الصراع في حجة له أوجه أخرى غير ما هو ظاهر على السطح كصراع نفوذ بين الحوثي والاصلاح أو بين الأول والسلفيين القبائل كما يطرح البعض، هذا فقط جزء من الصورة وليس كلها. لا بد من معرفة دور "حجة" في تاريخ اليمن المعاصر ومنذ قيام الثورة على الأقل، وسنجد ان حجة مثلها مثل عدد من المحافظات الشمالية كصعدة والمحويت كانت مغيبة، ولا يتحدث عنها الا باعتبارها حديقة خلفية للمشايخ النافذين في حاشد والى حد ما أرحب و"في المحويت".. وكان آل الأحمر - وحسب ما جاء في مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر نفسه - يعتبرون حجة هي حاشد "ام غربي" ومكانا لقصورهم وحصونهم التي شكا الأحمر استهداف الإمام لها ولهم فيها. وعلى أساس هذه الخلفية -الوقوف في وجه الامام- تم تسليم حجة بعد المصالحة الوطنية بين الملكيين والجمهوريين للشيخ عبدالله ومشايخ حاشد. ومع أن حجة كانت ولا تزال مخزون الوطنية اليمنية الحديثة ورفدت الثورة والجمهورية بعديد من القادة والشعراء ورجال الدولة، إلا أن مجاهد ابوشوارب ومن خلفه الشيخ عبد الله كان هو الممثل لحجة لدى الدولة ولدى بقية مراكز النفوذ، مقابل غياب كلي أو جزئي لرجال حجة وعلمائها وشخصياتها الاجتماعية. وحتى دخول الاخوان المسلمين الى حجة على استحياء في منتصف ثمانينات القرن الماضي، لم يسمح به الشيخ وحلفاؤه في سلطة صالح الا من زاوية تثبيت هذا النفوذ فكريا لصالح نفوذه في مواجهة الحضور الديني لبعض رموز الهاشمية والمشيخية المحلية في حجة. الحكاية طويلة وتحتاج إلى بحث أكثر تعمقاً ولكن الشاهد اليوم هو بروز شخصية جديدة على مسرح الأحداث في حجة مع انفجار الثورة الشعبية، والمقصود هنا هو يوسف المداني الرجل الثاني في جماعة الحوثي الذي قرر العودة إلى منطقته "مدان" في محافظة حجة، الأمر الذي مثل حالة استقطاب هائلة داخل المحافظة باعتباره يمثل رمزاً من رموز أبناء المحافظة بعد الصيت الذي اكتسبه بحنكة القيادة والشجاعة في حروب سفيان، وهو ما أثار مخاوف كل أصحاب النفوذ في حجة والطامحين للتوسع فيها بعد ضعف المؤتمر الشعبي العام الذي كان محتكرا لتمثيل مقاعدها بسبب هروب غالبية أبناء المحافظة من جماعة الاخوان المسلمين المخالفين لغالبيتهم في المذهب والعقيدة. بمعنى آخر فان الحضور الطاغي للقائد المنتصر في حروب سفيان كقائد ورمز قد مثل حالة استقطاب هائلة داخل حجة، أقلقت بقية الأطراف ومنها وفي مقدمتها مشايخ بيت الأحمر وحلفاؤهم الذين يعتقدون ان حجة تمثل آخر مناطق نفوذهم لصالح الحوثي بعد سقوط صعدة وسفيان ومناطق أخرى في الجوف وغيرها. ولعل هذا هو ما يفسر لنا ان الأحداث الأخيرة قد بدأت باعتداء عسكري على منزل يوسف المداني، وان الحروب في "كشر ومستباء" تحديدا لا تخص الإصلاح وحده بقدر ما يشرف عليها ويمولها آل الأحمر وحلفاؤهم في صنعاء والسعودية. إنها معركة الدفاع عن آخر معاقل النفوذ التاريخي لبيت الأحمر في حجة ضد أبنائها، وإذا ما أخذنا هذا في الاعتبار في قراءة اتساع نفوذ الحوثي في المناطق الشمالية، والتي كانت تعاني من نفوذ آل الأحمر وطغيانهم، فسيكون من الخطأ تصوير المعركة في "كشر" إعلامياً وسياسياً على أنها حرب الحوثي مع القبائل، وهو ما وقع فيه خطاب الحوثي نفسه وطريقة تعامله مع بعض المشايخ هناك، بينما هي معركة بين حجة برموزها تاريخياً ومكانتها الاجتماعية ضد حكامها ونافذيها من آل الأحمر وقاعدتهم الفكرية، وسجادتهم الممدودة للتوسع "سلفيون واخوان"، وبالذات في منطقة كشر والمستباء تحديداً. الإرهاب يضرب في تعز! القاعدة تتبنى مقتل أجنبي يحمل الجنسية الامريكية في مدينة تعز.. تصوروا القاعدة تقتل داخل مدينة تعز وفي وضح النهار، هل يمكن تصور هذا من قبل؟!.. ولا بالخيال!!. الإرهاب موجود والقاعدة موجودة، ولكن الجديد هو أن ترتكب جريمة ارهابية من قبل تنظيم القاعدة في مدينة تعز وفي وضح النهار وفي أحد أهم شوارع المدينة الرئيسية.. لماذا؟!!. الحقيقة انه لولا عسكرية تعز واخراجها من مدنيتها ولولا انتشار المسلحين والمتاريس في شوارعها لما دخلت القاعدة، ولما ارتكبت جريمة بهذا الحجم وبهذه السهولة!. المسلحون والمتاريس والانفلات الأمني المتعمد في تعز وغيرها هو اليوم غطاء لكل خسيسة ومؤامرة تحدث لليمن وأمنها واستقرارها ووحدة ترابها الوطني. لن تقوم لتعزالمدينة أو القيمة بعد ان عسكرت وتم توزيع مناطقها وحاراتها بين أمراء الحرب باسم الثورة وعلى أيدي بلاطجة وثوار عاثوا في المدينة وأمنها وممتلكات سكانها الفساد. أيها القوم ما لم تتنبهوا فإن تعز وعدن وصنعاء ومدناً يمنية أخرى يتم تهيئتها بوعي وبدون وعي للإرهاب والجماعات الارهابية لتقتل وتذبح وتعيث فيها الفساد، هو أمر ما كان يمكن تصوره لولا صمتكم وموافقة بعضكم على تسليح وعسكرة الثورة واخراجها من سياقها الثوري السلمي كشرط للسيطرة عليها وهو ما تم ونتجرع اليوم نتائجه!!. هل يعي الثوار في ساحات تعزوصنعاء وعدن أن أول خطوة لتحرير الثورة أولاً والوطن ثانياً هو تحرير مدنهم وثورتهم من السلاح والمسلحين، وعمل تحصين اجتماعي لليمن ومدنها الرئيسة من الإرهاب والتطرف والعنف والجريمة عبر الاعلاء من شأن المدينة والمدنية والعمل السلمي الثوري، الذي أثبت أنه سلاح الشعب الأمضى وسلاح تعز وعدن وصنعاء أيضاً وتحديداً لإسقاط الطغاة- كل الطغاة- وبناء بلد يتسع للجميع؟!!.