أثارت صور نشرت في موقع السفارة الأمريكية في تونس أظهرت سياسيين تونسيين يمثلون أحزابًا تونسية على مائدة إفطار السفير الأمريكي جاكوب والس جدلًا واسعًا وردود فعل مستنكرة خاصة وقد تزامنت مع الاعتداءات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل من الكيان الصهيوني في هذا الشهر الكريم. وكشفت الصور مشاركة عدد من قادة الأحزاب السياسية التونسية في مائدة إفطار أقامها السفير الأمريكي وهم على التوالي: راشد الغنوشي وحمادي الجبالي وعامر العريض ومحرزية العبيدي من حركة النهضة، وأحمد نجيب الشابي ومي الجريبي من الحزب الجمهوري، ورياض بن فضل من الجبهة الشعبية، وكمال مرجان من حزب المبادرة والباجي قائد السبسي ومحسن مرزوق والطيب البكوش من حركة نداء تونس، ويس إبراهيم من حزب آفاق تونس وعبد اللطيف عبيد من حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. موائد السفارة ودرس غزة كتب القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية) على حسابه بالفايسبوك: "أتذكر أنه في الشهر الذي سبق بداية الحملة الانتخابية للعام 2011 عملت ماكينة الإشاعات التي لم يقض عليها على ترويج إشاعة مفادها أن "فعلان" مرشح ومدعوم من الأمريكان وأن الانتخابات محسومة لصالحه، فكنت أقول لهؤلاء لماذا تنشرون الإحباط والناس سيكونون أحرارًا وأسياد أنفسهم لا سيف مسلط عليهم في الخلوة؟ وعند تقديم الترشحات سقطت بعض قائماته لإخلالات قانونية وهزلت بالتالي النتيجة". ويواصل الحريزي: "تعود الماكينة اليوم في شكل صور تم اختيارها بعناية قدمت لنا من موائد ثانوية وواحدة رئيسية كان العنصر الحي فيها "فعلان" إما مخاطبًا مادًّا يد الناصح أو الموجه أو المفسر أو شامخًا أمام من قصده ليسلم صورة فاترة للبقية بما فيها السفير الأمريكي". والقصد واضح وهو يتزامن مع انطلاق مراسم تسليم مقاليد ماكينة القديم وانسحاب الشيخ السبسي تدريجيًّا. والغريب أن "فعلان" ظل لطول الفترة السابقة إما صامتًا أو هامسًا بلا موقف، بل تجرّأ أن يكون طرفًا في المطالبة بالرحيل أيام جمر باردو. هو يريد اليوم أن يكون له دور في صنع مستقبل تونس، وهو الذي عاين جور وظلم وفساد الماضي، وذلك عن طريق صناعة الصورة التي سرعان ما فشلت مع رئيس الحكومة جمعة وآمال كربول وزيرة السياحة؛ لأن التونسيين أدركوا ذلك بسرعة، ودرس غزة أن الإرادة تصنع الأمم وتقهر المحتلين وقياسها أن الشعب بأبسط مجهود داخل الخلوة يخيب آمال سنوات من التخطيط والتوجيه حتى وإن وجهت بعض الأحزاب فايسبوكييها بترك الرجل وشأنه في إطار تفريق لم ينجح". أقول بأنّ الأيام القادمة ستشهد ما بعد الصورة، أي الحوار والمقال والسجاد والتمجيد وكل الماكينة وآلات النفخ و الإيقاع. المعرّة وصف رئيس حركة "المرابطون" والعميد السابق للمحامين التونسيين بشير الصيد هذا اللقاء "بالمعرّة التي يندى لها الجبين" وهو دليل على "فقدان تونس لاستقلالها وقرارها الوطني وارتباطها بالتدخل الأجنبي المفضوح". واعتبر أنّ هذا السلوك "الأول من نوعه" حسب رأيه، "اعتداء صارخًا على كرامة الشعب التونسي وعلى هيبة تونس واستقلالها"، خاصّة وهو "يتزامن مع الاعتداء الصهيوني على قطاع غزة". وقال الأمين العام لحزب آفاق تونس يس إبراهيم المشارك في مائدة الإفطار ردًّا على الانتقادات: "هذه الانتقادات بمثابة التوظيف السياسي، ويجب التفرقة بين الديبلوماسية وبين النشاطات الداخلية للسفارة المحلية في البلاد". فرقتهم المصالح وجمعتهم طاولة السّفير قال الدكتور سامي براهم الباحث في الحضارة الإسلامية: "شنّ مناضلو الجبهة الشعبيّة حملة على حضور رموز أحزاب سياسيّة في جلسة إفطار بالسّفارة الأمريكيّة وبعد عرض صور تبرز حضور أحد قياداتها وعضو مجلس أمنائها "رياض بن فضل" وقع تبرير ذلك بأنّه يمثّل حزبه لا الجبهة، وهذا يعني أنّ الجماعة يضعون ساقًا في النّقاء الثّوري والمبدئيّة وساقًا في التّكتيك السياسي والبراجماتيّة". وواصل: "المشكل برأيي المتواضع ليس في الجلوس على طاولة السّفير فذلك سلوك بروتوكولي تقليدي، بل في حجم التّأثير الذي تمارسه السفارات الأجنبيّة على السياسة الدّاخليّة في تونس في ظلّ تحدّيات المرحلة وأساسًا تشكيل المشهد السياسي القادم". ويرى الباحث براهم أنّه: "كلّما كان هناك انقسام داخلي وصراع تنافر وتدمير بين مكوّنات المجموعة الوطنيّة، كلّما انفتح الباب على التدخّل الخارجي وكلّ الطبقة السياسيّة والمؤسسات المدنيّة الكبرى شريكة في تدمير المناعة الوطنيّة ضدّ التدخّل الخارجي في الشّأن الوطني وشريكة في إضعاف الشروط الموضوعيّة لسيادة القرار الوطني". الشيوخ على موائد أمريكا يقول أحد المعلقين على مائدة الإفطار: "اجتمعوا على موائد أمريكا بحاكمهم ووزرائه، بشيوخهم ونوابهم، بمعارضتهم الحالة بأسوار قرطاج، كلهم تجمعوا على موائد السفير، مجتمعين، ومتفقين لا مختلفين، منضبطين ومغتبطين". ويواصل مستنكرًا: "مرت الصور القادمة من سفارة أمريكابتونس إلى الرأي العام التونسي في فترة تشهد عزوفًا تامًّا عن التسجيل للانتخابات وتدهورًا كليًّا لمنسوب الثقة بالسياسة وأهلها وتململًا للمتربصين بتونس". لينتهي إلى أنه: "إذا كان هذا الشعب صبورًا وغفورًا في وقت ما، فإنه لن يبقى صامتًا أبدًا إذا تحولت تونس إلى مجرد قطعة شطرنج في لعبة شرق أوسطية غربية". لا يمثّلنا وقال القيادي في الجبهة الشعبية (ائتلاف من أحزاب علمانية وقومية) والأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي إن حضور القيادي رياض بن فضل مأدبة العشاء التي أقامها السفير الفرنسي إلى جانب عدد من السياسيين وقادة الأحزاب التونسية قد حضرَ باسمه الشخصي، وهو بالتالي يمثل شخصه ولا يمثل الجبهة الشعبية. وأضاف حمدي أنّ موقف الجبهة الشعبية واضح وهو مقاطعة مثل هذه المناسبات في سفارات دول شريكة في العدوان الصهيوني على الفلسطينيين مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا. توماس جيفرسون كان الرئیس توماس جیفرسون قام في 9 دیسمبر سنة 1805 باستضافة وفد تونسي زائر لأول إفطار معروف في البیت الأبیض. وكان الوفد التونسي یتقدمھ الشیخ "سیدي سلیمان" ومبعوث الباي آنذاك قضى في واشنطن 6 أشھر وكان سبب الزیارة العلاقة المتوترة آنذاك بسبب القرصنة على السفن التجاریة الأمریكیة من قبل بعض الدول في البحر الأبیض المتوسط وأسر سفن تونسیّة كانت تحاول تطبیق فرض الحصار الأمریكي لطرابلس.