كنت قد قلت قبل 5 سنوات – لمن لا يزال يذكر – أننا سنشهد حملات تشويه غير مسبوقة للإخوان المسلمين ، وذلك على خلفية فوزهم في انتخابات تونس وليبيا ومصر . وهو ما حصل ، فظهرت الثورات المضادة ، وقادت انقلاباً عسكرياً في مصر انتهى بوصول نظام هو الأسوأ في تاريخ مصر على كل المستويات ، وقادت انفلاتاً سياسياً وأمنياً في تونس تسبب بشبه ردة لزمن الطاغية بن علي ، ودعمت حفتر لشق الصف الليبي وإحداث انقلاب عسكري على شاكلة الانقلاب العسكري في مصر ، وهو المخطط الذي لا يزال في طور التخلق … بعد الانقلاب العسكري في مصر ، وضعت السعودية والإمارات " الإخوان المسلمين " على رأس قائمة تضم الجماعات الإرهابية . وفجأة وجدنا الكثير من الكتَّاب يستخدمون تهمة " الأخونة " بكثافة غير معهودة للتحريض على خصومهم . والغريب أن هذه التهمة لم تكن متداولة على الإطلاق قبل وضع " الإخوان " على قوائم الإرهاب . لم يكن أحد يتهم الشيخ سلمان العودة أو شيخ الحرم المكي الشيخ سعود الشريم أو الشيخ محمد العريفي أو الكاتب محمد الحضيف بأنَّهم إخوان قبل ذلك التاريخ . لقد كانوا يُوصفون وقتها بأنَّهم سلفيون . بل إن بعض القنوات الفضائية في الدولة الراعية للثورة المضادة كانت تستضيف بعضهم بل وتخصص لهم برامج دعوية ووعظية ! وفجأة تغير كل هذا ، وأصبحوا ممنوعين ليس من تقديم البرامج الفضائية فقط، بل ومن دخول البلاد ، وبعد أن كان مشايخ تلك البلاد يمدحون العودة والعريفي بصفتهم دعاة ربانيين سلفيين منهجهم الكتاب والسنَّة ، أصبح أولئك المشايخ يصفونهم بالإخوانيين والخوارج والدواعش ! ما الذي تغير ؟ الذي تغيَّر هو أن هؤلاء المشايخ أدانوا الانقلاب العسكري ( الذي أدانه العالم كله باستثناء راعية الثورة المضادة وإيران وإسرائيل ، ويالها من مفارقة ) ، ورفضوا مذبحتي رابعة والنهضة . والذي تغير هو أن مشايخ تلك البلاد باتوا جزءاً من النظام ، فأُعطوا الأموال وصُرفت لهم هوية وجواز سفر بعد أن كانوا مجرد مقيمين ! انتقل الهوس المصري بالأخونة والذي لم يسلم منه المصريون المستقلون ( وفيهم نسبة كبيرة من المعارضين لحكم مرسي ) إلى دول الثورة المضادة ، فأصبح كل من يعارض الانقلاب وممارساته الإجرامية مهما كان مشربه السياسي هو إخواني متستر . وبدأت فرق التفتيش وفرق الدعاية والتحريض تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية . كانت فترة راجت فيها قيم البلطجة والاغتيال المعنوي لكل من يجرؤ على رفع صوته مندداً بالانقلاب العسكري على الخيار الشعبي ورافضاً قتل الناس في الميادين. سقط في اختبار الانقلاب الكثير من الليبراليين في مصر وخارجها حيث أيدوا جريمة الانقلاب وقتل الناس لاحسين كل تاريخهم ومقولاتهم حول الحرية والعدالة والديموقراطية ما دامت ستأتي بخصومهم إلى سدة الحكم ! ومن لم يسر في ركاب هذه الزفة الانقلابية من الليبراليين وانحاز إلى " إنسانيته " وقيمه ونضاله ، تم اتهامه بالأخونة ، الأمر الذي تسبب إما بفراره خارج البلد أو بترك الساحة في انتظار موجة ثورية جديدة . دع عنك مشايخ الفرخة وأشباه المتعلمين وأنصاف المثقفين من اليساريين ، فموقف هؤلاء مكشوف ومعروف ولا يحتاج إلى انقلاب عسكري لتمييزه . ولاحظ معي فضلاً كيف تحول رفض الانقلاب العسكري وقتل المدنيين إلى " تهمة " بالانتماء إلى الإخوان المسلمين . وهو تحول مقصود ، يراد منه فرمتة الذاكرة الجمعية للشعوب بشكل يجعل من الانقلاب والقتل ضرورة وطنية تستحق التكريم والاحترام والتغني . وبهذا نكتشف أن تهمة " الإخوانية " هي تهمة دعائية سياسية ليس لها في القانون الدولي ما يسندها . بل ولا في القرار الذي صدر بوضع الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية . فالقرار السعودي يتكلم عن التنظيم والتعاطف مع التنظيم ، وأما تجريمك للانقلاب العسكري ورفضه ورفض قتل المدنيين فلا يجعل منك منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين ومعرضاً للاعتقال بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي كما يحاول أن يروَّج الموتورون من الجامية والليبروجامية والمتصهينين العرب . في كل مرة أكتب فيها عن الانقلاب العسكري أو عن فداحة ما فعله نظام السيسي من جرائم قتل وملاحقات أمنية وتعسف وسوء استخدام للسلطة يتم اتهامي بأنني إخواني رغم كل ما كتبته في الإخوان وفي مرسي ( وهو من أقذع ما كتبته في حياتي ) . ولستُ وحدي الذي جرى اتهامه بالأخونة ، بل هناك الكثير ممن هم مثلي وبل وأشهر وأفضل مني تم اتهامهم بالأخونة لمجرد وصفهم ما جرى بالانقلاب كالدكتور خالد الدخيل والدكتور عبدالله الغذامي والأستاذ جمال خاشقجي والأستاذ علي الظفيري والأستاذ محمد الرطيان والأستاذة سعدية مفرح وغيرهم . إن الإنقلابيين والسيساويين مرعوبون جداً من حقيقة أنَّهم ارتكبوا مذابح ، وأن العقاب الإلهي ثم الشعبي آتِ لا محالة . إنَّها سنَّة الله في أرضه . " بشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين " . إنهم يريدون إخافة وترهيب كل من يجرؤ على الإشارة لهم بأصبعه . يريدون من الناس أن يصدقوا أن دم من مات في رابعة والنهضة قد تفرق بين القبائل ، وأنَّه ليس مسؤوليتهم وحدهم . لقد ظنوا أن بإمكانهم الإفلات كما أفلت قبلهم عبدالناصر . إنها العقلية العسكرية الغبية التي لا تريد أن ترى الواقع كما هو ، ولا أن تتعلم من دروس الماضي وكوارثه . إنَّهم لم يستوعبوا بعد أننا في زمن الفيسبوك والتويتر والسناب شات ، حيث لا يمكنهم الإفلات من جريمة قتل يرتكبونها في الشارع . لا تستسلموا لهم ، ولا تخضعوا لألاعيبهم ، ولا تخافوا من تهديدهم ، وواصلوا فضح الانقلاب وكل انقلاب وكل ثورة مضادة ، فحصونهم اليوم تتهاوى وحججهم تنفذ واتهاماتهم تطيش … الثورة المضادة لا تستطيع أن تعيش طويلاً ، فكما قيل : تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت . تابعوا ما يجري في مصر ، لتكتشفوا أن النظام يترنَّح ، يبدو ذلك واضحاً مع مقولة السيسي : لا تستمعوا لأحد ، استمعوا لي أنا بس ! إنَّه ينهزم ، يخسر ، ينهار ، أمامكم أنتم ، نعم ينهار أمامكم أنتم يا من أشرتم بأصابعكم في وجهه ، وسميتم الانقلاب باسمه الحقيقي ، والقتل باسمه الحقيقي ، والثورة المضادة باسمها الحقيقي … إنه يعلم أن الناس تقرأ لكم وتستمع إليكم ، وأنه يفقد رجاله وأدواته وإعلامه ورصاصه . ويعلم جيداً أن الناس قد ترقص على الأغاني الوطنية ، وقد تطبل ، وتتمايل ….لكنها في النهاية ستعود إلى بيوتها لتسأل نفسها : ماذا حل بأخي السجين ؟ ولماذا لم يعد في البيت خبزاً ؟ ولماذا تنقطع الكهرباء ؟ ولماذا نعيش تحت الأرض بينما يعيش رجال النظام في قصورهم الفارهة … هذا بالذات ما كان يُقال في 24 يناير ، قبل يوم من الثورة المصرية المجيدة …