ابتسمت حتى في أحلك ساعات الخطوب. وهم ابتسموا وظنوا أنّهم أمسكوا بصيد ثمين قد تنالهم المكافأة الغالية رشوة فرعون حال اعتقالك, وشتان بين الابتسامتين. أمّا أنت فابتسمت لتشارك هذه المرة أخوانك المعتقلين المخطوفين قبلك, وتبتسم عجبا لك! وهكذا القادة الصادقون يبتسمون ليس تجلدا وتصبرا فقط، إنّما لأنك إذا ابتسمت واثقا أفقدت المنتصر المغرور لذة الفوز. وما بالك إن كان هذا الفائز قاطع طريق انقلابي لم يغادره الخوف. ابتسمت لأنك الأعلى بما تعتقد وتعمل والله قال: «وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين» ابتسمت في ساعة تقترب من الإعجاز البشري عندما استقبلت نبأ استشهاد ابنتك الوحيدة أسماء الشهيدة ولم تشغلك عن مسؤولياتك وأنت تقود مرحلة الصمود رغم الجراحات الكثيرة وأضفت لذلك موقفا آخر أبكى عظماء الرجال، كالرجل الطيب أردوغان، في رسالتك الشهيرة الأكثر بلاغة وتجردا وثباتا ولم يبكك وأنت الرقيق الإنسان، عندما قلت لم يمنعني من شهود جنازتك طلب الأمن والسلامة إنّما استكمال الواجب وأداء الأمانة. ابتسمت لأنك قررت أن تعيش لغيرك لئلا تكون في خانة السخفاء. ابتسمت لأنهم بجيوشهم وملياراتهم وعيونهم وعملائهم وحلفائهم على الشر, لا يستطيعون تحديك وأنت الأعزل إلاّ من تأييد الله الذي نسوه ومن ثقة الكثيرين من أبناء الشعب المصري والعربي. لا يستطيعون تحديك لأنه ليس لديك ما تخسره من دنياهم. ابتسم ولم يحزن لأنه يطعن من الخلف فقط وهو في غرفة نومه. كما قيل: «إذا طعنت من الخلف فاعلم أنّك في المقدمة»، وهو في المقدمة حقا في الثورة الأولى وفي الثانية، وهكذا ما دام حيا. لم أكن أدري أنّ هذا الطبيب المبتسم الوسيم الذي كان يصطحب معه ابنته أسماء الشهيدة في البحر المتوسط على ظهر سفينة مرمرة في 2010 لتكون الشهيدة العاشرة لشهداء مرمرة التسعة الأتراك وليكون محمد البلتاجي والدها ليس أميرا للعرب على ظهر «مرمرة» فقط إنّما سيكون أميرا على قلوب عربية وإسلامية كثيرة في العالم بعد ثلاث سنين فقط، وبخاصة في هذه الأيام. أذكره في تلك الليلة في 29/5/2010 في وسط البحر في حفل استقبال للأوروبيين والأجانب من المتضامنين مع أهل غزة الصامدة المجاهدة في رحلة أسطول الحرية حيث طلب مني أن ألقي كلمة وأن أقدّمهم للحديث فقبلت بعد إلحاحه وتواضعه, في استشارته لتقديم المطران كبوتشي المناضل التسعيني الشريف ليقف معنا في صف الصلاة وليلقي كلمة في المصلين. لن تتسع صفحات التاريخ عندما تنجلي العاصفة وتتاح الكتابة لتأريخ هذه المرحلة المميزة في عمر الأمة لقصص آلاف العظماء والعظيمات من أبناء هذه الجماعة المباركة وبناتها ومن أبناء الشعب المصري كما هو السوري والتونسي والفلسطيني واليمني والعراقي والأفغاني والبورمي حيث لا يدري التاريخ بأيّهم يفخر، بالأستاذ البنا المؤسس أم بسيّد المؤصل أم بمرسي المرسي لقواعد الحرية والكرامة والعدل أم ببديع الذي قرن القول بالعمل والتضحية بالصبر أم بمحمد البلتاجي علم في مدرسة الحرية حمل رايتها وأقسم وردد السعداء معه لن تسقط الراية كما قالها جعفر رضي الله عنه وثابت بن أقرم ذرية طيبة بعضها من بعض. وصدق فيه من قال: أخٌ مثلُ صفو الماء أمّا لقاؤُهُ فَبِشْرٌ وأمّا وعدُهُ فَجميل