لم أعرف غازي القصيبي شخصيا ولكن عرفته من خلال مؤلفاته الأدبية في الرواية اوفي الشعر او من خلال كتابة الذي يحمل عنوان ( حياة في الإدارة ) والذي يعتبر من أحد مؤلفاته المشهورة , كرواية شقة الحرية والجنية وغيرها من الكتب. فقد أرتبط القصيبي باليمن في عدة مواضع وقد كتب عنها في مؤلفاته ومنها على سبيل المثال القصيدة السياسية التي تحمل عنوان برقية عاجلة إلى بلقيس والتي يقول فيها :
ألومُ صنعاءَ ... يا بلقيسُ ... أمْ عَدنا ؟! أم أمةً ضيعت في أمسها يَزَنا ؟! ألومُ صنعاء ... ( لو صنعاءُ تسمعني ! وساكني عدنٍ ... ( لو أرهفت أُذُنا) وأمةً عجباً ... ميلادها يمنٌ كم قطعتْ يمناً ... كم مزقتْ يمنا ألومُ نفسيَ ... يا بلقيسُ ... كنت فتى بفتنة الوحدة الحسناء ... مفتتنا بنيت صرحاً من الأوهام أسكنه فكان قبراً نتاج الوهم ، لا سكنا وصغتُ من وَهَج الأحلام لي مدناً واليوم لا وهجاً أرجو ... ولا مُدُنا ألومُ نفسيَ ... يا بلقيسُ ... أحسبني كنتُ الذي باغت الحسناء ... كنتُ أنا ! بلقيسُ ! ... يقتتل الأقيالُ فانتدبي إليهم الهدهد الوفَّى بما أئتُمِنا قولي لهم : (( أنتمُ في ناظريّ قذىً وأنتمُ معرضٌ في أضلعي ... وضنا ! )) قولي لهم : (( يا رجالاً ضيعوا وطناً أما من امرأةٍ تستنقذ الوطنا؟!
مات القصيبي رحمه الله ومازال يقول في قصيدته : يارجالاً ضيعوا وطناً # أما من امرأة تستنقذ الوطنا؟! وصدق القصيبي فمازال الوطن ضايع ومصيره يتجه في نفق مظلم ومجهول.
وكذلك كانت له رحلة سياسية في أبان حكم الإمام لليمن الشمالي حينذاك لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن وقد ذكر قصة طريفة من نوعها في كتابة حياة في الإدارة وقال : " كان هناك جبل بقرب صنعاء تسيطر علية قبيلة تنتمي إلى الجانب الملكي. كان مهمة اللجنة تسهيل تبادل الأسرى, وكانت تلك القبيلة تحتفظ بعدد من الجنود الأسرى المصريي. بدأنا التخاطب مع شيخ القبيلة لإنهاء موضوع الأسرى. كانت المشكلة أن شيخ القبيلة الذي خاض عدة معارك أستعذب الأسلوب العسكري فقرر أن يمنح نفسه رتبة عقيد , وكان يرقى نفسه بين الحين والحين, حتى وصل إلى رتبة لوء في الوقت الذي بدأت فيه لجنة السلام ممارسة أعمالها. أرسلنا رسالة إلى شيخ القبيلة وكانت معنونة إلى " الشيخ فلان ".
إلا أن الشيخ أصر على رفض الرسالة ما لم تكن موجهة إلى " اللواء فلان". اتفقنا, عبدالله , وأنا أن المهمة الإنسانية التي نحن بصددها تبيح لنا تسمية الشيخ بأي رتبة عسكرية يختارها. إلا أن الفريق الحقيقي , محمد فريد سلامه , رفض بإصرار أن يمنح إنساناُ لم يدخل الكلية الحربية لقب لواء. بعد جهد جهيد تمكن عبدالله من إقناعه أن الغاية النبيلة تبرر الوسيلة ووافق, بامتعاض واضح, على توقيع الرسالة إلى اللواء. لا بد أن أذكر , للتاريخ , أن اللواء لقى مصرعه بعد ذلك في معركة حربية. لا أدري بأي رتبة مات وإن كنت لا أستبعد أن تكون رتبة المشير".
ونال غازي القصيبي رحمه الله شهادة الدكتوراه برسالة عن الأوضاع والحرب في اليمن وقال عن موضوع رسالة الدكتوراه في كتابة حياة في الإدارة : " كنت قد قررت , كما توقع الصديق عمران العمران , أن أكتب رسالة الدكتوراه عن اليمن". كان البحث في رسالة القصيبي ينطوي على ثلاثة أقسام, فالقسم الأول عن السنوات الأخيرة من الأمام أما القسم الثاني عن الثورة التي أطاحت بالإمامة , والقسم الثالث يعالج رد الفعل المصري ورد الفعل السعودي بعد الثورة. .
فرحم الله القصيبي الشاعر والأديب والسياسي. فرحم الله غازي القصيبي الذي غزا قلوبنا وأفكارنا بمؤلفاته الأدبية , ومازال المثقف العربي في انتظار كتابة الوزير المرافق الذي طبع في يوم وفاة صاحبه , فقد بكت قلوبنا عليك يا غازي فرحمة الله عليك يا أبا سهيل. كاتب يمني مقيم بالسعودية