القضية الجنوبية هي الأكثر تداولا بين القضايا السياسية والأزمات التي يمر بها اليمن، وقد تعاطت كثير من القوى السياسية والمجتمعية مع القضية الجنوبية دون أن تقدم أي حلول حقيقية على الأرض. وفي السنتين الأخيرتين، أظهرت جماعة الحوثي المسلحة اهتماما غير مسبوق بالقضية الجنوبية حيث لا يخلوا بيان ولا خطاب ولا مؤتمر صحافي إلا وتحدث عن القضية الجنوبية كمحور رئيسي لحل مشاكل اليمن، فلماذا كل الاهتمام والتركيز على الجنوب وقضيته من جماعة مسلحة فئوية وعقائدية؟ بدى الاهتمام بالجنوب واضحا مع بدايات الحوار الوطني الشامل، بعد أن وجدوا الاهتمام الدولي والاقليمي بالقضية الجنوبية، ليصبح أهم ملف في الحوار الوطني الشامل وأراد الحوثيون أن يربطوا ملف صعدة بالملف الجنوبي للاستفادة من الزخم السياسي والدولي حول القضية الجنوبية. ونوضح هنا ان من أغرب ما جاءت به اللجنة الفنية التي رتبت للحوار الوطني هو اختيار ممثلي صعدة من جماعة الحوثي المسلحة لا غير. الظاهرة تحتاج دراسة وافية حول الدور الأممي الحقيقي في اليمن، ولنعد إلى موضوعنا، بالنسبة للحوثيين كان ربط ملف جماعتهم بملف القضية الجنوبية ستعطي لهم أهمية كبيرة، وهذا في البعد التكتيكي، لكن إيران الحليف الأهم للحوثي كانت له أهداف استراتيجية عميقة وبعد تاريخي وسياسي واستراتيجي. ففي تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمنالجنوبي)، كان موقف القيادة الاشتراكية الشيوعية التي تحكم اليمنالجنوبي في حرب الخليج الأولى بين إيرانوالعراق، واضحا مع إيران ضد العراق، ساهم هذا في بناء علاقات جيدة مع قيادات اشتراكية في الجنوب، وجعل هذا الموقف إيران تفكر في ربط جماعة الحوثي العقائدية مع قيادات اشتراكية جنوبية لها ظهور في واقع الحراك الجنوبي. عملية أكثر من سهلة، لوجود العلاقات السابقة الذكر، والهدف الأوسع والاستراتيجي، يكمن في تشكيل تحالف حراكي ( اشتراكي ) مع جماعة الحوثي يمكن إيران من الوصول إلى المياه الدافئة وخطوط الملاحة الدولية البحرية والجوية، وهذا يجعل إيران متحكما دوليا واقليميا ضمن نادي الكبار، فخرز وعدن هما منطقتان تشرفان على خطوط الملاحة الدولية ومضيق باب المندب، وجزيرة سقطرى تشرف على القرن الأفريقي والمحيط الهندي، وكل هذا يقع في الجنوب وليس الشمال، ناهيك عن أهمية مدينة عدن التجارية كميناء حر، وممكن استخدامه لتدمير ميناء دبي الحر. وكما ان الجنوب يشكل ثلاثة أرباع مساحة اليمن ووجود تحالف جنوبي وحوثي سيمكن الحركة من السيطرة على اليمن أكبر فترة ممكنة، وحيث ان تاريخ اليمن واضح في فشل الائمة الزيدية في حكم اليمن وانهيار حكمهم بشكل متكرر بسبب الجنوب، وكما ان اليمن يعتبر الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية حيث يتواجد حضور شيعي في نجران وهي منطقة سعودية حدودية مع محافظة صعدة اليمنية معقل الحوثي في اليمن حلفاء إيران حيث سيتحول اليمن بموارده إلى حاضن للحركة الشيعية جنوب المملكة العربية السعودية. ولهذا عملت الحركة الحوثية وإيران في تناغم في انشاء التحالفات مع قيادات جنوبية اشتراكية حكمت الجنوب سابقا ولها حضور في الشارع الجنوبي، فجاء هذا واضحا في أقناع إيران للرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض في التحالف معها ومع الحوثيون، حيث انتقل علي سالم البيض إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل حزب الله اللبناني حليف إيران، وتم توفير مكان مجهز لقناة «عدن لايف» الجنوبية وتدريب الكوادر الجنوبية الإعلامية فيها، وظهر واضحا تغطية القناة لجناح الحراك الموالي لعلي سالم البيض دون سواه، وهذا برعاية من إيران وتوجيه منها. وفي صنعاء حاول الحوثيون التحالف مع محمد علي احمد الذي جاراهم مبدئيا، وظهر التحالف في البيان الذي صدر بتعليق عمل الحراك الجنوبي حيث وقع على البيان كل من محمد علي احمد ممثل الحراك وصالح هبرة ممثل الحوثيين في الحوار أيضا، إلا ان محمد علي احمد واجه معارضة شديدة من أعضاء الحراك المشارك في الحوار الوطني وسقط على اثرها، الا ان الحوثيين حاولوا ايجاد بديل فحصل تواصل مع قيادات معروفة مثل حسن باعوم وقاسم عسكر وغيرهم إلا انها في أغلبها لم تكن مجدية. وعلى غرار هذا، غيرت حركة الحوثي وإيران استراتيجيتها وأهدافها فأجرت اتصالات مع البيوت التي تنسب إليها الهاشمية في الجنوب في محاولة لتحريك عاطفتهم ومنها بيوت السقاف والجفري ولم يتضح إلى الآن التأثير الحقيقي، ولكن ظهر شخص واحد لا أحد يعرف أصله وهو حسين زيد بن يحيى وهو الذي حضر في الإعلان الانقلابي وتحدث باسم الجنوب وعرفت عن شخصية حسين بن زيد تلونه وتقلبه، فقد كان مع فصيل البيض ثم تحول مع الرئيس عبدربه منصور ويبدو انه لم يحظ بالاهتمام الذي يسعى له فتوجه إلى جماعة الحوثي وأعلن ان نسبه ينتهي إلى الحسين. ويعتبر شخصية غير محركة في الجنوب، وفتح الباب واسعا مع قيادات الاشتراكي مثل ياسين سعيد نعمان ومحمد المقالح (من الشمال)، وعلي منصر، وتم التواصل مع قيادات الحراك المشارك من أمثال ياسين مكاوي ومحمد الشدادي. وخلال أحداث الحرب الأخيرة في عمرانوصنعاء ظهرت مواقف واضحة من هذه القيادات، فمرجعية هذه القيادات اشتراكية شيوعية المنشأ وفي تاريخ الجبهة القومية اعتبرت هذه القيادات التيار الإسلامي رجعيا متخلفا كون هذا التيار كان مقربا من السلاطين حينذاك. وخلال أعوام 1970 وحتى 1973 تم التنكيل برموز التيار الإسلامي. وفي حرب صيف 1994 بين الحزب الاشتراكي (الجبهة القومية) وحزب المؤتمر بما يعرف بحرب الشمال والجنوب، تحالف حزب الاصلاح ( تيار إسلامي في الشمال) مع حزب المؤتمر وكانت نتيجة الحرب هزيمة الحزب الاشتراكي، وتمكن الحوثيون من استدعاء ذاكرة هذه الحرب خلال حربهم على عمرانوصنعاء وتخلت قيادات اشتراكية عسكرية ومدنية في عمران عن مهامها لصالح الحوثيين. وكذلك ظهر موقف ياسين سعيد نعمان قبل مغادرته صنعاء قبل سقوطها حين قال لأحدى الشخصيات ان الحوثيين سينفذون عمليات محدودة في صنعاء ولن يحتلوها، ويقصد عمليات ضد حزب الاصلاح والجنرال علي محسن. ويستخدم الحوثيون ورقة الاقاليم، حيث أعلن الحزب الاشتراكي انهم مع خيار اقليمين، بينما رفضت أغلب المكونات هذا. والحوثيون وإيران يتحدثون عن اقليمين بشكل خفي في الكواليس كي يجذبوا الجنوبيين لصالحهم وفي أقل تقدير تحيدهم وهذا ما وعد به جماعة الحوثي الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد في مقابل ان يكون رئيس مجلس الرئاسي التابع للحوثيين إلا ان علي ناصر طلب إعلانا رسميا لموقفهم بإقليمين وتوقيعا رسميا بذلك وهذا ما تهرب منه الحوثيون، ويحاول الاشتراكي ان يحصل على اقليمين، حيث يمكنهم هذا من استعادة سلطانهم المفقود عبر الحصول على 50 ٪ من كراسي مجلس النواب فهي لصالح الجنوب، حيث سيعملون مع الحوثيين كقوة عسكرية على تطويع الجنوب. إلا ان الحوثيوين لا يريدون اقليمين نهائيا وهذا ما ظهر في خطابات زعيمهم وفي كل مفاوضاتهم الأخيرة خصوصا، وذلك لسببين: الأول راجع إلى تحالفهم مع علي عبدالله صالح الذي مكنهم من دخول العاصمة صنعاء وهو الذي يرى في الاقاليم نهاية لهيمنتهم المالية على حقول النفط والغاز والذهب التي تنتشر في كافة محافظات الجمهورية، وهذا اتفاق بينهم وبين علي عبدالله صالح، أما السبب الثاني فيكمن في الفكر العقائدي الطائفي، حيث ان كافة أهل الجنوب شوافع سنة ووجود اقليمين قد يدفع المملكة العربية السعودية بدعم الجنوبيين والحصول على استقلالهم، وبالتالي تخسر إيران بعدها الاستراتيجي في اليمن، ولهذا يسعى الحوثيون للسيطرة على اليمن مركزيا. أما ياسين مكاوي فهو شخصية جنوبية هشة وضعيفة حصلت على نفوذها البسيط عبر الرئيس السابق عبدربه منصور بعد اسقاط محمد علي احمد، وحاول مكاوي في المفاوضات الأخيرة مع الحوثيين ان يطرح اسمه كرئيس لمجلس الرئاسة أو عضو رئاسة، لكنه تصادم معهم على الرغم من خلفيته الاشتراكية ومواقفه التي ساندت الحوثي في حروبه الأخيرة. ولكن الحوثيين يملكون عناصرهم ومرشحيهم من الجنوب فما كان منه غير الانسحاب لتشكيل حالة ضغط، ويتهم جنوبيون مكاوي باستلام أموال باسم الحراك واحتفاظه بها لنفسه، ولكن حضرت من اللجنة السياسية للحراك في المفاوضات بدلا عن مكاوي شخصيات ضعيفة لا تقل عنه تبحث عن موقع وتنتقم من خصومها في صراع قبيح الأهداف وكل هذا الصراع يسقط ما تم اقراره لصالح القضية الجنوبية في الحوار الوطني. ونلخص العلاقة بين حركة الحوثي والجنوب، وهو بحث الحوثيين عن شخصيات جنوبية لها اسم معروف بوزن بسيط على الأرض لتوظفها لصالحها وتتحكم بها حتى تحقق السيطرة التامة على الجنوب عبرهم، ولهذا يظهر الحوثيون غير جادين في التعاطي مع الملف الجنوبي فهم يستخدمونه كعبارة لهم إلى الجنوب وبأيدي جنوبية ولهذا كانت مواقف كثير من القادة الجنوبيين ومجالس الحراك رافضة للتعامل مع جماعة الحوثي حيث لم يظهر موقف حقيقي واضح من قبل الجماعة لصالح القضية الجنوبية وبالتالي تبقى العلاقة مرهونة في شخصيات جنوبية ضعيفة أو متمصلحة لكنها لا تملك وزنا حقيقيا في الجنوب.
