لم يكن الحاج مقدشي، يتصوّر يوماً أن يعيش هو وأفراد أسرته ال6 في كهف جبلي، يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة الطبيعية؛ بلا ماء، بلا أكل بلا توفر ادنى مقومات أساسيات الحياة، ضمن مئات الأُسر التي أجبرتها الحرب الدائرة في مدينة "رداع"، وسط اليمن، إلى النزوح للكهوف في منطقة "حرية" النائية، شمال المدينة. وتشهد مدينة رداع، بمحافظة البيضا، اشتباكات عنيفة، منذ أسابيع، بين مسلحي جماعة "أنصار الله" المعروفة بجماعة "الحوثي"، ومسلحين قبليين. مقدشي، وهو من أهالي منطفة "سيلة الجراحي" المتاخة لرداع، قال لوكالة الأناضول: "نحن مشرّدون، والدنيا خربانة(خربة)، ليس لدينا شربة ماء صالحة للشرب؛ نحن نشرب من ماء الآبار المالحة، ونعيش في الكهوف، بلا مأوى ولا أي شيء يقينا برد الشتاء". وتابع "الناس تشرّدوا، ويعيشون مأساةً إنسانية في الجبال والوديان، وهناك آخرون عادوا إلى منازلهم في المدينة، لكنهم يعيشون حياة غير مستقرة، ومستعدون للنزوح مرةً أخرى إذا ما اشتد القصف والمواجهات بين القبائل والحوثيين". وأردف قائلا "هناك بعض الأسر ترغب في العودة إلى أماكن سكناها، خاصة المناطق التي خفت فيها المواجهات(لم يذكرها)، لكنهم لا يجدون قيمة المواصلات لذلك، فبقوا كغيرهم من النازحين". وأسرة "مقدشي" هي واحدة من حوالى 970 أُسرة نزحت من مناطق المواجهات في "رداع" والمناطق المحيطة بها؛ "المناسح" و"خبرزة" و"سيلة الجراحي"، وتوزعت على الكهوف والجبال في مناطق "قيفة" و"حنكة العرابجة" و"دار النجد".، و"حرية". وبحسب كشف تفصيلي حول النازحين في رداع، أعدته إحدى الجمعيات الخيرية، وحصلت الأناضول على نسخة منه، فإن ما يربو على 10 آلاف نازح يواجهون مصيراً محفوفاً بالمخاطر، في ظروف حياتية صعبة للغاية، لا سيما أن نصفهم، أو يزيد، هم من فئة الأطفال. وقال عبدالله العقبي، نائب مدير فرع جمعية "الإصلاح الإجتماعي الخيرية" (عير حكومية)، إن "حاجات النازحين المًلحّة تتمثل في الماء، المساعدات المعيشية، حليب الأطفال، الخيام، الملابس الشتوية، والبطانيات". وأضاف العقبي، في حديث مع "الأناضول"، أن "الجمعية وزعت 300 بطانية على النازحين، لكنها لا تكفي لحاجتهم"، لافتاً إلى "وجود تقصير كبير من الجهات الحكومية والمنظمات الحقوقية والخيرية، التي لم تلتفت إلى معاناة أهالي رداع"، حسب تعبيره. ومديرية "رداع" هي واحدة من أكبر مديريات محافظة البيضاء، وسط اليمن، وتضم سبع مديريات هي (رداع – العرش – صباح – الرياشية – الشرية – القريشية -ولد ربيع). وتواجه مدينة "رداع" مأساة إنسانية حقيقةً نتيجة الصراع الدائر في المنطقة بين جماعة "أنصار الله" وبين رجال القبائل، أُستخدمت خلالها جميع أنواع الأسلحة، وهو ما أجبر كثيراً من السكان المحليين على النزوح خارج نطاق المواجهات. ومنذ 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، تسيطر جماعة "أنصار الله" (الحوثي) المحسوبة على المذهب الشيعي، بقوة السلاح على المؤسسات الرئيسية في صنعاء، ويتهم مسؤولون يمنيون وعواصم عربية وغربية إيران، بدعم الحوثيين بالمال والسلاح، ضمن صراع على النفوذ في عدة دول بالمنطقة بين إيران والسعودية، جارة اليمن، وهو ما تنفيه طهران. ورغم توقيع جماعة الحوثي اتفاق "السلم والشراكة" مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وتوقيعها على الملحق الأمني الخاص بالاتفاق، والذي يقضي في أهم بنوده بسحب مسلحيها من صنعاء، يواصل الحوثيون تحركاتهم الميدانية نحو عدد من المحافظات والمدن اليمنية خلاف العاصمة.