دفعت الأممالمتحدة بمشاورات السلام إلى مأزق يصعب التنبؤ بمآلاته، عندما جازف المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في طرح رؤيته حول خارطة الطريق للحل الذي تراه المنظمة الدولية مناسباً للأزمة في اليمن. الرؤية التي طرحها المبعوث الأممي، تتطابق مع صيغة سبق له وأن عرضها على وفد الحكومة اليمنية إلى مشاورات الكويت، ورفضها الوفد بحسب ما أفادت به وزيرة الشئون القانونية وعضو الوفد الحكومي، نهال العولقي. هذه الخطوة تعكس في حقيقة الأمر ما يدبره الفاعلون الدوليون تجاه الأزمة اليمنية، وهو نوع من التدبير الذي يهدف إلى تجريد السلطة الشرعية من سلاحها الوحيد، كونها المرجعية السياسية العليا للدولة اليمنية والمعترف بها دولياً، وفي مقابلها يقف الانقلابيون باعتبارهم طرفاً متمرداً. سبق للأمم المتحدة وبتأثير اللاعبين الدوليين أنفسهم أن ارتكبت حماقة كبيرة عندما جرت الأطراف اليمنية إلى التوقيع على اتفاق السلم والشراكة، وصادف أن جرى هذا التوقيع بعد أن استكمل الحوثيون والمخلوع صالح السيطرة على صنعاء ومؤسسات الدولة، وأسسوا انقلاباً على السلطة الشرعية. ذهبت الأطراف السياسية حينها تحت ضغط شديد من المجتمع الدولي، وتحت طائلة التهديد باعتبارهم معرقلين، وكانت الترتيبات حينها تقضي بأن يفسح المجال للحوثيين للقيام بعمليات أمنية خاطفة، تستهدف خصومهم الأيديولوجيين، ولكن الحوثيين ذهبوا إلى هذه المهمة باعتبارهم فصيلٌ يدين بالولاء المطلق لإيران وينفذ أجندتها قبل أي أجندة أخرى. ولهذا وجدنا أن الخطوة التالية كانت إحكام السيطرة الأمنية والعسكرية على العاصمة ومحاصرة الرئيس والانقلاب عليه، وفرض واقع جديد قاد إلى كل هذه التطورات التي نشاهدها اليوم، وهي حرب أهلية مشتعلة في معظم محافظات البلاد، وتهديد استراتيجي خطير للأمن الإقليمي استدعى أن يتشكل تحالف عربي واسع وقوي قام بتدخل عسكري واسع النطاق هو الأول من نوعه في تاريخ العرب المعاصر، أسهم بشكل فعال في ضرب الانقلابيين وتحجيم خطرهم على الأمن الإقليمي، وإضعاف موقفهم الميداني. وتدخل التحالف العربي ما كان له أن يحدث ويكتسب مشروعيته الحالية، لو لم تتقدم الحكومة الشرعية للجمهورية اليمنية برئاسة الرئيس هادي بطلب إلى التحالف العربي للقيام بهذا التدخل لإنقاذ اليمن وتميكن حكومته الشرعية من العودة إلى البلاد.. ولهذا يسعى الترتيب الأممي الجديد إلى تعويم الشرعية الدستورية، وجعلها مشاعاً بين كل الأطراف، تحت مسمى حكومة الشراكة الوطنية، التي تضغط الأممالمتحدة وممن خلفها السفراء الغربيون، على الحكومة الشرعية للقبول بها قبل إجراء الترتيبات الأمنية والعسكرية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.. والأخطر من ذلك كله أن الخطة الأممية منحت حكومة الشراكة التي تدعو إليها، الصلاحيات الكاملة الممنوحة للرئيس هادي، وذلك يعني التحييد الكامل للرئيس ولمنصب الرئاسة على الرغم من أن الخطة الأممية لم تقترح إلغاء هذا المنصب. المرجعية السياسية العليا والحصرية التي ستتمتع بها حكومة الشراكة ستخولها إدارة حوار سياسي، بين الأطراف اليمنية، وهذا لا يعني سوى أن اليمنيين سيعودون إلى نقطة الصفر، وسيتحرر الحوار المقترح من كل المرجعيات الحالية للعملية السياسية في اليمن وفي مقدمتها اتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية وقرارات مجلس الأمن ومخرجات الحوار الوطني الشامل. وعلينا أن نتصور أن الحوار قد يتعثر عند أي نقطة، ولن تتوفر أية ضمانات من شأنها أن تلزم الأطراف المشاركة فيه بالبقاء جزءً من الحوار وعدم الخروج عليه وفرض منطقها بقوة السلاح، ولن يكون أي طرفٍ أقدر على الخروج وفرض إرادته بقوة من الطرف الإنقلابي الذي يسيطر على معظم السلاح والموارد والمقدرات. إن مساعي الأممالمتحدة لفرض خطة سلام جديدة على الأطراف اليمنية، تشكل طعنةً حقيقيةً في خاصرة اليمن وغدر لا يمكن القبول به بالسلام وبالتواقين إلى استعادة السلام في هذا البلد الذي أنهكه الفقر وحطمته الحروب.