* لم يكن يوماً سعيداً حين تلقى العجوزان -والدا أحمد- المقيمان بقرية "السبيل" بمديرية ماوية خبر اختطاف أحمدهما الذي غادر القرية قبل ثلاثة أيام فقط من ذلك الخبر الصاعق.. * لم يخفف من خوف الأبوين سوى صوت أحمد الذي جاءهم عبر أسلاك الهاتف مؤكداً تخلصه من الخاطف بأعجوبة وسلامته بعد ساعات من الخطف تعرض لها الفتى الذي يقطن حي "فروة مسيك" مع أخيه مروان –25عاماً –الذي يعمل في نفس الحي! * تعود القصة إلى الثلاثاء قبل الماضي الموافق 16/6/2009م حيث غادر أحمد أمين العزي – 11عاماً- حارة فروة على متن هيلوكس غمارتين قديمة متجهاً نحو المجهول بصحبة شاب كثيف الشعر ومسدولاً على كتفيه، وظل أحمد قرابة الساعات الأربع مخطوفاً وخائفاَ حتى وإن فر من خاطفه بعد فترة يسيرة من تلك العملية الفاشلة التي قام بها مجرم مجهول الهوية حتى اللحظة رغم سيطرة أهالي أحد الأسواق المجاورة عليه وسيارته، لكن الخاطف لم يظهر في أيِ من أقسام الشرطة المحيطة والتي بحثت فيها الأسرة عن خيوط مبهمة وخاطف غابت آثاره رغم كل تلك الملابسات، وما نال أحمد من تلك الساعات هو محنة لم تكن تخطر له على بال وهو يغادر "سبيل ماوية" متجهاً إلى المدينة؛ في عطلة دراسية أرادت أسرته أن يتعرف فيها على معالم صنعاء العاصمة؛ وأرادت الأقدار أن تسوقه إلى حيث يسيل دموع والديه عليه قبل أن يخفف منها نجاته في اللحظات الأخيرة ! * بلكنة قروية لطيفة وبريئة لكنها مرتبكة وخائفة حدثنا أحمد:" كنكو أدق الباب وكان بو سيارة هيلوكس جنب الباب خرج منها شاب، وجرني داخل السيارة ومشى"، غابت السيارة عن الأنظار دون أن تثير اهتمام أحد، ودون أن يكون لصوت الفتى أثر على المنازل المجاورة والتي لم تكن –عند العاشرة - قد استيقظت بعد أو ربما كان أربابها مشغولون بأعمالهم مع صوت طفل خافت لم يستطع لفت انتباه أيِ من السكان.. * تتضارب أقوالنا نحن الكبار أحياناً، ولا ندرك الأحداث جيداً أحياناً، وربما حاولنا التذاكي بإخفاء أجزاء من الحقيقة لكنما الخوف هو من يقود طفلاً في الحادية عشرة من عمره إلى سرد الحكاية بفارق مهم وهو أن الشاب الذي وصفه لم يجره إلى السيارة جراً وإنما طلب منه الصعود حتى يوصله، وبما أنه لم يألف بعد غدر الكبار فقد فرح بهذا الكرم، وتفسر هذه الرواية – التي قصها الطفل لضابط القسم- عدم انتباه أحد من أبناء الحي لكن حين أدرك الطفل الخطر صاح وصرخ وبكى ليساعده سوق مزدحم -دخله الخاطف مطمئناً – في إيقاف السيارة والقبض على الجاني كما يؤكد الفتى فيما فرَ الصبي خلسة إلى حيث لا ترقبه عين الخاطف وباشر بإجراءات السلامة حيث اتصل لأخيه مروان فيما لا تزال مصاريف البيت بيده وإن تأخرت ذلك اليوم لما بعد الثانية والنصف ظهراً حيث عاد أحمد من رحلة قهرية انتزعت قلبه من بين أضلاعه خوفاً وفرقاً! * كل تلك التفاصيل التي حكاها الطفل عدة مرات لمن سأله عنها في البيت؛ والشارع، وقسم الشرطة، والتي وصفها إخوته أيضاً لم تكن كافية للضابط المناوب في أمن المديرية لتسجيل مجرد بلاغ عن الحادثة حيث يروقه ربما أن يقوم أهالي الطفل المختطف بتشكيل فرق بحث وتحري لتحضر بعض المعلومات كرقم السيارة أو- بالأقل!- اسم الخاطف أو اسم السوق النبيل الذي أعاق السيارة ومكن الطفل أحمد من الفرار بعد أن "حوش" المواطنين على الجاني، وعبثاً تحاول الأسرة العثور على الجاني في أقسام الشرطة المحيطة! * تشير المعلومات الأولية عن أساب هذه الظاهرة إلى الخصومات بين الناس ونزوع أحد الخصوم للضغط على الطرف الآخر بخطف ولده، خصوصاً إذا كان من الوجاهات الاجتماعية. ويمضي أحمد القرشي رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة في سرد حزمة الأسباب، مؤكداً ألا معلومات علمية عن الأسباب. ويضيف: تجارة الأطفال والاغتصاب كأسباب محتملة، فيما أعاد بعض الأهالي ذلك إلى ضعف أداء عقال الحارات والمجالس المحلية في رعاية الحارات والأحياء السكنية. وإذ يؤكد الوالد علي أحمد السنيني تجارة الأعضاء كسبب مهم فإنه يردفه بدور العقال قائلاً :"وإلا ليش هم عقال حارات". ويضيف الوالد عبدالله الصباحي، الذي كان جالساً بالجوار: "روح الجريمة التي بدأت تنتشر في نفوس البعض، وجائز أنهم يذبحوهم ويشلوا الكلى والقلوب"، فيما يؤكد الأخ محمد المقبلي " على الجميع التعاون والانتباه للغريب والدخيل والمشتبه به". * أصوات الأطفال التي كانت تتقاطع مع أحمد أمين وهو يحكي قصة اختطافه جوار منزل أخيه أثارت الخوف في نفسي، حيث الطفولة البريئة تدري وتعايش جانباً من مأساتها، وأثارني صوت مفجوع وصادق يقول:" أصبحنا نخاف يوم نلعب ويوم نسير المدرسة ويوم نجي.. عد كنا نلعب في الحارة وبعد هذه الحادثة خفنا، ولا زدنا نخرج ولا نعرف نلعب". أصيل علي الخاوي يضيف" قد احنا نكره عيشتنا". * هذه المأساة التي عاشها حي فروة بمديرية شعوب لم تصل إلى مسامع الأجهزة الأمنية رغم زيارة أحمد رفقة أسرته إلى قسمي الشرطة المجاورين ولقائهم الضابط المناوب لتسجيل بلاغ، ورغم أخذ الضابط معلومات عن الحادثة، إلا أنه لم يسجل بلاغًا بها ما دعا مدير القسم إلى إنكار الحادثة وبلاغها، ورفض التصريح جملة وتفصيلاً، فيما البطولة الحقيقية من نصيب وليد شعلان الفتى ذو ال16 ربيعاً الذي غادر الحي وقت الظهر ليعود بأحمد بعد ساعتين من البحث الذكي. * ينصح المحامي فيصل المجيدي المسئولين الأمنيين بالتفاعل مع مثل هذه القضايا، خصوصاً أن لها علاقة وأثراً إيجابياً توعوياً للمجتمع، وزجراً لمن يقوم بهذا الفعل، وردعاً لمن تسول له القيام بمثلها، خصوصاً إذا تم معاقبة الجاني بشكل رادع. ويجد المجيدي تعارضاً مع مبادئ وقواعد حقوق الإنسان وبخاصة المادة 42 من الدستور التي تتيح حق نشر المعلومة الذي لا يتأتى إلا بالحصول عليها. * القرشي انتقد روتين التعامل القضائي مع قضايا الطفولة، وطالب أن يتم النظر إليها كالقضايا الاستثنائية وقضايا أمن الدولة لارتباطها بالأجيال. ويضيف داهية أخرى وهي "تدخلات السلطة التنفيذية في القضاء كما في قضية اختطاف واغتصاب طفل المكلا، حيث يشير إلى وساطات كبيرة، بدعوى حل المشكلة ودياً رغم استخدام سيارة الدولة في الجريمة". فيما يعلق على عدم تسجيل بلاغ قضية أحمد أمين العزي على اللامبالاة من قبل بعض ضباط أقسام الشرطة، فضلاً عن تدني التدريب والتأهيل في التحقيق مع القضايا الغامضة، ونتيجة ضعف الإمكانيات التي تمكن الضابط المعني من الوصول إلى نتيجة ما. * لا تدري وأنت تتابع قضية أحمد العزي، هل تجاهل هذه البلاغات هو كل ما تستطيعه الأجهزة الأمنية في ظل النداء الذي أطلقه الطفل أصيل الخاوي، وأطفال بستان الضبي بفروة :" نطالب بتأمين الأطفال"، وفي ظل شك الأهالي بتواطؤٍ ما وراء اختفاء الجاني، رغم أنه وقع في أناس وسط سوق مكتظ ما يعني استحالة فراره من أيديهم. * يقول مروان العزي (أخُ المخطوف) بأن أمين أحمد جاء بعد عشرة أيام تقريباً يجري، وهو خائف من سيارة سرق في الحارة، كما سمع من الأطفال ويعلق "لقد أصبح مرعوباً"، وبدأ الأولاد يتداولون قصص الاختطافات حيث يشير رياض عامر- 12 سنة – إلى أن ابن خاله تعرض للاختطاف من المدرسة، ولولا أنه فتح الباب وفر هارباً، حيث تعرض لجروح، لكان الآن في عداد المفقودين، ويختم رياض "نطالب بتأمين الأطفال". * مثل كثيرين لا يعلمون ما الذي يجري لمن يتم اعتقالهم في مثل هذه الحوادث، فإن الحاج عبدالله الصباحي لا يدري ما تفعل الحكومة بهم، ويضيف " هذا شيء على الصحفيين والحكومة". ويتابع محمد المقبلي بأن" هناك إهمال؛ نطالب النيابة والقضاء مساءلة الأقسام على الجرائم الموجودة لديهم، خصوصاً جرائم اختطاف الأطفال حيث تنتشر هذه الظاهرة لاستخدامهم كتجارة". * وعلى المنوال ذاته يؤكد عاقل الحارة الحاج يحيى الشويع أن هذه الجريمة الخطيرة تقتضي من الجهات المعنية القيام بدورها في التوعية والزجر، مضيفاً" لو تم التشهير بأحدهم على التلفزيون فإن ذلك سيردع البقية". * تنصب مطالب الأهالي في ضرورة أن يتدخل الأمن لفرض السكينة وحماية الطفولة، وتوفير المكان الآمن لأصيل وأحمد ورياض وغيرهم حتى يلعبوا ويمارسوا طقوس طفولتهم بكل براءتها. * وتبقى تأوهات والدين عجوزين بقرية السبيل بماوية كافية للدلالة على كم الخذلان الذي تعرضت له قضية ابنهما الغريب المهاجر في صنعاء، على يد من أملا فيهم كثيراً، ولا يزال في الوقت متسع لجبر ما انكسر، بعد أن عاد أحمد إلى حيه وبيت أخيه، خصوصاً إذا ما أخذ المعنيون بنصيحة الوالد علي السنيني الذي طالب الأجهزة الأمنية بتفعيل دور رجال الأمن السياسي، والبحث والأجهزة الأمنية، لمكافحة هذه الجرائم.