يشكل الإعلان الدستوري الذي أعلنت عنه جماعة الحوثيين، مساء الجمعة، لحظة فارقة في تاريخها السياسي، وعلاقتها مع القوى السياسية الأخرى، وذلك لما سيترتب على هذا الإعلان من تطورات ميدانية من المحتمل أن تجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة، من المؤكد أن نتيجتها ليست في صالح جماعة الحوثيين وحليفها المخلوع علي عبدالله صالح. في البداية، الإعلان الدستوري كان بياناً انقلابياً بامتياز، ويمكن وصفه بأنه الخطوة الأخيرة ضمن الخطوات الانقلابية لجماعة الحوثيين، ورغم أن بيان الانقلاب وصف بأنه "إعلان دستوري"، إلا أن ذلك لا ينفي عنه صفة "البيان الانقلابي"، وعلى هذا الأساس -أي صفة "البيان الانقلابي"- سيتم التعامل معه من قبل مختلف القوى السياسية اليمنية والمكونات الاجتماعية الرافضة لهيمنة الحوثيين. ويمكن القول بأن جماعة الحوثيين عندما حاصرت منزل الرئيس هادي وأعضاء حكومة بحاح لم يكن في حسبانها أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه، ولم تكن تتوقع أن يقدم الرئيس هادي وحكومة بحاح على الاستقالة، فقد كان الهدف من تلك الخطوات يتمثل في الضغط على الرئيس هادي من أجل أن يرسخ نفوذ الجماعة في الدولة بشكل من الصعب اجتثاثه في أي وقت لاحق، كما كان من أهدافها تعيين نائب للرئيس من بين صفوفها، والذي سيتولى الرئاسة بحسب الدستور بعد أن يتم التخلص من عبدربه منصور هادي سواء عن طريق الاغتيال أو إجباره على الاستقالة. كانت استقالة الرئيس هادي بمثابة صدمة عنيفة للحوثيين، جعلتها تذهب إلى أحزاب اللقاء المشترك للبحث عن حل للمأزق الذي أوقعت نفسها فيه، خصوصاً بعد أن تصاعدت حدة الغضب الشعبي ضد الجماعة، واتضح أن فتح الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك وغيرها لم يكن من أجل الوصول إلى حل، ولكن من أجل استهلاك الوقت وإلهاء الشعب بحوارات عبثية من أجل الاستعداد والتمهيد للخطوة التالية، وهي استكمال الانقلاب. ورغم أن البيان الانقلابي، الذي أطلق عليه "الإعلان الدستوري"، تضمن مصطلحات فضفاضة تتحدث عن ضمانة الحقوق والحريات وتحسين المستوى المعيشي، وغير ذلك، إلا أن بنوده التي من المفترض أن تكون قطعية تم استثناءها بهذه الجملة "ما لم يتعارض ذلك مع هذا الإعلان"، وهو ما يعني أن الجماعة تنوي القيام بخطوات خطيرة سيتم تبريرها بأنها تتعارض مع "الإعلان الدستوري". كما لوحظ أن البيان حشر ما يطلق عليها "اللجان الثورية" في معظم مقررات بنوده، وهو ما يعني أن الحاكم الفعلي ستكون "اللجان الثورية" التي يرأسها شقيق عبدالملك الحوثي، المدعو محمد الحوثي، وسيكون أعضاء مجلس الرئاسة والمجلس الوطني تحت رحمة لجان الحوثيين التي يطقون عليها لجاناً ثورية، ومن المحتمل أن يتم تطعيم المجلس الرئاسي والمجلس الوطني بشخصيات من الجنوب ومحافظات شمالية أخرى من المؤيدين للحوثيين بهدف إظهار الجماعة بأنها ليست مناطقية. وبطريقة غبية، حاول الإنقلابيون الضحك على الجنوبيين من خلال الحديث عن القضية الجنوبية بأسلوب استعلائي، وإجبار وزير الدفاع المستقيل محمود الصبيحي على الحضور، رغم أنه كان تحت الإقامة الجبرية، واستضافة جنوبي مغمور يدعى "حسن زيد بن يحيى" على الحضور والحديث باسم الجنوب، علماً أنه محسوب على من يطلق عليهم "الهاشميون"، أي السلالة التي يدعي الحوثيون الانتماء إليها. وبعض البنود كان واضحاً بصمات المخلوع علي صالح فيها، منها، تلك المتعلقة بحل البرلمان، ذلك أن البرلمان يمثل المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية بعد أن قدم الرئيس هادي استقالته وأيضاً حكومة بحاح، تحت ضغط انقلاب الحوثيين على العملية الانتقالية، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال استبدال البرلمان بمجلس وطني انتقالي، ويحق لأعضاء البرلمان الراغبين في الانضمام إليه بعمل ذلك، والمعروف أن غالبية أعضاء البرلمان هم من حزب المؤتمر، والمؤكد أن هؤلاء جميعهم سينضمون للمجلس الوطني الذي سيشكله الحوثيون لقطع الطريق على أي اعتراض من قبل القوى الأخرى على هذه الخطوة، وفي نفس الوقت المشاركة في شرعنة الانقلاب. لقد استكمل المخلوع علي صالح والحوثيون خطواتهم الانقلابية على الثورة الشعبية السلمية والعملية الانتقالية برمتها، لكن علي صالح كان ذكياً من خلال دفعه بجماعة الحوثي لتكون هي في الواجهة، فإذا فشلت فستتحمل وحدها مصير الفشل، وإذا نجحت سيستحوذ علي صالح فيما بعد على النصيب الأكبر من الكعكة، ومن هنا سيبدأ الصراع بين الجانبين، لكنه صراع غير متوقع إلا في حالة واحدة، وهي إذا لم ينهض الشعب ويتحرر من تحالفات الثورة المضادة (صالح والحوثي). الخلاصة، أن الإعلان الدستوري لجماعة الحوثيين، أو "البيان الانقلابي" بمعنى أصح، جعل الجماعة في مواجهة مع الجميع، باستثناء المخلوع علي صالح وزمرته، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى نشوب حرب أهلية شاملة، وهنا، يمكن القول بأن اليمن بدأت أولى خطواتها في السير نحو المجهول.