توفيق عكاشة وباسم يوسف اسمان ملآ الفضاء وشغلا الناس خلال السنة الوحيدة أو اليتيمة التي تولى فيها محمد مرسي رئاسة مصر. كان النجمان التلفزيونيان الشهيران على ما بينهما من اختلافات في المستوى والأسلوب المهني يتحدثان على الشاشة بحرية لا سقف لها، ويسخران حتى من الرئيس، فيضحك المشاهدون، مرة من سذاجة الكلام وصاحبه، كما في حال أولهما الذي يمتلك قناة اسمها الفراعين، ومرة من ذكاء النقد وجرأته كما في حال ثانيهما الذي قدم برنامجاً ناجحاً على قناة سي بي سي تحت اسم البرنامج. وقال باسم يوسف ذات مرة مرة ساخرا "تخيلوا حياتنا من غير الإخوان.. تبقى عاملة إزاي". وفي رده على تساؤل لميس الحديدي: لو ما كانش فيه حكم الإخوان كنت حتلاقي الماتيريال دي المادة اللي تديك الزخم ده؟!"، قال باسم يوسف "ما يتهيأليش. عشان كده أنا أتمنى إن الرئيس مرسي يكمل المدة بتعتو عشان إحنا نكمل العقد بتعنا". ما حدث من بعد معروف: أطيح بمرسي، وأطيح معه بكل الأصوات التي كان متوقعاً لها أن تعارض تحرك الجيش، فأغلقت قنوات فضائية محلية ومنعت أخرى عربية وعالمية من العمل، واعتقل مراسلون صحفيون، بل قتل بعضهم. أين باسم يوسف؟! هل سيجرؤ على السخرية من الحكام الجدد؟! وهل سيسمح له مشغلوه بانتقاد مشروع سياسي يؤيدونه؟! كلها أسئلة ثارت مثلاً خلال الأيام الأولى للانقلاب، ولكنها ظلت بلا أجوبة واضحة حتى بعد مرور مائة يوم زاخرة بالأحداث التي كان يمكن لها أن تشكل مادة دسمة للبرنامج الشهير الساخر لولا أنه حجب عن الهواء، ولولا أن صاحبه اختار الصمت، أو أكره عليه. في المقابل استمر عكاشة في خبطه العشواء على شاشة الفراعين حتى اصطدم رأسه في لحظة تهور بسقف الانقلاب العسكري الذي يؤيده، فأغلقت قناته بضعة أيام، سرعان ما عاد بعدها ليخلع على وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي لقب المشير، مؤكداً أنه هو الذي أنصفه ممن وصفهم بالطابور الخامس وقال له: "يالله إجر افتح القناة". وقال عكاشة بعد فتح القناة: أتوجه بالشكر الى سعادة المشير عبد الفتاح السيسي. أما فيما عدا ذلك من شاشات وفضائيات وصحف، فلم تكن ثمة صورة أخرى مختلفة؛ كل نجوم الفن والإعلام يغنون للجنرال. كلهم أيضاً يناشدونه قبول الترشح للرئاسة، وكلهم أيضاً وأيضاً يتبرؤون من خصومه السياسيين وضحاياه. ولا أدل على ذلك من أغنية علي الحجار "إنتو شعب وإحنا شعب.. ليكو رب ولينا". وكي لا يقال إن هؤلاء لا يعبرون عن موقف الشارع المصري، فإن بعضهم ذهب إلى حواري الأرياف كي ينقل غناء أهلها للعسكر، ولكن التقنيات الفنية خانته، وفضحت تخليه عن دوره المهني لصالح وظيفة أخرى. فقامت الصحفية سحر صابر بتلقين الأطفال: يا سيسي يا عمهم والأطفال يكررون وراءها: يا عمهم. وبعد هذه اللقطة يظهر وائل الأبراشي على قناة دريم قائلا: شكراً للزميلة سحر صابر من فريق الإعداد. وبعد ذلك لا تنويه بالخطأ الفني الذي فضح استغلال براءة الأطفال لحساب السلطة الحاكمة. لا إشارة كذلك، هنا أو على أي شاشة أخرى، إلى مواقف قطاعات واسعة من الشعب المصري تنادي بعودة الرئيس مرسي، وهو أمر ربما يجد تفسيره الصريح بل الفاضح في تسجيلات كانت كشفت سعي السيسي وأعوانه إلى السيطرة على وسائل الإعلام والفضائيات المصرية قبل الانقلاب بشهور طويلة.