اليوم يتذكر الجميع يوم 25 يناير، سواء أحبه أم كرهه. يوم لا ينسى، ترك علامات وإمارات يتذكرها على وجه الخصوص من له شهيد في ذلك اليوم أو من له جريح، من الشعب أو الجيش أو الشرطة، ذلك. يوم يوضح أن الظلم والفساد والتسلط مهما طال، فإن له نهاية، والموت من وراء ذلك كله، إن نجا الظالم والفاسد والمتسلط والقاتل فى الدنيا بتبرئة أو بهروب. أيام تلك الثورة العظيمة كتب الإعلام كله حتى الخارجي، منه عن أوجه حضارية عديدة فيها. من تلك الأوجه، وقوف الجميع مع بعض كأنهم أسرة واحدة يحزنون لموت أحدهم، ويسعون لعلاج من يجرح منهم، يأكلون سوياً ويجوعون سوياً، ويتعاونون في الصلاة، فترى المسيحي يَصب الماء لمساعدة المسلم في الوضوء. استمر هذا النهج الحضاري حتى تنحى مبارك يوم 11 فبراير 2011، فاحتفل الجميع، وغنوا وانصرف معظمهم وبَقى القليل مستمراً في مكانه ليرى نتيجة للثورة ويستمر في الضغط حتى يرى الأهداف تتحقق من العيش إلى الحرية، إلى العدالة، إلى الكرامة، وهى قيم عظيمة كانت مفتقدة في المجتمع خصوصاً معظم أيام المتنحي مبارك، الذى حصل من المحكمة على تبرئة من كل التهم، ولكن الموازين الحق لا تكون إلا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وطبعاً في ذلك اليوم لا ينفع مستشار ولا قاض ولا محام مهما كان بليغا وصاحب حجج مقنعة في الدنيا. القانون غير القانون والمحكمة غير المحكمة ويرى الإنسان أن الكتاب الذى أحصى أعماله لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً.. لو تذكرنا جميعاً ذلك اليوم كما نتذكر يوم الثورة سيقل الظلم إن لم يختف، وسيقل الفساد إن لم يختف، وستقل كل المفاسد إن لم تختف، وستكون مصر في الطريق الصحيح بإذن الله تعالى نحتفل اليوم بذكرى تلك الثورة العظيمة، ومرت أربع سنوات من عمرنا، ولم تتحقق معظم الأهداف إلا قليلاً، استغرقت مواجهة العنف والإرهاب والتغيير السياسي وقتاً طويلاً، وأنا شخصياً أحمد الله تعالى على بقاء الوطن مصر موحداً لم تفت في عضده محاولات التفتيت والتقسيم والعنف والتكفير حتى اليوم، وأن استلزم ذلك تضحيات هائلة وعزيزة تحملها الوطن بكل مكوناته، القوات المسلحة والشرطة والشعب، وما زالت تلك الأعمال تقع ولكن الإرهاب توارى، والمعركة مستمرة حتى قبر الإرهاب في مصر وإلا تعرضت مصر لما تتعرض له سورياوالعراقواليمن والصومال وليبيا. بعض محاولات التغيير التي لا يكتمل لها أسباب النجاح، تصب بكل تأكيد في صالح المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة. مشروع برنارد لويس ومشروع كسينجر حتى لا ينسى أحد منا تلك المشروعات. للأسف الشديد، فإن دول الجامعة العربية اليوم، بدلاً من التوجه الوحدوي عربياً وإسلامياً، فإن فيها من يدعو ويعمل على التقسيم والتفتيت باسم استقلال القوميات أو الطائفيات. ماذا تفيد دولة الأكراد المستقلة في مواجهة التحديات إن لم تصلح العراق الموحدة؟ وماذا تصلح له اليمن الجنوبي إذا استقلت بأي شكل عن اليمن الموحد؟ أنا لن استبعد زيادة عدد الدول العربية على مدى السنين الخمس القادمة إذا استمرت الأوضاع على ما هى عليه اليوم.. هذا يضع على مصر أعباء كبيرة على مستوى العالم العربي أولاً وعلى مستوى العالم الإسلامي ثانياً. ولكى تقوم مصر بهذه المهمة عليها أن تكون نموذجاً في العدل والإنتاج والتقدم والخروج من التخلف، وليس هذا بصعب على من يريد ومن يعمل له، ولعل البداية الصحيحة والمهمة الكبيرة هي استمرار الروح الثورية في التصحيح وليس فى ميدان التحرير فحسب. طبعاً، فشل المشروع الذى سعت إليه الجبهة السلفية من ثورة شبابية إسلامية يوم 28 نوفمبر، لا تبقى ولا تذر كما جاء فى بيانهم الأول الذى دعا إلى الثورة. لم يعلموا وقياداتهم من أهل التشدد الفقهي في ظني أن سَقَر وحدها هي التي لا تبقى ولا تذر.. الاحتفال بذكرى ثورة يناير العظيمة يكون بالعمل الصحيح وفق خطط صحيحة، ويكون بالخروج من التخلف والنمطية التي تشد الوطن إلى الخلف والتخلف. الاحتفال بتلك الذكرى يكون بإنهاء الملفات العالقة جميعاً وفى مقدمتها ملف الشهداء والجرحى.. الاحتفال يكون بالعمل على بقاء الوطن موحداً يستعصى على التفتيت والتقسيم والإرهاب ومحاولاته المتكررة. الاحتفال يكون بتحقيق الدستور كاملاً خصوصاً أن باب الحريات والحقوق فيه باب عظيم، والمحافظة على حقوق الإنسان أي إنسان لا يعطى أحداً الحق في التدخل في شئوننا.. الاحتفال يكون يوم القضاء على الإرهاب والعنف ومحاولات التقسيم والتفتيت في الأمة.. والله الموفق