بعيداً عن السياسة وتجاذباتها، وبعيدا عن المصالح والمفاسد التي يختلف الناس في تقديرها، وبعيدا عن المصطلحات التي يختبئ وراءها البعض في معاركه التي يخوضها او يفتعلها، بعيدا عن كل ذلك لا بد ان نقدم رؤيتنا للدولة التي نريد، ونطمح الى وجودها ونسعى ونعمل لتكون حقيقة واقعة في حياتنا، بل مستعدون للعمل والتضحية وخوض المعارك لأجلها، وتقديم الأنفس والأموال وكل غال لأجل أن تكون في واقع الحياة. الدولة التي نريد هي دولة وطنية عربية اسلامية انسانية، بعيدة عن التعصب، بعيدة عن الاصطفافات الجهوية والاقليمية والطائفية، دولة لكل مواطنيها على قدم المساواة، دولة يقام فيها العدل والانصاف وحكم الدستور والقانون الذي يختاره الشعب بإرادته الحرة، لا يوجد فيها أحد فوق الدستور والقانون، دولة لا تكون فيها المسؤولية مغنماً، ولا المال والثروة دولاً بين فئة محدودة من الناس، دولة يأمن فيها الناس على أموالهم وأعراضهم ودينهم ونسلهم وعقولهم من أن تكون عرضة للاستلاب الثقافي والانحراف الفكري. نريد دولة تكون فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة محبة وثقة، يتعاون فيها الجميع، ويعمل الجميع لتحقيق أهدافها وغاياتها ويتنافسون في ذلك بما لا يقطع حبال الود والاخوة والثقة والاحترام بين المواطنين فيها، وتكون معايير الانتماء والولاء بمقدار ما ينتمي الافراد للوطن الفكرة والمبدأ، لا الاشخاص والمصالح الضيقة والمنافع القريبة، دولة لا يسمح فيها لأحد أن يتجاوز على قيمها ومبادئها كائنا من كان فردا أو جماعة أو عشيرة أو حزبا، توضع فيها لائحة تحدد فيها المحرمات التي لا يجوز لأحد ان يتطاول عليها لأي سبب أو مبرر، ويعمل الجميع لحماية ذلك والدفاع عنه. الدولة التي نريد هي دولة ينصف فيها المظلوم، ويحكم للضعيف على القوي بحقه، دولة يتراحم فيها الناس ولا يتخاصمون على الدنيا لأتفه الاسباب، دولة يكون فيها المسؤول قدوة لغيره، ولا يتميز عليهم ولا يستأثر بشيء دونهم، دولة تتصف بالنزاهة والشفافية والصدق، دولة قوية متماسكة البنيان الاجتماعي لها مرجعية فكرية واحدة، تعترف بالتعدد في إطار وحدة المجتمع خلف أهدافه الكبرى وثوابته، واحترام تنوعه وتعدديته التي تثري عطاءه ولا تشكل تهديدا لبنيانه وتضعف قوته وتدخله في نزاعات توهن قوته. الدولة التي نريد هي دولة الشعب الذي تتكرس فيه سلطته، ويحكم فيها بإرادته واختياره، لا مجال فيها لتسلط فرد أو مجموعة أو جهة إلا بمقدار ما تسمح به القوانين الناظمة لحياة المجتمع والمستمدة من دستوره الذي يوضع بإرادته، دولة الحريات المسؤولة لا المنفلتة التي لا يحكمها سوى الهوى والرغبات، دولة قوية متماسكة نامية متجددة متطورة لها رسالة ودور على المستوى الداخلي والاقليمي والعالمي، لا تسمح لأحد أن ينال من كرامتها أو سيادتها أو سمعتها، يشعر الفرد فيها باعتزاز كبير وهو يحمل فكرتها ورسالتها ويفاخر بها، ولا يقبل فيها من يحط من شأنها أو ينال من موقعها أو يشوه صورتها. الدولة التي نريد هي الدولة التي تنسجم مع عقيدتنا ومبادئنا وثقافتنا، وتحمل همومنا وتسهر على راحتنا وتحقق لنا الأمن والطمأنينة والرخاء، ونسعى بها ومعها للمساهمة في بناء شرعة دولية تنتصر للحق والعدل بغض النظر عن موازين القوى السائدة فيها، تنتصر للمظلوم أياً كانت عقيدته وجنسيته ومذهبه وثقافته، وتحمل رسالة السلام بين الامم والشعوب على اسس الحق والعدل، دولة لها لون وطعم ورائحة زكية وقوية، دولة تقدم للناس النماذج الفذة من المبدعين والمدافعين عن الحق، والساعين بجد للدفاع عن قيمهم ومبادئهم ومصالح أمتهم في غير عدوان على أحد أو انتقاص من حق أحد. الدولة التي نريد هي الدولة التي يتمنى كل من يسمع بها أن يكون من رعاياها ومواطنيها، أو أن يسعى على الأقل لأن يحذو حذوها، ويسلك طريق أهلها، فهل هذا كثير علينا أن نتمناه، أو أن نسعى له في زمن تقاربت أنحاؤه، وتمازجت ثقافاته، وكثرت دعواته.