أكّد مؤتمر «موقف علماء الأمة من أحداث سوريا» المنعقد في القاهرة يوم الخميس 13/6، في بيانه الختامي على «وجوب النفرة والجهاد لنصرة أخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة القتل والإجرام للنظام الطائفي»، كما أكّد على «اعتبار ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني، وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا، حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة». كان واضحا من البيان الختامي للمؤتمر، ومن كلمات بعض المشاركين، كالدكتور صفوت حجازي، والدكتور صلاح سلطان، الحث الشديد على وجوب النفير والجهاد لنصرة أهل سوريا، والدعوة إلى تشكيل كتائب وألوية تمثّل روابط علماء أهل السنّة في مختلف البلاد الإسلامية، للمشاركة الفعلية في القتال هناك، كل ذلك يقتضي فتح باب الجهاد بالنفس، ويطلق العنان لدعوات الحشد والتحريض للذهاب إلى سوريا للمشاركة في القتال الدائر هناك. بينما نجد موقف غالب العلماء والدعاة المشاركين في المؤتمر يتّجه إلى إيجاب الجهاد بالنفس والمال، نجد موقفا مغايرا لبعض العلماء والدعاة لم يروا فيه فتح الباب لإرسال الرجال للقتال هناك، لأسباب واعتبارات أفصحوا عنها، من أبرز أولئك الدعاة الشيخ سلمان العودة، فبحسب المنشور على موقع «الإسلام اليوم – البشير»، فإنّ العودة «جدد دعوته لتوقُّف هجرة الشباب المسلم للقتال في سوريا، سواء كانوا ضمن تنظيمات أو كانوا أفراداً»، مشيراً إلى أنّ المصلحة الإسلامية تقتضي أن نترك القضية السورية للسوريين، خاصة أنّ النظام السوري دائماً ما يتذرّع أمام العالم بأنّه لا يقاتل شعبه وإنّما يقاتل مجموعات مسلحة «إرهابية» تسللت من خارج البلاد، على حد وصفه. وأوضح الشيخ سلمان العودة أنّ السفر إلى سوريا لن يغيّر كثيراً في مسار المعركة، مؤكداً أنّ الثورة السورية لا تحتاج إلى مزيد من الرجال وإنّما فقط الدعم بالمال والسلاح والدعاء ورعاية النازحين وأسر الشهداء والمقاتلين. ولفت د.العودة إلى أنّ وجود مقاتلين من غير السوريين قد يدفع بعض الدول العربية، فضلاً عن الأوروبية، إلى أن تحجم عن دعم الشعب السوري في معركته ضد نظام بشار الأسد، خشية أن يصل إلى من يصنّفونهم بأنّهم «أعداء» أو «إرهابيون»، على حد وصفهم. في رأي مقارب لما نقل عن الشيخ العودة، كتب الشيخ المغربي محمد الفزاري مقالا، وهو ممّن حضر مؤتمر القاهرة، أشار فيه إلى جانب من المؤتمر لم يلق اهتماما من وسائل الإعلام، عبّر عنه بقوله: «إلاّ أنّ ما بقي مُهملا مع حاجة الناس إلى معرفته، هو ما تدارسناه فيما بيننا خلال أوراش علمية وعملية في ثلاث حلقات منفصلة. وقد ألقيت شخصيا موضوعا حساسا للغاية وافقني عليه كثيرون من أهل العلم، وهو أنّ إعلان النفير العام لا يمكن أن يكون على إطلاقه، فالشعب السوري ليس في حاجة إلى شباب يذهبون هناك ليُقتلوا قتل النعاج، بل هو في حاجة إلى سلاح نوعي تُمِدّه به القوى العالمية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. هو في حاجة إلى مضادات للطائرات والدروع والدبابات، لا إلى شباب يذهبون ليصبحوا عالة على الجيش الحر كما قال الشيخ عدنان عرعور السوري». ما ذهب إليه الشيخ العودة، وعبّر عنه الشيخ الفزاري، يعبّر عن تخوفات وهواجس قائمة، فوجود المقاتلين غير السوريين يقدّم الأسانيد والحجج لرواية النظام الرسمي، التي اخترعها في بداية الثورة، من أنّه يقاتل «عصابات إرهابية تكفيرية» جاءت من خارج البلاد، وهو ما يحمل على تخوف بعض الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الساحة، ويدفعها إلى الإحجام، وكفّ اليد عن تقديم الأسحلة النوعية المطلوبة، تخوفا من وجود من يسمونهم «بالمتشددين الإسلاميين». كما إنّ كثيرا ممّن يذهبون إلى هناك قد يشكّلون عبئا على الثوار، لضعف مهاراتهم العسكرية، وتدنّي مستوى خبراتهم القتالية، ولا ينبغي القياس في هذا السياق على ما يحشده الطرف الآخر، المتمثل في إيران وحزب الله، للفارق الكبير بين مستويات التدريب من جهة، ومركزية القيادة هناك، وتشرذم التجمعات في الجانب السنّي. قد يكون من المناسب استشارة أهل الرأي والقرار في الشأن السوري، لاستكشاف ما هو المطلوب فعليا على الأرض هناك، وهذا ما يحسن بالعلماء والدعاة القيام به، قبل الإقدام على تقديم آراء، واتخاذ مواقف قد تثير البلبلة في أوساط أهل السنّة، بناءً على اختلاف آراء علمائهم ومشايخهم، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى وحدة الرأي والموقف.