كثيراً ما نتحدث عن الحوار كوسيلة مثلى لرأب الصدع بين الفرقاء والأخوة الأعداء، ولتقريب وجهات النظر من أجل الوصول إلى حلول ناجعة، تضع حداً لسفك الدماء وللقضايا والموضوعات التي طالما استخدمتها بعض الأطراف السياسية سيما في تكتل اللقاء المشترك، لإثارة البلبلة وإقلاق السلم الاجتماعي والسكينة العامة تحت يافطة التعبير وحرية الرأي والمناخات الديمقراطية التي يكفلها الدستور. وربما نحن في اليمن أكثر المتحاورين ومن دعوا إلى الحوار لتجاوز الاحتقانات، انطلاقاً من مبدأ اللين والتنازل الذي سيبقي للوطن أمنه واستقراره، ويحافظ للمواطن على عيشته وكرامته.. وربما نكون أيضاً أكثر من شكل لجاناً أو أفشلها، وأكثر من يخرج بلا شيء وبلا حصيلة أو نتيجة، بل نخرج بمزيد من الاحتقان وبتدشين حرب ضد الوطن والمواطن وتعبئة خاطئة وترويج سخيف واستعراضات مقرفة للعضلات والقوة، سئم منها الشعب وصار يطالب بالتغيير والإصلاح لمقومات الدولة، التي أهدرتها حوارات عقيمة واجتماعات تأتي بنتائج عكسية لا تسمن ولا تغني من جوع!. هكذا ظللنا على مدى السنوات الماضية وبالتحديد منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، وتطورت الحوارات واللقاءات اللا مجدية حتى كدنا نحطّم الرقم القياسي في اللقاءات الحوارية والدعوة لذلك على مستوى العالم على اختلاف القضايا والمشكلات.. حتى اليوم ونحن على محك الانهيار وفي مفترق طرق وقاب قوسين أو أدنى من ذلك.. فمن خلال الفترة الماضية وحواراتها الفاشلة بتنا نعرف جيداً من يريد مصالح الشعب ويتبنى قضاياه، ومن يتهرب أو يعترض طريق الحوار والوصول الى الوفاق الذي سيعيد للأوضاع طبيعتها بشكل عام ويحاول أيضاً إجهاظه وإفشاله بطريقة أو بأخرى.. من خلال الأحداث والتطورات اليومية التي تشهدها البلاد تعززت الرؤية لدى الجميع داخل الوطن وحتى لدى الرأي العام الخارجي بألا سبيل أمامنا إلا الحوار ووحده الطريق الأمثل، وهو الضمانة ايضاً لإخراج اليمن من أزمته الراهنة وتجاوز الخلافات السياسية التي تعصف به، وطي صفحة التداعيات السلبية التي تتهدد أمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي ووحدته الوطنية. وتتجلى ملامح هذه القناعة في دعوة مجلس الأمن الدولي-مؤخراً- جميع الأطراف اليمنية إلى سرعة الجلوس على طاولة الحوار، وكذا في مواقف الأشقاء بمجلس التعاون الخليجي، ومواقف الدول الكبرى التي تُجِمُع على ألا بديل أمام اليمنيين سوى الدخول في حوار سياسي شامل، وبما من شأنه التوصل إلى المعالجات والحلول لكل القضايا والإشكاليات مصدر الخلاف، بما في ذلك الاتفاق على مسارات المرحلة القادمة وتحقيق الشراكة الوطنية النابعة من وفاق وطني خلاق، يُغلِّبُ مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى. وبطبيعة الحال فهذه القناعة ظلت مصدر اهتمام ومتابعة من قبل فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، الذي لم يمنعه ظرفه الصحي عقب الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف فخامته وكبار قيادات الدولة في جامع النهدين أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة في غرة شهر رجب الحرام، من حث الحكومة والمؤتمر الشعبي العام على التعامل الإيجابي مع المبادرة الخليجية، وكذا دعوة كافة الأطراف اليمنية إلى بدء حوار وطني جامع حول تلك المبادرة من أجل إنهاء الأزمة وتجنيب اليمن الانزلاق في أتون الفوضى والصراعات الدامية. وفي الوقت الراهن لم يعد اللعب بالوقت وبمشاعر وعواطف الناس وقضاياهم المصيرية مقبولاً وممكناً كما كان في السابق.. فاليوم برزت جلياً الاحتجاجات وخرج الشباب المتضررون وكل من عانى من مظلمة أو مشكلة تسبب فيها متنفذون في السلطة أو مزايدو المعارضة، ليقولوا ان السيل قد بلغ الزبى فإما أن يتم تداركه بحوار مسؤول، لكل فئات الشعب تمثيل وصوت فيه، ولا مكان فيه للتسويات والمقايضات والمساومات.. وإلا فعلى الجميع أن يبحث له عن موطئ قدم في أماكن أخرى خالية من المشاعر والأحاسيس الثورية بمعناه التقدمي..! فعلى جميع السياسيين ترك هواة المناورات والمراوغات والاستماع للشعب والانتصار لقضاياه. ورغم كل الانعكاسات السلبية للأزمة الراهنة التي تعيشها اليمن، إلا أنه ما يزال بإمكان القوى الخيرة والمخلصة والصادقة مع الوطن ومعاناته المتشبعة بالعوامل والافرازات، احتواء الوضع وتجنيب اليمن السقوط في مهاوي صراع دامٍ أو حربٍ أهلية مدمرة, تستنزف الطاقات والمقدرات والمكاسب والإنجازات والتحولات السياسية والديمقراطية والتنموية وغيرها التي حققها خلال العقود الماضية. اذاً وبتوافق كل هذه الإرادات على حتمية الحوار، فإن ما نتطلع إليه هو أن تعمل كافة القوى السياسية والحزبية والفعاليات الوطنية على تقوية جسور الثقة فيما بينها، باعتبار أن تعزيز الثقة هو الكفيل بتوليد فرص النجاح للحوار، وإزالة العوائق التي قد تظهر في طريقه وتعترض بلوغ الغايات المنشودة، بعيداً عن إعادة استنساخ التجارب الماضية التي عادةً ما كانت تنتهي بالحوار إلى طريق مسدود..