كما في سورية صار الناس في مصر يعدون المجازر بدل عد الضحايا، أول من أمس كانت مجزرتا القائد إبراهيم في الاسكندرية والنصب التذكاري قرب رابعة العدوية، نحو مئتي قتيل وأربعة آلاف مصاب، وفي الأثناء تسرب الأخبار عن استهداف مخفر هنا وإصابة ضابط هناك، وأن المتظاهرين السلميين كانوا يخططون لاقتحام منشأة عسكرية. طبعا الإرهابيون الذين يقتلون الجيش المصري في سيناء من أعوام لم يتمكن مدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي من اكتشافهم، واليوم بعد أن حصل على الإذن الإسرائيلي يحلق الطيران المصري للمرة الأولى من عام 1967 فوق غزة، وبحسب الناطق باسم حماس فإنها تصور مواقع تدريب لكتائب القسام. لقد سار قائد الانقلاب وفق نظرية كلاسيكية في السياسة المصرية، وهي توثيق التحالف مع إسرائيل لتأمين الدعم الغربي أو تحييد الضغوط الخارجية. وببساطة فإن السيسي اعتقل رئيسا بتهمة الاتصال بالمقاومة الفلسطينية ممثلة بحماس، وليس مستبعدا في ظل تفويض محاربة الإرهاب أن يقاتل الجيش المصري حماس قريبا، وسيقوم بما عجزت عنه إسرائيل. المشهد المبكي لا ينفك عن وصف المتنبي لمصر "وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا" فعلى وقع المجازر، وفي ظل اختفاء قسري للرئيس الشرعي المنتخب، يكتشف القضاء المصري أن الرئيس مرسي "تخابر" مع حماس لإطلاق سراحه يوم انتصار ثورة 25 يناير! تلك التهمة غير موجودة إلا عند الإسرائيليين. بالمناسبة، ولا نحتاج لقاضي تحقيق ليعرف أن الخطة ب لحبيب العادلي كانت خلق حالة فوضى من خلال إطلاق كل السجناء. ومن سوء حظ القضاء الشامخ أن مرسي في اتصال مع الجزيرة طلب تدخل القضاء لمعرفة وضعه القانوني خصوصا أنه سجين ضمير بلا تهمة. والقضاء ذاته الذي اعترض على ترشيح خيرت الشاطر لم يعترض على ترشيح مرسي! فوق ذلك ما معنى الثورة إذا لم تطلق السجناء السياسيين، إن العالم يحتفل إلى اليوم بالثورة الفرنسية وهي لم تكن غير اقتحام سجن الباستيل. تغيب الدولة تماما كما تغيب سيادة القانون عن المشهد، ممثلة برئيسها "المؤقت" عدلي منصور، ويسجل له حضور باهت في اتصال هاتفي مع قناة خاصة يطلب فيها من معتصمي رابعة الذهاب إلى بيوتهم وهو شخصيا يضمن سلامتهم. ورجل القضاء ورئيس الدولة لا يخبرنا كيف لا يضمن سلامتهم وهم في الشارع! الوحيد الذي يختصر المشهد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الذي يواصل حملته الانتخابية قبيل الانتخابات النزيهة التي سيجريها عندما يجد الوقت مناسبا. في المشهد ثنائية تستدعي استقطابا حادا، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر مغيب في سجن سري، اكتسب رمزية يستحقها، فهو لم يقتل ولم يعتقل ولم يفض اعتصاما، حتى من استباحوا قصر الاتحادية ورموه بالمولوتوف، وأنصاره هم من يقتلون وهو في الحكم وخارج الحكم، يقابله جنرال مثقل بالنياشين التي نالها بعد حروب لم يسمع بها أحد، هذا الجنرال موجود في متاحف التاريخ، انقرض من أفريقيا ومن أميركا اللاتينية وأعيد إنتاجه في مصر بفاتورة مجازر لم تتوقف، ومثل من سبقوه يقود الجماهير مباشرة من الميادين. وكأن البشرية لم تكتشف قبل قرون صندوق الاقتراع الذي يعبر عن إرادتها. يحاول حلفاء الجنرال أن يلووا عنقك عن مشهد المجازر للنظر إلى الوراء والتدقيق في اخطاء مرسي والإخوان. حسنا، أخطأ وانهارت شعبيته؟ هولاند الرئيس الفرنسي حصل في آخر استطلاعات على أدنى شعبية لرئيس فرنسي إذ بلغت نسبة غير الراضين 73 في المئة، وهو فاز بنسبة مقاربة من أصوات مرسي. هل يقوم وزير الدفاع بانقلاب؟ لننتظر حركة تمرد الفرنسية.