بسْم الله أولى ما بدأ الراقمُ بهِ بيانه .. وأجلُ ما اسْتفتحَ به كلامه.. والحمْد له على انثيال آلائِه .. وتواتر نعمائه .. وتتابع إحسَانِه .. أصُوغ كَلمي على بركاته .. وأسكبُ حَديثي بعونه .. سائلة الله التأييد .. وراجيَةً منه السَداد .. وطالبَة المدَد و العَون .. والصلاة والسلامُ على أسمى الأنبياء نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وحِزبه .. أما بعد .. المواجعُ ضرُوب .. والفواجعُ ألوان .. ووجَعٌ دون وجَع .. فالوَجعُ في الدين لا يُطببه الأسَاة , والفتقُ فيه لايرتقهُ إلا الله .. وكُل مصاب سَلم معهُ الدين الدين جَللٌ هيّن ! ملامحُ غربَة الدين ترى على وجُوه الصادقين ..وأمواجُ الفتن الهادرَة تكادُ تكتسُح العالمين .. والمعصُوم من عصَمه الله .. ولن أسهبَ في التمهيد لولوجُ موضُووعي ف لعلهُ خيرٌ أن أتوسَط بالقارئ الميدان .. ولو أن يرتطمَ بما ارتطمتُ به .. وأرجُو أن يجعلَ الله كَلمي خالصًا لوجهه .. ليسَ لأحَد فيهِ حظاً ولا نصيبا .. وأن لا يجعلهُ ك نمير يسْكبُ على صفوان ..أو ك هتانٍ يسحُ في سَبخة .. ف لا ينفعُ الناس .. ولا يمكثُ في القلوب .. قبلَ سبع سَنوات منَ الله عليّ ب النهل من مَعين داعيَة فاضل فتأثرتُ بهِ تأثرا شديدا .. وأحببتُ علمهُ .. وأعجبتُ ببراعته .. كَانت محاضراته وأشرطته كثيرا ما تصْدحُ في جنبات المنزل حَتى عند الأسرة كَان محبُوبا .. وكانت غرفتي أنا بالذات ميدانا ل كُتبه ومربعاً لمؤلفاتِه .. صَحيح أنه لم يكُن بذلكَ الرسُوخ في الفقه والعلم بِ تأصيل المسائل لكنهُ كان داعيَةً ناجحا وفلكاً ساطعاً وخطيباً مصْقعاً .. ولعلَ أمواجَ الفتن التقمتهُ .. ف عدلَ عن نهجه .. وتنكبَ سبيل الهُداة .. واشرأبَ إلى متاع الدنيا ..واشتراها بعلمه .. معَ أني كان بذر في داخل بُذور خيْر عظيمة .. كان مرةً يفسر آية وتكَلم في أثناء تفسيره لها عَن عظمَة الله سُبحانه وتهدجَ صوته متأثرا حتى لا يكادُ يفهمُ عنه .. وألهمهُ الله فأسهبَ وأبدع وسَما بالسَامع إلى مفارق العبُودية وآفاقِ الخشيَة .. ظل تفسيرهُ لتلكَ الآيَة يفزعُني .. يُخوفني .. يؤنبني .. يُنذرني .. يُبكّيني .. يتراءى أمام ناظري عند كُل ذنب ويتمثلُ لي إبانَ كُل كَرب .. ما أعظم الله .. وملكُوته .! كُنت بعدها كُل ما مررتُ بهذه الآية أوسَمعتُ قارئا يتلوها غشيَني من الغم ما غشيَني , ودخلتُ في حُزن لا يعلمُ كنهه إلا الله ! لأني رأيتُ الذي سَما بنا انحَدر .. لأني شاهدتُ الذي سار بركابنا نكَص ! كان تغيرهُ في السَنوات الأخيرة صَدمةً لي شديدة وارتطاماً عنيفا .. لكنها والله عبرة ما تعزبُ عن القلب .. وعظة ما تغيبُ عن الجَنان .. وربّ صَفعة أيقظت من غفلة .. وربّ فاجعَة أحيَا الله بها أمةً مواتا.. وربّ محْنة عصمَ الله به أناساً من محَن .. ووقى بها أمَماً مِن فتن .. إحْداهُن تقول : لن أغترَ بثناء بعْد تغيُر فلان ! منَ العباد من يجعلهُ الله عبرَة لكُل عابر .. وهُو يرى أنهُ فاقَ مفارقَ الفراقد علواً وعلماً – نعُوذ بالله – ! لا أنسى يومَ أن كُنت في المرحَلة المتوسطة كيفَ كَانت تنعشُ روحي أشرطته وتأنسُ نفسي كُتبه .. معَ أني لم أكُن حينها منَ المهتمينَ بالعِلم والعُلماء ولا ممن يسيرُ على سَننهم – أسألُ الله الهداية – .. لكنَ لعلي أبُوحُ لكُم بشيء يثيرُ في أنفسُكم كوامنَ العجَب / أني يعلم الله لَ أرى المرءَ على الطاعَة فأحبُه وأنا عنها بعيدة .. وأراهُ على المعصيَة فأبغضهُ وأنا لها فاعلة ! أتعجبُون ؟! لا عجَب .. سُنة الله أن يُلقي محبَة الصالحين في قلوب عبَاده وبغضَ الطالحين في نفوسِ خلقِه ! أذكُر ليلة دلفتُ إلى غرفة أخي واختلستُ شريطا لهذا الشيخ الآنف ذكرُه وأخذته بحَقه .. وأصَختُ له بالأذن الواعية .. بدأ الشيخ ببراعَة استهلاله المعهُودة يتدفقُ كالنهر وأنا مشدودة مشدوهة إلى كُل كلمة ينطقها .. كَان حَديثه موجعاَ تلمسُ الوجَع في كلماته , تعلمُ وأنتَ تسْمعها أنها ما انبثقت إلا من قلبٍ مُمزق .. يتكلمُ بلسان المشفقِ على حَال أمته .. كم كانَ يُحزنه هوانها ..؟! وانصياعها ل ألدائها ..؟! كَم كانَ يهجُو الغربَ ..؟! كم كان يرى تقدمَه عينُ التخلف ..وتسَامقه مَحض انحِدار ؟! ولولا أني أخشى أن أجد غبها عند الله لذكَرتُ عنوانَ الشريط ل يهابَ القارئ النكُوص ! كبوَة الداعيَة مهما صغرَت فإنها عند الناس كبيرة .. ومهما دَقت فإنها عندهم عظيمة .! .. فكيفَ بداعيَة يرى ما كان بالأمس حرام اليومَ حلالا .. ؟! وكيفَ به وقد بدا يكتبُ ما يملي عليه جيبُه لا دينه ..؟! وينسَلخ من مبادئَ طال ما جهدَ في النضال عنها والدفاع ..؟! ويميلُ مع الدنيا ومُلاكِ أزمتها ولو كَلفه ذلكَ كتمانَ حَق أو نطق باطل ..؟! ولو شاءَ الله رفعه لكنه أخلدَ إلى الأرض واتبعَ هواه .. فَ سَلبَ الله القلوبَ محبته , وهيبَته .. وخبا نُره .. واحْلولكَ ديجوره .. وخمد بريقه .. وخابَ فيه الأمل .. وضاعَ الرجَاء .. وصُرفت عنه الأفئدة .! حَتى إني والله أعرفُ من كَان يجلهُ فغدى يشيحُ بوجهه عنهُ لوصادفه في موْطن .. وينأى عَن السَماع لهُ والقراءَة ! ولم نعُد نجد الأثر الذي كنا نجدُه في كلمه .. سُبحان الله ! .. على أن لكل ساقط لاقط فلازالَ ثمة من يرفعه وإن كَان مخفوضا .. ويصَححُ فعله ولو كَان معتلا ! وإن كانوا قلةً لا يقضى بكَلمهم ولا يُحكم .! .. وكما قال أحَد العلماء المعاصرين : أنَ أمثالَ هؤلاء لايُجلهم إلا الجَهلة ! - نسألُ الله اللطفَ والرحمات – ! .. العالمُ الراسخ لا يزحزحُه عن دينه هَوى ولاشهرة .. ولا يحلحُه عن منهجه دُنيا ولا منصِب ولافتنة .. .. أرأيتم خيبَة امرئٍ وَحيد ظمآن في مهمَهٍ قفرٍ سار أياماً ولياليَ يتبعُ سراباً ظنا منهُ أنه نميرٌ عذب زلال .. حَتى إذا جاءَه ألفاهُ هبهاباً فارغا ..؟! كذلكَ واللهِ كانت خيبَتي ب هذا ( الشيخ ) .! لا يُدرك مافي القلوب إلا الله .. ولا يعلمُ فرط الوجَع إلا هُو سًبحانه .. والحمْد لله على كُل حال ! .. الذي يلبسُ للناس لبُوسَ تقوىً هُو منهُ عريان يكُون على عِلم أنه مثلَ الذي يبني صرحاً شامخا, واثقا أن الله سَ ينسفه ولو بعْد حين .. قال زهير : ومهما تكُن عند امرئِ من خليقة ** ولو خالها تخفى على الناس تعلم ! كلُ عمل تعمله يظهر مهما ظننتَ أنك مخفيه .. النفاقُ يعرفُ من لحن القول .. العجبُ يبدو في فلتات الألسن .. الرياءُ يتجلي في صفحات الوجه .. المرءُ يقترف الخطيئة ف يصبحُ وعليه مذلتها .. العبدُ يغشى الذنب فيلقي الله في القلوبِ قِلاه ! .. فَ ليتقِ الله طالبُ المناصب بالعلم .. وطالبُ الشهرَة بالبيان .. وكل طالب لِلدنيا ب عمل الآخرة .. فإنكَ تجد شؤمَ هذا في الدنيا .. وغبَه إذا وفدتَ على الله .. فما تعلمُ متى تزفُ إلى منازل الراحلين .. والدنيا بوابَة عبُور إلى الآخرة .. ومزرعَة تبذرُ فيها ما تجني يومَ التلاق ! .. وهذهِ الكلماتِ أهديها لي ولمن على شاكلتي .. وشهد الله أني لستُ راضيَة عن نفسي و ما أظنُ أحَد على هذه البسيطة أحوَج إليّ منها ولا أولى بالعمل بما فيها.. واللهُ وحْده العليمُ بما أكابد من خورِ الهمَة و تكالب النفس والهوى والشيطان .. كلما قمتُ تعثرت ..وما تقدمتُ إلا تأخرت .. وما مضيتُ إلا رجَعت .. وما اجتهدتُ في شيءٍ إلا خسرت ..وما سارعتُ في ميْدان ف سَبقت .. وما سرتُ ابتغاءَ نوالٍ ف وصلت .. والحمْد لله على كُل حال .. والحمد للهِ على ما يقضي ويُقدر ! .. أسألُ الله أن يعصمني وإياكُم من لفحَاتِ النفاقِ ودركَات الرياء .. و أن يقينا مُضلات الفتن .. وألوان المحَن .. وأن لا يسْلبَ منا هذا الدينَ حَتى نفدعليْه .. وأن يثبتنا على الإيمانِ حَتى نلقاه .. نسألهُ ألسنة تتحلى بالصِدق .. وقلوباً تتقلبُ معَ الحَق .. وعزائمَ تقهرُ الهوى .. وأنفساً تأنفُ الخنا .. وأن يبلغنا رضوانه .. وأعاليَ جنانه .! آمين .. آمين ..آمين .. آمين !