"لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" بناء على ذلك فإن الفاعل الذي لايؤمن برد فعله أو لا يحسب حسابه لا يمكن توصيفه إلا ساذجا أو مخبولا، وهذا يمكن إسقاطه حرفيا على منظومة التسلط القائمة (تجمع المصالح)، وإذا وضعنا مشكلتنا أمام قوانين علمية، وافترضنا جدلا إننا لا نعلم الفعل: النهب، والفيد، التمادي في الاستهتار بإرادة الشعب المتاجرة بحقوقهم، الإمامية المقنعة، والتجني على التاريخ، الاستفراد بالثروة والسلطة لصالح المرتزقة واللصوص. ونزولا عند إعلام التسلط المنحط بأن المسألة شوية مزوبعين! ومجموعة متمردين!، فلماذا كل هذه التداعيات إذا؟ّ! وهنا لسنا بحاجة إلى تكهن أو شعوذة، واستنادا إلى مبدأ الفعل ورد الفعل، ومبدأ السبب والنتيجة، وبكل بساطة وراء كل نتيجة سبب مسبق، ووراء كل انفصال سرقة واحتيال، ووراء كل انفجار كبت وضغط.. وقس على ذلك. إننا اليوم نرى منظومة التسلط المعطوبة تتقزز من رد فعلها ولم تستطع استيعابه تارة تحاول جاهدة إلغاؤه وتحقيره، وتارة تبحث عن طرف (داخلي وأحيانا خارجي) تحمله منتج فشلها. إننا أمام احتقان شعبي وسياسي كبير نتيجة لعبث منظومة التسلط بكل إمكانيات الدولة، وأصبحت هي الدولة وعبثت بمضامين الثورة والوحدة، وجعلت الناس يتقززون من هذه المصطلحات، وتكمن الكارثة الحقيقية في بقاء منظومة التسلط هذه التي عملت بالفعل على تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع، ولازالت، تواصل عملها العبثي وإلا ماذا يعني: دحباشي؛ برغلي، شمالي، جنوبي، سنحاني، مطلع، منزل..الخ.. علينا أن نبحث ما وراء هذه الثقافة! وإن ظهور المشاريع الصغيرة أيا كان طابعها هو نتاج طبيعي لغياب المشروع الأكبر الذي اغتالته منظومة التسلط بدءا بضرب المشروع التحديثي في الشمال، واغتيال الجنوب بمشروعه السياسي عندما جاء إلى الوحدة ليجسد حلم كل اليمنيين مقدما كل التنازلات، في حين أن الطرف الآخر لم يقدم شيئا يذكر، سوى ما اتضح بعد ذلك من الالتفاف على المشروع الوطني ليكسب الرهان. وليته استغل ذلك وأعاد إنتاج نفسه وقد حصل على "ما أضمر"، أو حتى فقط ليكتسب شرعيته الشعبية لكنه للأسف قدم نفسه كأسوأ نموذج عرفه التاريخ، مفصحا عن إفلاسه السياسي والأخلاقي أيضا، ومضى شامتا يستبيح الجنوب بمشروعه على امتداد اليمن أرضا وإنسانا وتاريخا. إنه اليوم وقد فاته الأوان، وبعد أن اختزل كل شيء فيه، فعلى منظومة التسلط أن تعي المرحلة تماما وعليها أن تفهم جيدا أن رحيلها هو الحد الأدنى من الحل، وان الخيارات المرة قد غدت مفتوحة أمام الناس، وهي المسؤول الأول والأخير، وإن العزف على الأوتار البالية ليس مجديا والتدثر بالوحدة لم يعد مقبولا، والتبجح باسم الجيش والأمن ورقة غير رابحة لأنهم هم أبناء البلد، وهم الكادحون الذين لازال يراودهم الحلم بوطن يستحق الدفاع عنه لا محمية (لتجمع المصالح). وطن يكون مقبرة للغزاة لا مقبرة لأبنائه. إننا نؤكد القول بان استمرار منظومة التسلط كفيل بالاتجاه نحو النفق، وإن التصدع الحاصل في بنية المجتمع لن يقف عند حدود هذا الجيل. علينا أن نفكر بمستقبل أبنائنا بلا مزايدة أو نفاق، وعلينا أن نسأل أنفسنا بأمانة: هل هم بحاجة لوحدة معمدة بالدم!! هل هم بحاجة إلى شعارات بلهاء (الوحدة أو الموت) (الوحدة خط أحمر)، علينا أن نستحي قليلا: أليست ثلاثه عقود كانت كافية أمام منظومة التسلط لتقدم وحدة معمدة بالتسامح لو كان فيها خيرا، وحدة نضمن لأبنائنا من خلالها الانسجام لا الانتقام وحدة ترسخ في الأذهان قبل الأرض، ولن يرسخها إلا العدل والمساواة، وليست الدبابات والمدافع، ولا القوة والانتصار لأنه بناء على هذا المفهوم قد يصبح المهزوم بالأمس قادرا على الانتقام غدا، وأعتقد أن أبناءنا ليسوا بحاجة إلى وحدة مفخخة، لأنهم سيعرفون الحقيقة عندما تتبدل الموازين إنها نعمة وفي أحشائها نقمة، وقتئذ ستلحقنا لعنة الأجيال، علينا أن نقولها بقوة الصادقين الحريصين على أوطانهم الذين لايملكون ثروات مسروقة من أقوات الكادحين: إن رحيلكم هو الحد الأدنى إن لم تحاكموا، ولتخرس أفواه المنافقين الذين يقتاتون من فتات مائدة التسلط مقابل التطبيل لأسيادهم. خاتمة إن مرحلة الهواجس التصفوية قد ولت وصارت مصالح العالم مشتركة ومحاكم العدالة الإقليمية حاضرة خاصة في ظل حضور "مقاصل محلية"، وإن مؤشرات ذلك باتت واضحة، وما حصل أخيرا في عمران للمناضل عسكر وقاز وطفله تشافيز يمثل إضافة نوعية للرصيد الدموي (المقيد ضد مجهول) والذي سيغدو معلوما يوما ما لتقول فيه العدالة قولها. إن تلك الهمجية تتبرأ منها أعرافنا وقيمنا الاجتماعية والإنسانية، فضلا عن كوننا مسلمين والذي يذكرنا بمشهد محمد الدرة وأبيه مع الفارق طبعا! إننا إذ نؤكد بأن كثير من الناس لازال لهم أمل بالعيش بوجود أشجار وطنية في هذا البلد لاتزال رغم الحصار والحرمان صامدة أصيلة، وهي من ذلك النوع الذي لا يموت إلا واقفا، فعلى منظومة التسلط أن تعلم أن التفكير بتلك العقلية التصفوية تجاه أشجارنا تلك قد يقضي على الأمل المتبقي في النفوس، إن هي أقدمت على ذلك، لتدفع بنا متحولين إلى نفايات، وعندئذ تكون قد أكملت مهام حفر قبرها.