ليس بدعاً أن تقف الحركة الوطنية" سلطة ومعارضة" بين حين وآخر وقفة نقدية مع نفسها، تتساءل وتتحاور، وتحاكم، وتبحث، وتقيم أدوار مسيرتها الماضية، فذلك إن صح التعبير والتصوير دليل على كمال الصحة النفسية، وترجمة عن وعيها بنفسها، في ماضيها وحاضرها، وإيحاء صادق الدلالة على أن الحركة الوطنية تملك المقدرة على استشراف مستقبلها، وتعي أهدافه، وتدرك غاياته، وتعلم حق العلم طريقها إليه. وليس غريباً أن تقوم الحركة الوطنية بمراجعة دورية لمواقفها كحركة منظمة بالمفهوم التنظيمي، ولأدوار عناصرها وقادتها في مختلف الظروف التاريخية التي واجهتها القيادة السياسية للحركة بعناصرها وتشكيلاتها. ولقد تختلف زوايا النظر إلى موقف من المواقف، أو حدث من الأحداث، وقد تتغاير الرؤية إلى دور من أدوار أي فصيل، فذلك من الأدوار الطبيعية التي يجب ألا تثير حزناً أو بأساً أو غضاضة، ولكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن المراجعة النقدية، والوقفة التقييمية للمواقف والأدوار السياسية من المسائل التي لا غنى للحركة السياسية الوطنية منها في درب مسيرتها نحو المستقبل. ومهما اختلفت الآراء، أو تباعدت زوايا النظر إلى حدث من الأحداث السياسية أو الوطنية، فإن ذلك لا يقلل من لزوم المراجعة النقدية التقييمية وضرورتها ووجوبها وحيويتها في مستقبل الحركة السياسية بشكل عام، فالمراجعة ليست عيباً لكن المضي في الخطأ هو العيب ذاته. ولكي نتجنب التعميم فإننا نبادر إلى تناول مثال من واقع الحركة الوطنية السياسية في الوقت الراهن، هو موضوع الحوار الوطني الشامل، فإن زوايا النظر إلى هذا الموضوع متغايرة ومتباعدة، تغايراً وتباعداً تخف وطأته أو تشتد باختلاف زاوية الرؤية أو التناول، إلا أن مما لا جدال فيه أن اختلاف نتائج الرؤية أو التناول مسألة مشروعة لا غبار عليها، طالما هي من الحقوق الوطنية في قاموس السياسة والديمقراطية. إلا أن النتائج المستخلصة من تناول معين، أو رؤية محددة لهذا الموضوع يجب ألا ترقى إلى مستوى الأحكام المطلقة المتعسفة غير القابلة للمراجعة أو الاستئناف، كما أنها من جانب آخر يجب ألا تؤثر تأثيراً إحباطيا على سير الحركة الوطنية، وأن تتمتع بالقدرة على الإحاطة بكافة الظروف الموضوعية، والذاتية، التي تلابس هذا الحدث. ومن الطبيعي أو المنطقي التأكيد أن أحداً في تلافيف هذه العملية التقييمية الشاقة لا يملك الحق في الزعم بأنه مستودع "القيم الأخلاقية" ولا مقياس المقاييس كما يتعمد اللقاء المشترك ذلك، كما أن المسارعة إلى إصدار الأحكام الأخلاقية على طرف من أطراف الحركة الوطنية، يمنح الطرف المحكوم عليه أخلاقياً أو وطنياً أو نضالياً الحق في إصدار أحكامه الأخلاقية هو الآخر على أولئك الذين سارعوا إلى اتهامه ومحاكمته وإدانته والحكم عليه بالنتيجة. ولا شك أن النتائج التي سوف تترتب حتماً على هذا المنوال من المعالجة والتناول والنقد، ستكون مؤثرة تأثيراً بالغ الرداءة والسوء والإحباط على مسيرة الحركة الوطنية السياسية بأكملها حاضراً ومستقبلاً، ولله الحكمة من قبل ومن بعد، والله من وراء كل قصد.