في غضون أيام معدودة من شهر سبتمبر 2014، وقع سكان صنعاء الذين يرب عددهم على 2.5 مليون نسمة تحت سيطرة تنظيم «انصار الله» «الحوثيين»، الذي يحظى بدعم سياسي وعسكري من ايران وحزب الله، هذا التنظيم الذي يخوض حربه الخاصه والذي أوشك بشكل خطير في يناير الجاري على تحقيق حلمه بانشاء امامة زيدية تسيطر على كامل اليمن، يواجه تحديات خطيرة فصلناها في المقال السابق بعنوان (خطاب الحوثي العجيب). فكيف نجحت ««حركة الحوثي» » في تنفيذ هذا الانقلاب؟ لقد انطلقت «حركة الحوثي» من قاعدة آمنة في محافظة صعدة، التي استولت عليها بالكامل مستغلة انهيار سلطة الدولة في الاشهر الاولى من ثورة الشباب في 2011، حيث بدا أنها استعدت بعناية لتنفيذ عملياتها في حاشد وعمران وفي عدد من المدن الأخرى، وذلك كمستهلٍّ للغزو المزمع في شهر سبتمبر من العام الماضي للعاصمة اليمنيةصنعاء. وقد كان استحواذ «حركة الحوثي» على عمران وما أحاطه من تغطية إعلامية واسعة، خطوةً انتهازية من قبل التنظيم حيث استغل زلاّت الحكومة اليمنية للتحرك. لكن الهجوم على صنعاء ينمّ عن تناقضٍ حاد، إذ بدا مدروساً ومتعمداً كمحاولة لتقويض سيطرة الحكومة الشرعية المنبثقة عن ثورة شعبية عامة شارك فيها الحوثي ، وتنصيب «حركة الحوثي» المنتصر الوحيد على الساحة. وحتى الآن، نجحت في تحقيق مآربها. ومن شأن السيطرة على العاصمة اليمنية أن تجعل ««حركة الحوثي» » مسؤولة عن العاصمة السياسية والاقتصادية لليمن بشكل عام وللمناطق الزيدية بشكل خاص، وهذه غنيمة ذات قيمة دعائية هائلة في االوسط الزيدي الذي طالما هيمن على مقدرات البلاد، وتهدد مسيرة الحوار الوطني ومشروع دستور الدولة الاتحادية، اذ ان هيمنته تلك بما تعنيه من امتيازات اقتصادية وسيطرة على القوات المسلحة والوظائف الحكومية التي كانت قبل ثورة 2011 تحت سيطرة قبيلة حاشد بقطبيها العسكري،عائلة علي عبدالله صالح، والقبلي، عائلة الاحمر مشايخ قبيلة حاشد، التي سيطرت على مقدرات البلاد خلال ثلاثة عقود ونيف. قد تبلورت حركة الحوثي لتصبح تحالفا مع هذا القطب العسكري الحاشدي الذي ازاحته ثورة 2011 الشعبية التي هيمن عليها القطب المشايخي الحاشدي نتيجة صراع على السلطة بينهما. بين مسيرة داعش والمسيرة الحوثية استعانت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بمقاتلين متمرسين تدربوا في ساحات المعارك السورية والعراقية لتشق طريقها بالدمار – وفي غضون ساعات – نحو الأحياء الغربية في الموصل، منطلقةً من بادية الجزيرة، وهي صحراء سورية-عراقية تقع بين دجلة والفرات. ذلك أن ضُعف سيطرة الحكومة العراقية على البادية أتاح للتنظيم إدخال مئات المقاتلين من العراق وسوريا إلى معركة الموصل. ومع ذلك، لم تبدُ قوات «داعش» الهجومية كبيرة إذ تراوحت أعدادها بين 400 و800 مقاتل بحسب التقديرات المتفاوتة. إلا أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» استفادت من عنصر المفاجأة والعدوانية لتحطيم معنويات الشرطة العراقية شبه العسكرية والقوات المسلحة في الموصل خلال ثلاثة أيام من المعارك الضارية. فقد واجهت «داعش» قوات حكومية تبلغ 15 أضعاف حجم قواتها وهزمتها شرّ هزيمة. وبالمثل استغلت الحركة الحوثية الاسلحة التي استولت عليها من القو ات الحكومية في صعدة، وتواطؤ هذه القوات التي ظلت تدين بالولاء لعائلة صالح، في السيطرة على محافظة عمران، ونهبت التجهيزات والمعدات التابعة للقوات العسكرية الموالية لآل الاحمر القطب المشيخي الحاشدي الذي تزعزعت سيطرته على القبيلة نتيجة موالا ة عدد من المشايخ الاصغر للقطب العسكري،عائلة صالح، قد تخوفوا على مصالحهم من مسيرة الحوار الوطني ومشروعي الدستور والدولة الاتحادية، تحالفوا مع الحوثي ومكنوه من طرد أل الاحمر من المحافظة وتدمير قصورهم فيها. وقد انضمت الالوية العسكرية الموالية لعائلة صالح الى الحوثيين الذين اندفعوا للسيطرة على العاصمة صنعاء ثم عدد من المحافظات الشمالية خلال ايام قليلة. وفي الطريق الى الهيمنة والسيطرة على الدولة تساقطت الاقنعة، وظهر قادة عسكريون والوية باكملها كقوى مناطقية تابعة لعلي صالح، وظهر التحالف الوثيق بين الحوثي والمخلوع الذي فتح الطريق للحوثيين نحو السيطرة على مؤسسات الدولة. وما ان تمت السيطرة على دار الرئاسة ومحاصرة مسكن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومن ثم استقالتهما حتى تناقلت وسائل الاعلام خبر استعادة الرئيس المخلوع علي صالح سيطرته على 21 لواء من الحرس الجمهوري السابق وتعيين اخيه علي صالح الاحمر قائدا اعلى لها. لقد ذابت مساحيق التجميل التي طلت الحركة الحوثية بها وجهها بكثافة، مثل مساحيق الدولة المدنية ،والسلمية، وصوت الشعب والعدل ..الخ ليظهرخلفها الوجه القبيح المشوه لجماعة طائفية وقيادة سلالية تحكها الخرافات واحلام الامامة في لبوس عصري، وبدأ أتباعها في اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين امام جامعة صنعاء واعتقال الناشطين والناشطات، والصحفيين والصحفيات. واتضح للكافة ان الحوثي لايفي بعهد ولايلتزم بعقد، وانه يحمل عقلية رجل عصابات مافياوي من احط واقذر الصنوف، وانه عميل للاحلام الامبراطورية الايرانية يهدد امن شعوب الجزيرة العربية ودولها. وبينما تحمل قطعانه لافتات الموت لامريكا تكشف مصادر امريكية عن تنسيق استخباراتي اميركي مع الحوثي. وغدت الاعتقالات والقتل مفردات النشاط اليومي لقطعان الحوثي الجاهلية المرتزقة التي تتلمظ في جوع تاريخي الى نهب الحواضر والمدن واذلال اهلها جريا على ممارسات اسلافها في ظل الائمة الزيديين على مدى قرون. صنعت تصرفات الحوثي الهمجية له مأزقا مستحيلا لايمكن له الخروج منه سليما، الامر الذي جعل الكثير من المحللين السياسيين يستغربون هذا التهور اللاعقلاني رغم تمتع الحوثيين بمشورة سياسية وعسكرية ايرانية رفيعة ومحترفة. وباستعراض مسيرة الحوثي الاخيرة بين سبتمبر ويناير كان اللافت اصرار الحوثي على السيطرة على اقليم سبأ (محافظتي الجوفومارب). اهمية الجوف للحوثي تكمن في امتدادها الحدودي الكبير مع السعودية الامر الذي يجعلها مناسبة للهجمات التي ستنطلق منها، اما اهمية مارب فينمثل في انها عمق سني في المنطقة القريبة من السعودية، وان فيها آبار نفط وغاز، ومصفاة صغيرة، ومحطات كهرباية غازية. وقد ظهر ان تركيز الحوثي في هجمته على بنية الدولة الشرعية انصب على استخدام القوات المسلحة لاخضاع المحافظتين كمقدمة ضرورية لحماية ظهره عندما يشرع في تنفيذ الهجمة الايرانية على السعودية بالاسلوب الداعشي. في العراق بدا أن الكتائب الأمنية العشرين التابعة للحكومة العراقية في مدينة الموصل تبددت بالكامل بين 8 و9 حزيران/ يونيو، مع ظهور أدلة لا يستهان بها من الأشرطة المصورة عن ظاهرة انسحابٍ كلية حيث ترك الجنود مراكزهم وآلياتهم وخلعوا بزاتهم العسكرية واعتزلوا القتال. ومثالٌ عن ذلك صورة عن بزة مخلوعة للواء في الشرطة. وقد استولت «داعش» على المقرّين الأمنيين الرئيسيين في الموصل ونهبت كليهما، وكان ذلك مصير مكتب المحافظ ككل. وأفادت التقارير أن فرع البنك المركزي العراقي في الموصل تعرّض للسطو أيضاً. وفضلاً عن ذلك، تُرك المستودع اللوجستي للجيش العراقي ليسقط بيد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وقيل إن هذا الأخير أحرق ما يزيد عن 200 آلية عسكرية مزودة من الولاياتالمتحدة وتشمل سيارات هامر وشاحنات وآليات الهندسة العسكرية. هذا وفرضت «داعش» سيطرتها أيضاً على مطار الموصل الدولي ومطارها العسكري، حيث تم التبليغ عن تدمير الطوافات العراقية وهي جاثمة على أرض المطار. وهوما تعتقد ايران ويعتقد الحوثي انه يمكن تكراره في هجمة حوثية على السعودية تقلب الطاولة وتغير موازين القوى في المنطقة.