من الواضح أن انقلاب العسكر على الرئيس مرسي بدأ بالتصدع، وأن القائمين عليه يعيشون ارتباكا غير مسبوق في أي من الانقلابات المماثلة. سبب التصدع والارتباك ناجم عن أن الانقلاب انكشف على حقيقته؛ أنه موجه من الاقلية تجاه الاغلبية فالقوى التي تريد الرئيس مرسي لا زالت أغلبية وهذا ما تثبته الحشود في الميادين. ثم جاءت حادثة القتل التي كانت أمام مقرات الحرس الجمهوري وما صاحبها من رواية مفتعلة وركيكة للانقلابيين، لتعمل على رفع أسهم الرئيس مرسي الى مستوى غير مسبوق منذ أن فاز بالرئاسة. أما ما كان سببا وجيها في تصدع الانقلاب فقد تمثل في السرعة المشبوهة التي تمت فيها عودة الشرطة والامن المركزي وتوافر الوقود وتعافي البورصة والجنيه. هنا تساءل الناس في وعيهم ما الذي جرى؟ وكيف عادت الأمور الى مجراها بهذه السرعة؟ وجاء الاستنتاج غير محتاج الى ذكاء أن من انقلبوا هم من عرقلوا مصر ورئيسها في عامه اليتيم الذي حكم فيه. المصريون أيaضا وبعد الانقلاب لاحظوا أن أنفاس نظام مبارك بدأت بالعودة تدريجيا وبوتيرة متسارعة، تحمل معها القمع والاستبداد ومظاهر السواد القاتم التي عانى منها المصريون كثيرا. كل ذلك يفسر خروج الاعداد الكبيرة التي نراها في الميادين دعما لمرسي وللشرعية وحماية لمصر من عودة النظام السابق بثوب اكثر قتامة. هذه الصورة هي التي ستحسم التدافع السياسي الكبير الجاري في مصر، ولعل صمود الناس في الميادين وثباتهم سيكون له وقع كبير في تحديد اتجاهات المستقبل. إلا أن الحقيقة التي لا غبار عليها أن الانقلاب تصدع، ومنفذوه في مأزق، وردود فعل المصريين تفاجئهم بشكل لم تكن حساباتهم لتدركه. صحيح ان القوى الاسلامية ومناصري الشرعية في مأزق أيضا لكنهم اليوم بموقع الفعل منتظرين ردود فعل العسكر، الذين لن يطول تماسكهم. مصر العظيمة لا تقبل ولن يكون فيها اقتتال أهلي من أي نوع، والجيش المصري لن يقتل الناس مرتين، والبوصلة تتجه نحو الشارع ما بقي الناس صامدين. كلنا يحب مصر ويرغب أن تكون قوية ورائدة، وهذا لن يكون الا بديمقراطية حقيقية ما زال مرسي يريد تثبيت قواعدها، وان كان الامر بخبرة تخذل أحيانا.