ان الاحداث والمعارك السياسية التي خاضها علي عبد الله صالح طوال فترة حكمه وما يزال يخوضها الى يومنا هذا ويخرج منها فائزا او منتصرا ليس بسبب انه يملك ذلك الذكاء الحاد او الخارق للعادة بقدر غباء خصومه السياسيين وسذاجتهم التي تصل حد البله احيانا . فهو يتركهم حتى يظنوا انهم خارج مناطق الخطر والانتقام من خصمهم اللدود فينقض عليهم انقضاض الصياد على فريسته ، ورغم تعدد التجارب وتنوع الضحايا ومعرفة اسباب الحوادث في احيان كثيرة فلا اصدقائه حذروه ولا اعدائه احترسوا منه . ان الزعيم يعيش هاجس الامن الشخصي حتى جعله مقدما على أي هاجس أخر ، فسوء النية عنده هي اساس تعامله السياسي مع الاصدقاء والاعداء على حدٍ سواء ، وربما كان ناجما ذلك ان صعوده العسكري والسياسي تم في اغلبه نتيجة مؤامرات ودسائس سياسية وتصفيات جسدية عاشها الزعيم وشارك فيها ، لذلك نجده يتخلص من اصدقائه قبل اعدائه محاولا طمس معالم تاريخه السياسي وجعل ذلك وكأنه اعجوبة من اعاجيب الزمن على الاقل في نظره هو . وتاريخ الزعيم ممتلئ على اخره بأساليب الترهيب والترغيب فكان المال والقوة الاسلوب المعتاد له لإزاحة خصومه السياسيين وخاصة ممن لا قوة لهم عسكرية او قبلية ، واما من يتمتعون ببعض قوة ونفوذ فالأمر معهم يختلف ، وفي هذا السياق اتذكر قصة اغتيال محمد خميس رئيس جهاز الامن الوطني سابقا ، فبعد ظهر احد ايام شهر يناير من عام 1980م وصلت اطقم عسكرية الى مبنى وزارة الاتصالات في التحرير حيث كان يوجد السنترال المركزي لليمن في الدور الارضي للمبنى وكانت غرفة (الترنك) توصيل المكالمات بين المدن في الدور الثاني ، وكان مناوب السنترال شاب صغير لم يبلغ العشرون عاما مجرد ان رأى الجنود حول المبنى اغلق جميع ابواب السنترال فما زالت احداث انقلاب الناصريين حديث ابنا الاتصالات ، وقد حدث ما توقعه بالضبط فماهي الا دقائق حتى بدا الطرق على الابواب من عدة جهات وعندما رد على الباب المؤدي الى الدور الثاني طالبه ان يفتح الباب فرفض فعرّف الطارق عن نفسه انه عبد العزيز البرطي رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة او ما شابه ذلك وهنا ازداد الموقف صعوبة بالنسبة لمناوب السنترال وبعد ان رفض فتح الباب عاد مسرعا ليتواصل مع مسئوله المباشر الذي اكد له ان يرفض أي شيء حتى يتصل به مرة اخرى ، ولكن الضغط مستمر والابواب تقرع من ثلاث جهات وعندها خاطب الموظف القائد العسكري ماذا تريدون مني ؟ فقال له عبد العزيز البرطي نريدك الآن ان تقوم بتعطيل جميع ارقام منزل محمد خميس وارقام مكتبه ، ومن يجرؤ على تعطيل ارقام محمد خميس فرفض الموظف ذلك ظناً انه ربما يمر بمرحلة اختبار من خميس نفسه وان العواقب وخيمة ، واثناء ذلك خاطبه البرطي بلغة هادئة قائلا له يا ولدي ان المجرمين يطاردون محمد خميس يحاولون قتله ولا نريد ان يعرف اهله بذلك او ان يحدث لهم أي مكروه ، وهنا قال مناوب السنترال اريد امر خطي بتعطيل الارقام حماية لنفسي من المسائلة قال ذلك بعد ان طلبوا منه زملائه موظفي "الترنك" ذلك مؤكدين ان الموضوع ليس انقلاب ، وقد وافق عبد العزيز البرطي على كتابة الامر وطلب فتح الباب لأخذه ولكن الموظف اصر على ادخال الامر من تحت الباب وهو ما تم فعلا .. اتذكر هذه القصة الآن لما لها من مغزى فالضحية هنا اكبر واخطر رجل امن عرفته اليمن ، ورغم نجاته من الكمين الاول والثاني الا انه قُتل في الكمين الثالث ، هنا نلاحظ عنصر المباغتة وتوقع الأسوأ وضرورة التخلص من الخصم الذي كان يعرف كل الاسرار ومنه سر اغتيال الحمدي والغشمي ويعرف السر الاكبر لصعود الزعيم الى الحكم ، ويعرف كل رجالات السعودية في اليمن ، ولم تكن هذه اول المعارك ولا اخرها. فتاريخ الزعيم في التخلص من منافسيه سيكتب على صفحات التاريخ بتفاصيل اكثر وادق ، وحكاية الزعيم مع الناصريين اشبه بالحزاوي فبعد انقلابهم الفاشل بسبب الخونة بينهم وبعد ان تخلص من قادة الناصريين الوطنيين بإعدامهم ، نجد ان اخلص رجال الزعيم حتى اليوم هم من الناصريين ، وهذا سر له موضوع آخر . ولو اردنا سرد معارك الزعيم مع خصومه واصدقائه فأننا نحتاج الى وقت طويل والى اوراق بحجم الكتب الكبيرة فلم يمر شهر طوال فترة حكم الزعيم دون ان يتخلص فيه من اصدقاء مشبوهين في نظره ويمثلون خطرا مستقبليا محتملا ، او خصوم سياسيين يشكلون تهديدا جديا على حكمه حسب وجهة نظره طبعا ، واما من ساير الزعيم طوال فترة حكمه فانهم كانوا عبيدا ومخاصي وان تولوا اعظم المناصب لانهم يعرفوا مصيرهم ان شك في ولائهم مجرد الشك . وكان من اهم اسباب ربح الزعيم لمعظم معاركه مع خصومه ومنافسيه انه هو من كان يحدد اللعبة ويحدد بدايتها ونهايتها بل ويحدد قواعدها ومساراتها ويأخذ خصومه على حين غفلة منهم في الاوقات التي يظنون انهم تجاوزوا مرحلة الخطر ، واهم اساليب الزعيم انه لا يفتح جبهة واحدة لخصم واحد، بل يشنها حربا على عدة جبهات ولعدة خصوم في وقت واحد حتى يتحد احيانا الخصوم ضده ، وهنا تبدأ لعبته المفضلة فيقوم بتوجيه الخصوم باتجاه معين وهو في الاساس هدفه خصم واحد محدد لا يعرفه الا هو وفي لحظة من اللحظات يعتقد كل واحد من خصومه ان سهام الزعيم ليست موجهة ضده فيدمر هدفه وسط ذهول وصدمة الاخرين .