تثير التصريحات التي أدلى بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى القناة العاشرة الاسرائيلية تساؤلات مهمة حول توقيتها ومراميها. عباس الذي دفع بتصريحاته سقف التنازلات الى مربع جديد غير مسبوق، خصوصا في موضوع حق العودة، كان تحت ضغط مجموعة من العوامل؛ ابرزها الحديث الذي ثار مؤخرا حول عودة الخيار الاردني في الضفة، واحتمالية فوز باراك اوباما بالانتخابات الامريكية بولاية جديدة، مع ما يعنيه ذلك من احتمالية تولد زخم جديد تجاه عملية السلام، إما بإقامة دولة فلسطينية منزوعة «الدسم والسلاح والكرامة»، وعبارة عن «كانتون» برئاسته، أو بحل يتجاوزه ويتجاوز سلطته الى غير رجعة. غير أن عباس ودهاقنة السلطة الذين وجدوا انفسهم في «خانة اليك»، وبخاصة من قبل القوى الدولية التي تراقب استشراء الفساد والفقر واستمرار الانقسام، رغم وعود اعادة السيطرة على القرار الفلسطيني، وانسداد آفاق الحل السياسي بسيادة الجمود في المفاوضات مع الكيان الصهيوني، أو بمواقف حركة حماس، اعتقدوا أن بتقديمهم مزيداً من التنازلات يمكن أن يعيدوا خلط الأوراق، والقفز إلى أمام على سيناريوهات تتجاوزهم. التنازل الجديد جاء انطلاقا من قناعة ترسخت لدى السلطة بأن «الربيع العربي» تجاوزها، وبأنها باتت في وضع مريح بعد إجراء الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها، وبأن ليس ثمة ما يهددها داخلياً، فعليها أن تلتفت فحسب إلى ما قد يعد في الصالونات الدولية المغلقة. طبعاً لم يدر في أذهان آباء السلطة أن ثمة خياراً آخر، يتمثل في خيار المقاومة؛ لأن هذا الخيار أسقط منذ تحولت الثورة إلى «شركة» تعمل لمصلحة المساهمين بها، وصواريخ المقاومة إلى «مواسير»! ويؤكد هذه القناعة ما قاله عباس عن أنه ما دام في السلطة «لن تكون هناك أبدا انتفاضة مسلحة ثالثة ضد إسرائيل». ذهاب محمود عباس «كسائح إلى مدينة صفد التي أمضى فيها طفولته، دون أن يكون له حق الإقامة فيها»، يكشف دون كثير تفصيل، ودون مراوغة عن تنازله المباشر عن حق العودة، الذي يضاف مجاناً الى عشرات التنازلات التي قدمها بلا طائل. تصريحات عباس التي جاءت متزامنة مع ذكرى وعد بلفور الذي أعطى الأرض لمن لا يستحقها، وعد آخر أكثر خطراً. وكان أجدى بمستشاريه الذين سارعوا إلى نفي تنازله عن حق العودة، بعدما راعتهم حالة الغضب والاستنكار التي اعترت الفلسطينيين والعرب والمسلمين، أن يقرؤوا ما قاله صحيحاً، ويقدموا استقالاتهم، لا تبريراتهم التي لا تقنع أحدا! يقال إن الأعمى إذا اصطدم بجدار ظن أنه نهاية العالم، فيتراجع ويتنازل، وليس على الأعمى حرج!