[1] كما هو مقرر في جميع التقاليد الثورية الحقيقية والمزيفة؛ فلا يمكن أن تمر ذكرى أي انقلاب أو حركة تصحيحية؛ فضلا عن ثورة؛ يعتز بها أصحابها دون احتفال بها.. لكن لأن ما حدث في مصر قبل عام واحد كان انقلابا قذرا على سلطة منتخبة فقد مرت الذكرى للانقلاب/ الثورة المزعومة (ثورة 30 يونيو) بقدر غير مذكور من الاحتفالات إن لم تكن قد انعدمت تماما.. ولولا أن الثورة الشعبية الأخرى هي التي أشعلت الميادين والشوارع باحتجاجاتها ضد الانقلاب (أو ثورة 30 سونيا كما يسخر منها معارضوها بسبب مستوى التأييد الذي لاقته من فئة الراقصات والممثلات والمطربات!) ابتداء من فجر الخميس؛ لولا ذلك لمرت الذكرى وكأنها فضيحة أخلاقية من النوع التي أمر الله بالتستر عليها، وتعود الناس على التعامل مع أمثالها على قول القائل (إذا بليتم فاستتروا)! ووصل الأمر إلى إعلان بعض القوى الثورية التي شاركت في الانقلاب/الثورة رفضها المشاركة في إحياء الذكرى! [2] كانت مصر ثانية الدول العربية التي شهدت اندلاع ثورات الربيع العربي، وكانت أيضا أول دولة انتكست فيها الثورة، ونجحت الثورة المضادة في إعادة النظام القديم إلى السلطة بمكياج جديد وبدعم بعض القوى الثورية المفترضة. وبغض النظر عن كل المبررات التي سوقتها مؤامرة الانقلاب العسكري فما تزال مصر حبلى بالثورة، وكل ما نشاهده يوميا من مظاهرات وفعاليات احتجاجية على مدى العام يؤكد أن بقاء الحال من المحال، وربما لنفس الأسباب التي برر الانقلابيون والمتآمرون بها انقلابهم العسكري: 1- فحالة الانفلات الأمني ما تزال هي الحقيقة الأولى في مصر؛ بل ازدادت سوءا رغم أن الدولة العميقة وأجهزة الأمن والمخابرات بكل مسممياتها، وأذرعها الإعلامية بكل أشكالها هذه المرة لا تقوم بدور المخطط والممول والمنفذ للفوضى ونشر الرعب، والقلاقل في أرجاء البلاد كما عملت خلال العام الذي حكم فيه د. محمد مرسي بعد انتخابه كأول رئيس مصري مدني! وعاد كل شيء إلى أصله فالأمن المصري الأسوأ في العالم عاد ينتهك كل جميل وشريف في البلاد بعد أن ظل طوال عام المؤامرة إما يمثل دور الشيطان الأخرس، وإما يقوم بدور الشيطان ذاته، وبشر أبرز مذيعي القنوات الفضائية المصرية؛ التي كان لها دور المحرض وواضع الزيت على النار؛ المشاهدين؛ منذ انتهاء مسرحية الانتخابات الرئاسية أن حان وقت العمل.. وكفى سياسة وساس ويسوس، وبالفعل كفت عن إثارة الفتنة، ونشر الأكاذيب والتضليلات عن الأوضاع في البلاد، والتحريض على الفوضى في الشارع… والذي يتابع هذه القنوات سوف يكتشف بسهولة هذا النهج الجديد لها! فلم يعد انقطاع الكهرباء أمرا يستحق الثورة، والمطالبة بإسقاط الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة، فلا بد للمصريين من الصبر واتباع التعليمات بالاقتصاد في الاستهلاك.. وارتفاع الأسعار صار مثل أكل الزبيب على يد الحبيب! والانفلات الأمني مؤامرة تركية قطرية لا بد من مواجهتها بالعنف والقوة ودون رحمة! 2- عودة الدولة البوليسية المصرية العتيقة لإدارة مقاليد البلاد لم تحرك ساكنا ولا شعرة في رؤوس معظم الذين برروا مشاركتهم في مؤامرة الانقلاب بما أسموه انتهاكات حقوق الإنسان، وممارسات الفاشية الدينية، وإقصاء الآخرين.. وها هي أم الدنيا تشهد أوسخ انتهاكات حقوق إنسان في تاريخها الحديث وصلت إلى درجة انتهاك أعراض النساء في أقسام الشرطة والمعتقلات.. وقتل المعتقلين، وتعذيبهم دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال! وها هي دولة العسكر وأبناء مبارك تعود من جديد.. وها هو الإقصاء يبدأ من الإقصاء من الحياة إلى الإقصاء من الوظيفة، وتأميم النقابات، ومصادرة الجمعيات الخيرية والممتلكات الشخصية! 3- السمعة الدولية الشهيرة للدولة المصرية في القمع فاقت المستويات المماثلة، وصارت المحاكمات الهزلية، وأحكام القضاء المصري بإعدام المئات في قضية واحدة مثار سخرية واستهجان دولي.. وطبعا وسط صمت القوى الاشتراكية والقومية والعلمانية والمسيحية السياسية التي شاركت في الانقلاب بمبرر رفض الفاشية والديكتاتورية الدينية! وتعاون سلفيي أمن الدولة بمبرر رفض التكفير! 4- التدهور المعيشي المستمر، وتدهور الخدمات العامة، وعدم وجود بصيص أمل في انفراج الأزمات المجتمعية؛ رغم عشرات مليارات دول الخليج، وعدم قدرة الفئات العمالية والمهنية على الحصول على حقوقها الوظيفية بعد منع الإضرابات، وعودة لصوص العهود السابقة إلى الواجهة.. كل ذلك صار علامة على حقيقة السلطة الجديدة وسياساتها الفاشلة من.. البداية! 5- القمع الإعلامي والفكري بدأ للأمانة منذ اليوم الأول للانقلاب بل منذ الثانية الأولى للانتهاء من قراءة بيان الانقلاب.. وما تزال القنوات المعارضة مغلقة، والصحف ممنوعة من الصدور ومع استمرار مضايقة ومنع أصحاب الآراء المعارضة لبعض السياسات؛ ولو كانوا ممن شارك في التحضير للانقلاب بسذاجة أو بقصد سيء؛ من الكتابة في الصحف أو تقديم برامج تلفزيونية تشتم منها رائحة انتقاد الممارسات البوليسية ولو كان المقصود عهد مبارك! 6- من نافلة القول إن العلاقات المصرية مع الكيان الصهيوني سمن على عسل في جميع المجالات، واستعادت دفئها؛ رغم أن الأغبياء الثوريين صدقوا – أو ربما روجوا لذلك لتجميل صورتهم وخداع ضمائرهم!- أن الانقلاب كان ضربة لمخطط صهيوني أمريكي ضد مصر يبدأ من بيع قناة السويس لقطر وينتهي بتسليم سيناء إلى حماس ليسكنها الفلسطينيون! وبمقارنة الوضع العام لمصر الآن مع ما كان الأمر عليه قبل الانقلاب؛ يمكن أن نستنتج أن الوضع الراهن يبرر ألف انقلاب عسكري وثورة شعبية على غرار ثورة يناير ضد مبارك أو حتى انقلاب السيسي ضد مرسي! ودون الحاجة للانشغال بثنائية: انقلاب أم ثورة! ودون الحاجة لإرهاق العقول بسؤال: هل مصر بحاجة لتغيير فوري قياسا على ما سبق أم لا؟ هذا طبعا إذا كانت الأحزاب والقوى المصرية (والعربية التي أيدت) انقلاب الجنرال السيسي كانت صادقة في أنها خرجت من أجل التغيير، وتحسين الأوضاع، ورفض التهميش وليس رفضا وانقلابا على كل تنظيراتها القديمة عن احترام الإرادة الشعبية، وكرها في الإسلاميين والمشروع الإسلامي الذي حاز على ثقة المصريين في خمسة استحقاقات ديمقراطية نزيهة لم تعرف مصر مثلها منذ حكمها العسكر! [3] [لمن يريد مزيدا من الفهم لما يحدث في مصر فيمكنه قراءة التعقيبات والتعليقات على مقال الأستاذ/ فهمي هويدي ليوم السبت 5 يوليو في موقع صحيفة الشروق المصرية، والمقال بعنوان: من ير ضوءا فليدلنا عليه! والتعليقات بعنوان: الإبحار في الذاكرة المصرية!]. [4] من الصور الساخرة عما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد عام من الانقلاب العسكري على موقع كاريكاتيرات ساخرة: -الشباب اللى الإعلام كان بيشتكي من عدم وجودهم في لجان الانتخابات هم اللي في الشوارع النهار ده! -الستات اللى رقصو قدام اللجان هما اللى بيتسحروا على أضواء الشموع النهار ده! -السواقين اللى كانوا زعلانين من طوابير البنزين أيام مرسى مش لاقيين البنزين النهار ده! -الناس اللى كانت زعلانة من مرسى لما قال إن كيلو المانجه بخمسه جنيه مش عارفين يشتروا كيلو البطاطس ب 8 جنيه النهار ده! -الناس اللى كانت بتفطر أيام مرسى على قمر الدين أبو 11 جنيه النهار ده بيفطروا على ميه لأنهم مش عارفين يشتروا قمر الدين أبو 45 جنيه! -حزب النور اللى كانوا على المنابر أيام مرسى وكان المصلين حول مسجد القائد إبراهيم بالآلاف منعوا السنه دى من اعتلاء المنابر وصلاة التراويح! - الثوار اللى قالو إن الاخوان باعونا في محمد محمود النهار ده رجعوا البلد للصفر وسلموها للعسكر ورفضو ينزلوا في الثورة الحالية! -الثوار اللى تظاهروا أيام مرسى قدام بيت وزير الداخلية بالملابس الحريمي الداخلية النهار ده من الحر قاعدين في المعتقلات بالملابس الداخلية! -الناس اللى اعترضت على إعلان دستوري لمرسي يحافظ به على مجلس الشورى سكتوا عن 29 قانون أصدرهم عدلي منصور وكلهم خراب لمصر! -اللى كان بيغني تسلم الأيادي زمان هو نفسه اللي بيغني دلوقت.. ظلموه!