الحديث الذاتي السلبي هو حوار سلبي مع الذات ينقص قيمتها ويقلل من شأنها، بصورة متكررة من المعاني والمفردات والحوارات السلبية بين الفرد ونفسه. يؤثر هذا الحديث السلبي على المشاعر ومن ثم على السلوك والأفعال. ما يجعل الفرد يشعر بالإحباط واليأس والخجل، وأحياناً العدوانية مع الآخرين. بعض الأفراد ينظر إلى نفسه بدونية فلا يشاهد فيها غير القبيح، نجد عباراته وحواره مع ذاته سلبية، (أنا لا أستطيع أن أنجز أي عمل)، (مهما فعلت لن أنجح). نجده دائماً يقلل من شأنه ومن قدراته، يشاهد نفسه أنه ضعيف وعاجز، فيضيع بين تلك العبارات السلبية (لا أستطيع.. لن أنجح) يمتلئ عقله الباطن بكل تلك السلبية، التي مع الوقت تؤثر على ذاته وقدراته وعمله ومستقبله. وبعض الأفراد يقع أسير اللوم والعتب على ذاته في أي تقصير يصدر منها، تجده يؤنب ذاته باستمرار ويجلدها عند كل غلطة، وإن قصّر الآخرون في شيء تجده يعاتب نفسه ويلومها لماذا لم يستطع أن يقوم بكل شيء، يكرر (أنا دائماً أقع في الخطأ نفسه) تجده لا يبحث عن حلول، بل يكتفي بالعتب ولوم الذات. وبعضهم يعقد المقارنات بين ذاته والآخرين، لا يقتنع بذاته ولا يثق بها، يشعر بأن الآخرين أفضل منه، مهما عمل وأنجز. عندما يصبح حديث الفرد سلبياً، تنتج عن ذلك أضرار عديدة، تقف عائقاً للفرد في حياته الشخصية والاجتماعية، وتفقده التوازن الطبيعي في كيفية التعامل مع الذات والآخرين، وتدخله دائرة من الصراعات النفسية كالاكتئاب والقلق والعزلة، والهروب. تنتج عن كل ذلك شخصيات مهزوزة، يحاول بعضهم أن يختلط بالآخرين لكنه يلغي نفسه تماماً، فهو مسير لما يُطلب منه دون تفكير وتحليل، فهو لا يثق بنفسه، فقط يثق برأي الآخرين، فلا يستطيع أن يقول (لا)، وهنا عطّل قدراته ومواهبه وإبداعاته في الحياة وأصبح مجرد تابع لا غير. ونجد العكس لهذه الشخصية مَنْ يحاول فرض آرائه بالقوة يحب أن يجادل ويناقش بعدوانية والهجوم على الآخرين، وذلك بسبب شعوره بنقص من الداخل وعدم تقدير الذات، يحاول أن يغطي ذلك بقناع المجادلة وتحقير الآخرين. ونجد شخصية مختلفة عما ذكرت، شخصية انطوائية عزلت نفسها عن الآخرين، وفضَّلت الجلوس بمفردها بسبب الخجل والرهاب من الآخرين، وهؤلاء أكثر الشخصيات تشعر بالاكتئاب الذي ربما يتحول مع الوقت إلى أمراض نفسية. يستطيع هؤلاء ومَنْ يعانون الحديث الذاتي السلبي أن يتخطوه وأن يتخلصوا منه، يحتاج الفرد إلى وقفة صادقة مع الذات لمعرفة جذور تلك السلبيات، من أين أتت؟ يحتاج إلى الإرادة والعزيمة في مواجهة مصدر هذا الحديث دون هروب أو مقارنة، ثم طرح جميع ما يحتويه من حوارات أو مقارنات أو مفردات سلبية ساخطة أو متذمرة، يدونها ويتأملها بعمق، يناقش كل سلبية على حدة، متى تأتي هذه السلبية؟ متى تكرر هذه السلبية؟ ما هي ردة فعله؟ ماذا يشعر؟ ما هو تأثير هذا الشعور على سلوكه؟ هل هذه السلبية حقيقة أم يبالغ فيها؟ ما هو دليله على ذلك إن كان سلبياً؟ ما هي الخسائر التي تعرض لها بسبب هذا الحديث السلبي؟ إن كانت خسائر نفسية، أو خسائر اجتماعية، أو مهنية. كل تلك الأسئلة تجعل الفرد يشاهد حديثه الذاتي بصراحة وموضوعية دون مبالغة أو هروب، فيتعرف على القصور وعلى نقاط الضعف لديه، ثم يبدأ مرحلة الانطلاق والنهوض من جديد في تحويل هذا الحديث الذاتي السلبي إلى (حديث ذاتي إيجابي). نبدأ بإبدال الأفكار السلبية بالأفكار الإيجابية المتفائلة، وتكرار العبارات الإيجابية صباحاً ومساءً، (أنا أستطيع أن أنجز) (أنا أحب ذاتي)، (أنا أقوم بعملي على أكمل وجه)، (أستطيع أن أساعد الآخر)، (أمتلك قدرات عظيمة) من خلال ذلك نبدأ في تخزين معلومات جديدة في العقل الباطن عن حقيقة الذات وحقيقة احترامها وتقديرها. تكرار الحديث الذاتي الإيجابي مع الوقت يصبح الفرد قادراً على أن يشاهد حقيقة نفسه وما يمتلكه من قدرات، مواهب ومقومات، وسيتعلم قاعدة أساسية (الأفكار تؤثر على المشاعر ومن ثم تؤثر على السلوك والأفعال) فيكون حريصاً منذ البداية في أي حوار مع الذات يستطيع في لحظة أن يوقف هذا الحوار، أو الفكرة، أو العبارة السلبية وتحويلها سريعاً إلى عبارات وحوارات إيجابية، وهنا استطاع أن يقطع الحبل بين الأفكار والمشاعر، استبدل الفكرة السلبية بفكرة إيجابية قبل أن يخوض العملية كاملة. وهنا نستطيع أن نتعلم تنقية أفكارنا وحديثنا بكل ما هو إيجابي ومفعم بالحب والتقدير الذي يأتي من احترام الذات.