اختار الصهاينة إسماً توراتياً لأخر حلقات عدوانهم المستمر على غزة المقاومة . أسموه هذه المرة "عمود السحاب " ، وللتسمية عندهم دائماً دلالاتها . بعد يومين من التصريحات والتسريبات التضليلية ، التي قادها نتنياهو وباراك بنفسيهما ، أطلقوا آلة فتكهم المنفلتة على القطاع المحاصر الصامد . بدأوا باغتيال القائد الشهيد أحمد الجعبري ، وتوالت فصول عدوانيتهم الدموية المعهودة . المقاومة ردت ، واجهتهم بما ملكت أيمانها من السلاح . هنا لامن مقارنةٍ بين ماتمتلكه بما تواجهه ، لكن مرحلة جديدة بدأت تُسطَّر في سِفر الصراع مع الهمجية المعتدية . مرحلة فارسها الغزاوي الآن هو صاروخ "الكورنيت "… ولأول مرة في تاريخ الصراع يصل "الفجر" مع أشقائه محليوا الصنع إلى قلب تل أبيب . هرع نتنياهو إلى الملجأ . هنا تعلن غزة عن مستجدها المقاوم المؤذِّن بما هو آتٍ من بعده ، وما لاتستثني مؤشِّراته الواعدة المنطقة برمتها . جديد لن يحتمله الصهاينة ولا امريكاهم وغربهم . وعليه ، فالعدوان لن يتوقف وستتعدد وساطات التهدئة بالتوازي مع تصاعد مظاهره ، وبالمقابل ، فالمقاومة والصمود هما غزة دائماً وأبداً ، فأين عرب اليوم من هذا ؟! سؤال جوابه معروف وجامعة الدول العربية خيرمجيبٍ عليه . أجابت قبل العدوان وبالتزامن معه ، فرغم قليلٍ من محاولة التميُّز النسبي لأسبابٍ لبنانيةٍ صرفةٍ لمواقف لبنان في إطارها ، إلا أن وزير الخارجية اللبنانية ، المترأس لاجتماعها الوزاري الأخير ، كان وفياً في إلتزامه بالمزمن من مواقفها إياها إزاء القضية الفلسطينية والمعبِّر عنها . قال ، وإلى جانبه أمين عامها نبيل العربي ، في مؤتمرٍ صحفيٍ عقداه مع كاثرين اشتون مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي ، عقب الإجتماع الوزاري العربي الأوروبي الذي عقد مؤخراً : إنه " تبقى قضية فلسطين والنزاع العربي الإسرائيلي القضية المركزيه لعالمنا العربي ، ويبقى حلها وفق الأسس المعروفة للسلام العادل والشامل " الضامن للإستقرارفي المنطقة … وبما أن تاريخ الجامعة مع القضية الفلسطينية معروف ، ويظل المحصلة العاكسة لواقعٍ عربيٍ رسميٍ رديءٍ ، وحيث للغة المعبرة عن مثل هكذا واقع دلالاتها ، فكل كلمةٍ تفوه بها الوزير تنسفها لاحقتها … القضية تحولت من صراعٍ إلى نزاعٍ ، وأمتنا غدت عالمنا ، أي باتت مكوِّناً جغرافياً ما ، كالعالم اللاتيني أو الأفريقي مثلاً ، وعليه ، ولواقع الحال ، لم تعد لدى هذه الجامعة لاقضية ولامركزية ، خصوصاً وأن حلها عندها ، وفق ما عبَّر عنه الوزير ، رهن بما دعاه مقولة " الأسس المعروفة للسلام العادل والشامل " ، أي ، وانسجاماً مع المنطق التسووي العربي الرسمي المعروف ، مايقع ضمناً مابين مفهوم نتنياهوللسلام وما دعيت ذات يومٍ قبل وئدها في مهدها من قبل شارون المبادرة العربية للسلام ، التي تخلى عربها فيها عن معظم فلسطين التاريخية واكتفوا بما قد تيسره لهم المفاوضات من بقاياها المحتلة بعد العام 1967 ، شاطبين حق العودة باستبداله بحلٍ ما "متفق عليه " مع الصهاينة لمشكلة من شردوا من ديارهم المغتصبة من الفلسطينيين ! الترجمة العملية لما قاله الوزير إزاء العدوان سبقت مؤتمره وأمين عام الجامعة بمعية السيدة أشتون ، كان ذلك في الإجتماع الوزاري للجامعة ، الذي رأسه الوزير، والسابق على الإجتماع الوزاري العربي الأوروبي الذي أُختتم بهذا المؤتمر . دبَّجت فيه الجامعة واحدةً من إداناتها المتبعة في هكذا مناسبات ، أي المشفوعة بكفى الله المؤمنين شر ماهو أكثر من الإدانة … وهروباً من هذا الأكثر ، عبَّرت عن تضامنها مع فلسطينييأوسلو في غزوتهم ، التي طال التلويح ببيارقها ، للجمعية العامة للأمم المتحدة ، للظفر باعترافها غير الملزم بدولةٍ غير عضوٍ في الأممالمتحدة ، مع حرصهم سلفاً على توصيف خطوتهم هذه لكل من يهمه الأمر بأنها محض تفاوضية المقصد … وهنا يمكننا أن نضيف أنها إنما فزعة لاتعني في محصلتها إن تحققت شيئاً ، إذ أن ماكان معترفاً بمنظمة التحرير الفلسطينية من دولها قبل الكارثة الأوسلوية هو مايقارب الثلثين من اعضائها ، بل وأكثر مما كانت تعترف منها بالكيان الصهيوني … وبعد تصاعد سحب عامود الصهاينة الدموي وما وازاه من الرد الفلسطيني المقاوم ، تنادت غير مستعجلةٍ إلى إجتماعٍ يعقد بعد ثلاثة أيام من دعوتها ، فما الذي سيأتي غزه منه ؟! ليس لغزة أن تنتظر من جامعة عرب نبيل العربي أكثر مما كان من جامعة عرب عمرو موسى . الأولى غطَّت ناتوية تدمير ليبيا ، والثانية تجهد لتكرارمافعلتة الأولى في سورية … تعلم غزة أن من تركها وظهرها إلى الحائط في مواجهة محرقة "الرصاص المسكوب" ، سوف لن ينجدها وهي تواجه وحشية "عامود السحاب" … تدرك أن المكشرين عن أنيابهم مستأسدين على سورية ، المندفعين أكثر من كاثرين أشتون لجلب التدخل الخارجي تحت الفصل السابع لتدميرعلى مالم يدمَّر بعد منها ، والمستميتين للحؤول بين السوريين والتوصل إلى حلٍ يحفظ سورية الدولة والدور والشعب والوطن ، يجبنون كعادتهم أمام الصهاينة ، وينصاعون كديدنهم لللإملاءات الأميركية … لن يأتي غزة من هؤلاء أكثرمن الترحم ولن يواجهوا المعتدون سوى بتلك الإدانات … مايهم هو أن غزة المقاومة قالت أن صواريخ " الكورنيت " وإخواتها هى أكثر عروبةً من عرب العربي !