متشعب ولكنني أردت أن أضع مقارنة بين اخطبوط الغرب الذي أوصلهم إلى قمة النجومية والتقدم، واخطبوط الشرق الذي أوصلنا إلى قمة الانهزامية والتخلف.. وهكذا فإن الشيء بالشيء يذكر ولله في خلقه شؤون.