مطلع الثمانينات اعتقل رجال أمن الدولة في أبين طالباً خرج إلى الشارع بزي خليجي وحدة الوطن محت ثقافة الاحقاد والضغائن تجاه أشقائنا واخواننا في الخليج زوبعات المشككين جعلت بطولة خليجي 20 أشهر دورة في تاريخ البطولة النظام الشمولي في عدن قبل الوحدة أقام بيننا وبين أشقائنا في الخليج حاجزاً وصل حد العزلة النفسية وفي الوقت نفسه كرس فينا حب دولة في جنوبأمريكا حتى ظننا أن النيكاراجويين جزء من سكان حارتنا الحديث عن المكاسب التي تحققت لليمن من تنظيمها لبطولة كأس الخليج في نسختها العشرين فيما يتعلق بالبنى التحتية ليس أكثر من تحصيل حاصل.. فالمنشآت التي أنجزت كفيلة بأن تتحدث عن نفسها.. سأتحدث في البدء هنا عن اللحظة التي توالى فيها وصول المنتخبات الخليجية الشقيقة تباعاً إلى مطار عدن الدولي.. اللحظة التي رأيت فيها الوفود الشقيقة على أرض مطار عدن.. من دون تخطيط مسبق. استعدت بعض ذلك الماضي المخزون في سلة المهملات العالق على جدار الذاكرة.. تفكير فرضته تلك اللحظة.. ربما لأن الحدث امتزج فيه ما هو سياسي بما هو رياضي حد أن السياسة كادت تطغى على الرياضة.. ما وجدته على شريط تلك الذكريات بعض مظاهر ثقافة وتفكير أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية مطلع ثمانينات القرن الماضي.. ونظرتهم لما حولهم وموقفهم من كل ما يدور خارج حدود تلك الدولة حينها.. رأيت كيف حاول النظام الشمولي الذي كان يحكم الجزء الجنوبي من الوطن أن يعزل مواطنيه عن محيطهم الإقليمي وأن ينتزع هويتهم القومية والإسلامية.. مدعيا أن ذلك يأتي لما هو أسمى((الأممية)). الحاجز الذي تمكنوا من إقامته بيننا وبين أشقائنا في الخليج لم يقف عند إغلاق الحدود معها بنقاط الحراسات العسكرية وسياج الألغام.. لكن الأمر وصل حد العزلة النفسية.. من خلال تكريس ثقافة الكراهية تجاه أشقائنا في الخليج.. حين كانت النافذة الوحيدة التي نطل منها إلى العالم هي إذاعة وتلفزيون عدن.. أو بالأحرى إذاعة وتلفزيون ذلك النظام الذي ظل ليلاً ونهاراً يكيل علينا الحديث عن محبة حركات التحرر الوطني في العالم والبلدان ذات التوجه الاشتراكي. ولا أنكر أنهم قد نجحوا في غرس تلك الثقافة في أدمغتنا، حد أنني كنت مسكوناً بحب دولة نيكاراجوا والنيكاراجويين وكأنهم جزء من سكان الحارة التي أسكنها.. وليست دولة تقع في أمريكاالجنوبية.. واعرف عنها وما يحدث فيها ربما أكثر مما يعرفه واحد من أبنائها الساكنين في بعض أريافها.. بينما كل ما اعرفه عن سلطنة عمان وباقي دول الخليج العربي أنها دول رجعية متخلفة تسير في فلك الإمبريالية.. وكانت العزلة النفسية قد ولدت في داخلي مسافة تفصل بيني وبين المواطن الخليجي أضعاف المسافة الجغرافية التي تفصل بين اليمن ونيكاراجوا.. وإذا تقابل منتخب دولة خليجية مع منتخب دولة اشتراكية من أوربا أو شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية.. كنا تلقائيا نشجع منتخب الدولة الاشتراكية وبكل قوة.. وأتذكر هنا حادثة كي تكون شاهداً على ما اقول.. هذه الحاثة كانت أثناء الدراسة في الثانوية العامة عام 1982م في مدينة لودر بمحافظة أبين.. حين كنا نسكن في السكن الداخلي بالثانوية نفسها، وكان أحد زملائنا في السكن يومها قد ارتدى قميصا أبيض وغترة بيضاء وعقالاً.. وذهب بهما إلى سينما المدينة.. وعند الثامنة مساء بعد عودتنا إلى السكن فوجئنا برجال أمن الدولة وقيادة منظمة الحزب في المدينة تقتحم السكن الداخلي.. بطريقة أثارت الهلع في نفوسنا لنكتشف في آخر الأمر أن تلك القوة قد حضرت لاعتقال زميلنا الذي خرج إلى شارع المدينة مرتدياً الزي الخليجي.. واقتادته إلى مبنى أمن الدولة واعتقل هناك لما يقرب من أسبوع.. وما زلت أتذكر اسم ذلك الزميل.. “أحمد ناصر مدعم” ويلقب ب (غوار).. كان الجرم الذي دفع رجال أمن الدولة لاعتقاله هو ارتداء الزي الخليجي ودارت التحقيقات معه حول ذلك.. لعلنا اليوم في حاجة لاستذكار تلك الحقبة وما كرس خلالها من ثقافة الأحقاد والضغائن تجاه أشقائنا وإخواننا في الخليج، لكي نقدر الفضل العظيم لإعادة وحدة الوطن والتي محت كل آثار تلك الثقافة البغيضة، وكرست قيم المحبة والإخاء وأعادتنا إلى هويتنا العربية والإسلامية.. بدليل ما لمسه الأشقاء من حفاوة الاستقبال من أبناء عدن والمحافظات التي تجولوا بها.. وكيف لمس أشقاؤنا روح الإخاء والود أينما حلوا في عدنوأبين.. وكيف تجسد ذلك الشعار الذي يقول إن الوحدة اليمنية هي اللبنة الأولى على طريق الوحدة العربية.. واقعا معاشا.. وقد كان يظن الكثير أن ذلك الشعار ليس أكثر من جملة تأتي في سياق برقيات التهاني بين القادة العرب.. الوحدة اليمنية التي لولاها لما اجتمعنا اليوم في عدن من كافة الأقطار الخليجية.. بتلك الحميمية التي اجتمعنا بها.. وتلك الألفة التي عشناها وعاشها إخوة وأشقاء لنا.. الوحدة التي دكت كل الحواجز النفسية التي كانت تفصلنا عن أشقائنا في الخليج.. تلك الحواجز التي بناها أزلام النظام الشيوعي العالمي أثناء حكمهم للجزء الجنوبي من الوطن قبل إعادة الوحدة في مايو 90م.. الشر الذي يبطن الخير الشر الذي كان يبطنه كل من كانوا قد أثاروا زوبعة التشكيك حول قدرة اليمن في تنظيم بطولة كأس الخليج لم نكن نعلم أنه قد يحمل لنا الخير.. تلك الضجة الإعلامية التي سبقت بدء البطولة.. جعلت بطولة خليجي عشرين أشهر دورة في تاريخ بطولة كأس الخليج منذ تأسيسها.. ولا أظن أن دورة في دولة أخرى للبطولة قد تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه في دورتها العشرين من الشهرة على مدى العقد القادم.. جرت العادة أن بطولة كأس الخليج كانت تحظى باهتمام ومتابعة المهتمين بكرة القدم فقط.. ولا يخرج متابعوها عن ذلك النطاق.. لكنها هذه المرة نالت اهتمام كل الأوساط السياسية والثقافية والرياضية وحتى العامة.. هذا الاهتمام جاء لخدمة اليمن بعد أن تمكنت من النجاح المنقطع النظير في التنظيم.. وعكست الصورة المشرفة لليمن لتمحو الكثير من اللغط عنها الذي جاء نتاج شائعات العداء والحاقدين على هذه الأرض الطيبة.. ما قام به الأعداء طوال ما يزيد عن عشر سنوات من أعمال تستهدف تشويه صورة اليمن.. تمكنا من محوه بفضل الله وبفضل حكمة هذا الشعب في خمسة عشر يوماً هي أيام إقامة البطولة.. جمهور وفي وبعيداً عن التفاصيل فيما يتعلق بهذا الاتجاه الذي وجدت أن ما حملته وسائل الإعلام في دول الخليج قد لمّ بكل ما يمكن أن أتحدث عنه في هذا الشأن، وجدت أن أبرز ما في هذه الدورة لبطولة كأس الخليج هو الجمهور الرياضي الذي رافق سير المباريات وتلك الروح الوطنية التي تحلى بها الجمهور.. التي كاد أن يتسلل الشك إلى البعض أن النزعات العنصرية والتشطيرية التي كان يروج لها البعض قد ألحقت الضرر بالولاء الوطني بمواطني المحافظات وخصوصا الحنوبية والشرقية منها.. فجاء الرد مجلجلا من حناجر الآلاف المؤلفة التي تدافعت زرافات ووحدانا من كافة مناطق عدن والمحافظات المجاورة لها.. حيث تجاوزت في مباراة الافتتاح السبعين ألف.. جاءت مدفوعة بحبها للوطن يجمعها اعتزازها بانتمائها وولائها لهذه الأرض الطيبة.. ليست كما قد يدعي بعض لصوص النجاح، الذين قد يدعون أنهم أصحاب الفضل في ذلك الحشد.. حفل الافتتاح في ملعب 22 مايو في الثاني والعشرين من نوفمبر بمدينة عدن كان شيئا آخر أكبر من افتتاح بطولة كروية وأكبر من متابعة مباراة لكرة القدم.. لقد كان ملحمة وطنية ودرساً في معاني الانتماء والولاء للوطن.. رأينا كيف التقت كل تلك الآلاف المؤلفة تحت راية واحدة.. راية الوطن وكانت شامخة الرؤوس اعتزازاً بانتمائها.. وفي مدينة زنجبار وعلى ملعب الوحدة كنا الخميس الماضي على موعد مع يوم لا يقل عظمة عن يوم الافتتاح.. اكتظت مدرجات الملعب عن بكرة أبيها بالجمهور وبأعلام الوطن منذ الساعة الثانية ظهراً، رغم علمها أن مباراة منتخبنا ستقام عند الساعة السابعة مساء. كانت مدرجات الملعب تهتز لهدير الجمهور والذي حرص أن يظل واقفاً يتغنى بكل الألحان الجميلة التي تغنت بحب الوطن.. كان المشهد أكبر من قدراتنا على التصوير.. واكبر من قدراتنا على نقل صورة المشهد.. اللحظات التي سبقت مباراة اليمن وقطر على ملعب الوحدة حين عزفت الفرقة النحاسية النشيد الوطني اليمني، وقفت كل الجماهير في المدرجات فرددت النشيد الوطني بصوت واحد، لحظات اقشعرت لها الأبدان رهبة من عظمة الموقف.. ولعل البعض ممن كان في أنفسهم شكوك قد تساءلوا عن الدافع الذي أتى بذلك الجمهور إلى الملعب.. من الذي يستطيع أن يقنع شبابا في العشرين من العمر أن يذهب إلى الملعب الذي يبعد عن المدينة بحوالي ثمانية كيلومترات؟!!.. ومن الذي يستطيع أن يقنعهم بعد ذلك بأن يظلوا واقفين في مدرجات الملعب لأكثر من خمس ساعات حاملين علم الوطن؟!!.. ومن الذي يستطيع أن يلزمهم بأن يظلوا يرددون الأناشيد الوطنية بأعلى أصواتهم طوال تلك الساعات؟!!.. ومن الذي يستطيع أن يلزمهم بالبقاء كل تلك الساعات على تلك الحماسة دون أن تكون لديهم حتى شربة ماء جراء الإجراءات الأمنية التي منعت دخول علب المياه إلى الملعب؟!!.. لا أظن أن بشرا مهما علت مكانته أو سلطته قادر على كل ذلك.. وحدها الروح الوطنية التي تسكن قلوب تلك الجماهير هي التي جعلتهم كذلك.. وهي التي كانت تقف خلف كل تلك الحماسة التي وجدناها.. في نفوس الكل ؛ صغارا وكبارا نساء وأطفالا. كانت الروح الوطنية التي طغت على كل ما سواها في هذا المحفل رسالة شديدة الوضوح أن المحافظات الجنوبية والشرقية ليست الشنفرة وباعوم والخبجي ولا علي ناصر والبيض ومحمد علي احمد.. رسالة أكدت أن أولئك مجرد أقل من قلة لا تمثل إلا أوهامها المريضة في العودة إلى السلطة.. رسالة لنا أن المواطن ما زال معتزا بانتمائه وولائه متمسكا بوحدته ومعتزا بها.. وعلينا أن نكون عند مستوى مسؤولية الحفاظ على تلك الروح الوطنية وتجذيرها وتعزيزها من خلال أدائنا كدولة، أن نفتح ملفات مشكلات هذه المحافظات وأبنائها، وأن نسعى من أجل إيجاد المعالجات للمشكلات التي بالإمكان معالجتها، وأن نضع حداً للممارسات الفردية الخاطئة لبعض ممثلي الدولة وبعض القيادات التي تثير مشاعر السخط وتجد من يعممها وكأنها توجه.. فهناك من يحاول أن يوجه ردة فعل المواطن صوب وحدة الوطن.. جراء الممارسات الفردية الخاطئة.. كلمة حق لا بد منها منظمة “اليمن أولاً” فرع عدن تستحق منا وقفة إجلال وتقدير.. لقد جسدت اسم المنظمة قولاً وفعلاً. تجدهم أينما تواجدوا يعملون بما يجسد هذا المسمى، اليمن أولا : دائما في كل أولوياتهم.. يعملون بنكران الذات.. تدفعهم قناعاتهم وإيمانهم بالشعار الذي يرفعونه.. والذي تحول إلى أشبه بمعتقد.. يمنحهم طاقة روحية خلاقة؛ هي زادهم الذي يمدهم بكل ذلك الحماس الذي لا يعرف النضوب.. قناعاتهم الراسخة بانتمائهم لمنظمة تضع الوطن قبل كل المآرب والمصالح؛ جعلهم يحظون بكل ذلك القبول الأكثر من مميز لدى الناس.. ومنحهم كل تلك القدرة على التأثير في وعي الرأي العام من خلال الأنشطة التي ينفذونها.. ونحن نقول كلمة الحق هنا لا بد أن نثني على الدور المميز للأستاذة سعاد محمد عبدالله رئيس فرع القطاع النسائي للمنظمة بعدن، التي تعد “الدينامو” الفاعل للفرع عامة.. واقترن اسم منظمة “اليمن أولا” في أذهان مواطني الشارع العدني باسمها.. فهي حاملة لواء المنظمة أينما حلت وأينما رحلت. لقد كانت منظمة “اليمن أولاً” موفقة جدا حين وقع اختيارها على شخص الأستاذة سعاد لقيادة المنظمة في عدن.. لما تحظى به من حضور وقبول وسمعة طيبة لدى كل أبناء عدن.. شكراً لقيادة المنظمة فرع عدن التي أعادت لنا الثقة بأنه ما زال بالإمكان العمل من خلال مثل هذه الأطر.. * رئيس جمعية أبناء الشهداء والمناضلين في أبين [email protected]