على ما يبدو أن توقعات دول أمريكا اللاتينية كانت أكثر واقعية لأداء سوق النفط العالمي، إذ أعلنت هذه الدول أنها ستبني موازناتها على أساس 65 دولار للبرميل، بينما على الصعيد العربي لم نجد هذا الأمر، ولازالت كل دولة عربية مصدرة للنفط تحتفظ لنفسها بتقديراتها، والمثير في الأمر أن منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط، "أوابك" لم يُسمع لها صوتًا على مدار أزمة انهيار أسعار النفط. لقد أُعلن عن تنسيق خليجي في التعامل مع الأزمة، ولكن هناك دول عربية أخرى مصدرة للنفط بكميات كبيرة مثل الجزائر وليبيا والعراق، وكذلك دول مصدرة للنفط بكميات صغيرة مثل مصر واليمن، ومع ذلك غاب التنسيق العربي على المستوى الإقليمي. وهو ما يؤكد ما قاله العالم الاقتصادي العربي الرحال "الدكتور رمزي زكي"، في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، بأنه لا يوجد اقتصاد عربي، ولكن توجد اقتصاديات عربية، فالاقتصاد الواحد تحكمه سياسات موحدة وتوجهات موحدة، بينما الواقع العربي بعيد كل البعد عن هذا الأداء لذلك فهي اقتصاديات عربية. ولذلك نجد معظم التقديرات الاقتصادية الحالية أو المستقبلية تفصل بين مكونات الاقتصاديات العربية، فدول الخليج عادة ما يكون لها تقويم خاص بها للاعتبارات النفطية، ثم الدول العربية النفطية غير الخليجية، ثم باقي الدول العربية، وهو ما يعني أن الدول العربية ليست نسيجا اقتصاديًا واحدا. لذلك تفقد الأرقام معنها عندما نتحدث عن ناتج محلي إجمالي عربي، لأنه مجرد رقم، ليس له دلالة على الواقع المعيش في حياة الفرد العربي. ومع ذلك نأتي إلى مجموعة من المؤشرات التي يتوقع لها أن تظهر أداء متابين على الصعيد العربي عن تلك المؤشرات التي شاهدنها على مدار العقد الماضي، الذي ازدهرت فيه العوائد النفطية، وبالتالي تغيرت أرقام كثيرة تخص المؤشرات الاقتصادية العربية. وبشكل عام فإن الافتراضات القائمة تذهب إلى أن المتوسط العام للعالم العربي بنهاية عام 2014 قد لا يتأثر كثيرًا على المستوى العام، بسبب تماسك أسعار النفط خلال النصف الأول من عام 2014، ولكن التوقعات السلبية ينتظر أن تكون واضحة خلال العام القادم 2015. الناتج المحليتغير الناتج المحلي الإجمالي العربي بسبب ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، حيث تشكل الصناعات الاستخراجية، التي يعتبر النفط عمادها 40 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقديرات التقرير الاقتصادي العربي لعام 2013، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي من 714 مليار دولار في عام 2000 إلى 1.16 دولار في عام 2005، ثم إلى 2.08 تريليون في عام 2010، وواصل الارتفاع في عام 2012 ليصل إلى 2.69 تريليون دولار. لقد ذهبت تقديرات منظمة الأسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي في عام 2013 بحدود 3 %، وفي ظل انخفاض أسعار النفط يتوقع أن تكون معدلات النمو أقل من 3 %، وإن كانت منطقة الخليج بإمكانها أن تحقق معدلات نمو أفضل مقارنة بغيرها من مناطق العالم العربي، بسبب رصيدها من الاحتياطيات النقدية التي تم تدبيرها على مدار السنوات الماضية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض الفوائض المالية العربية من 275 مليار دولار في عام 2014 إلى 175 مليار دولار، بانخفاض يصل إلى 100 مليار دولار، وبنسبة قدرها 36.3 %، بسبب انخفاض أسعار النفط. ولكن هذه التقديرات كانت على أساس أن سعر برميل النفط بحدود 80 دولار وقبل قرار أوبك بعدم تخفيض سقف الإنتاج من النفط. وبالتالي قد تشهد الفوائض النفطية العربية انخفاضًا بمعدلات أكبر من تلك التي ذكرها صندوق النقد الدولي. ارتفاع التضخمعلى الرغم أن توقعات صندوق النقد بشأن معدل التضخم في المنطقة العربية لا تدل على وجود تغير كبير في الفترة ما بين عامي 2014 و2015، إلا أن التفاصيل التي أوردها صندوق النقد عن أداء الدول العربية تدل على تباين واضح، فمنطقة الخليج يتوقع لها أن يكون التضخم بها ما بين 2.8 % عام 2014 و3.1 % في عام 2015. أما الدول النفطية غير الخليجية فمعدل التضخم بها يبلغ معدلات أعلي ما بين 7 % عام 2014 و7.5 % عام 2015. أما الدول المستوردة للنفط فستكون هي الأعلى من بين الدول العربي من حيث معدل التضخم، حيث تذهب تقديرات صندوق النقد لأن يكون معدل التضخم بها 9.9 % عام 2014 و9.6 % في عام 2015. الملاحظ أن الدول العربية المستوردة للنفط سينخفض بها معدل التضخم بمعدل بسيط 0.3 % وذلك نتيجة انخفاض أسعار النفط، ولكنها تبقى المنطقة الأكبر من حيث معدلات التضخم بين مناطق العالم العربي. وإذا ما نظرنا إلى معدل التضخم بشكل عام في المنطقة العربية نلاحظ أنه الأعلى ما بين مناطق العالم، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى التضخم المستورد، حيث تعتمد المنطقة العربية على الخارج في تدبير احتياجاتها الأساسية. العون العربيشكل النفط العربي على مدار العقود الماضية المصدر الرئيس للعون العربي، حيث تنفرد الدول النفطية العربية بتقديم كافة المبالغ المقدمة في إطار برامج المعونات العربية، وحسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013 بلغ حجم المعونات العربية 3.2 مليار دولار بنهاية عام 2012. إلا أن بيانات عام 2013 ستكون أكبر بكثير من هذا الرقم، نظرًا للمعونات الخليجية السخية التي حصلت عليها مصر بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013. ويقدر صندوق النقد الدولي احتياجات دول منطقة المشرق العربي فقط بنحو 100 مليار دولار، لكي تصل إلى معدلات نمو اقتصادي بنسبة 8 % للوصول إلى حالة التعافي، وهو أمر صعب المنال في الأجل القصير أو حتى المتوسط، وفي ظل انخفاض أسعار النفط، فإذا كانت الدول النفطية تقدم في المتوسط ما قيمته 5 مليار دولار سنويًا في إطار المعونات الخارجية، فكيف بها أن توفر 100 مليارا في ظل تراجع أسعار النفط، وحتى لو كان ذلك على مدار سنوات، فسوف يستغرق على الأقل 20 عامًا. الاستثمارات العربية البينيةالمنطق يقول أن الاستثمارات العربية البينية يجب أن تتدفق من دول الفائض وهي الدول النفطية بشكل عام والدول الخليجية بشكل خاص، إلى دول العجز المالي، وهي كل الدول غير النفطية. ولكن بيانات تقرير مناخ الاستثمار لعام 2014 والصادر عن المؤسسة العربية لضمان مخاطر للاستثمار تدل على غير ذلك، فمن بين 103 مليارات دولار هي حجم الاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 2001 -2012، نجد أن السعودية حصلت على نسبة 44 % من هذه التدفقات، تبعتها الإمارات بنسبة 30 %، ثم مصر بنسبة 9.4 %، ثم المغرب بنسبة 4.5 %، ثم سلطنة عمان بنسبة 3.4 %. ونلاحظ وجود تباين واضح بين نصيب الدول من الاستثمارات البينية، حيث تستأثر كل من السعودية والإمارات بنسبة 75 % من حجم الاستثمارات، والملاحظة الثانية أن تدفقات الاستثمارات العربية البينية لا تذهب إلى الدول الفقيرة، ودول العجز المالي، ولكنها تذهب لدول الفائض. ما يجعلها تفقد الغرض المراد منها. نعم إن الدول الغنية والنفطية هي مصدر تدفقات هذه الاستثمارات، ولكن الدول الفقيرة حظها ضعيف من هذه الاستثمارات، فكافة الدول العربية بخلاف السعودية والإمارات، والبالغ عددها 20 دولة تحصل فقط على 25 % من الاستثمارات البينية. وبناء عليه، إذا كانت تدفقات الاستثمارات البينية تأتي من الدول الغنية لتستقر في الدول الغنية، فإن مردود انخفاض أسعار النفط لن يكون مؤثر بشكل كبير. ولكن حالة مصر، التي تصل حصتها قرابة 10 % من تدفقات الاستثمارات العربية البينية، تسترعي الانتباه، نظرًا لحاجتها إلى مزيد من هذه الاستثمارات الآن عن أي وقت مضى، وتنتظر مصر من مؤتمرها حسب تصريحات بعض مسئوليها نحو 20 مليار دولار. ولعل مؤتمرها الاقتصادي المقرر عقده في مارس/ آذار القادم يعول كثيرًا على الاستثمارات العربية، وبخاصة من دول الخليج، ولكن تداعيات انخفاض أسعار النفط سيكون لها تأثيرها على ما ستقدمه دول الخليج من استثمارات خلال هذا المؤتمر.