ترجمة : عبدالحكيم هلال الامتداد الجبلي البعيد للصحراءِ بين اليمن والعربية السعودية يَبْدو مكاناً غير محتملَ للعبة شد الحبل السياسية. لكن، منذ سنوات، تسعى الحكومة السعودية – وإن بشكل متقطع - لتسوير 1300 كيلو متر ، من الأرضِ القاحلة على الحدود بين البلدين. في 2003، بدأت "الرياض" في تلك المنطقة، ببناء سياج أمني عال ارتفاعه 10 أقدام كجزء من الجهود التي تقوم بها لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجمات الإرهابية التي من الممكن أن تتعرض لها في الداخل (يأتي ذلك، بعد أَن كشفت السلطات السعوديةَ أن مصدر المتفجرات في الهجمات الأخيرةِ جارها الجنوبي). لكن الرئيس علي عبدالله صالح، أعتبر أن بناء مثل هذا السياج، يخالف إتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين منذ ثلاث سنوات. مما أدى إلى أن تذعن السلطات السعودية لإيقاف البناء. ويقال إنه حينما تم استئناف البناء لفترة وجيزة في 2008، نشبت مواجهات بين حرس الحدود اليمنيين والقوات المسلحة السعودية. قضية الحدود الأمنية بين البلدين، ما زالت صعبة الحسم. الشهر الماضي، بحسب ما قيل، عقدت "الرياض" محادثات مع شركة الدفاع الجوي "EADS"– مقرها ألمانيا – حول خطة تكلف مليارات الدولارات من أجل تقليل الثغرات على حدودها الجنوبية (يجعلها أكثر أمناً). ومع أن تفاصيل تلك الخطة بقيت سرية، لكن من الواضح أن السعودية قلقة جداً، بشأن التهديدات الأمنية القادمة من رأس شبه الجزيرة العربية [اليمن]. وبحسب كريستوفر بوسيك – يعمل مع صندوق كارنيجي للسلام العالمي في واشنطن – فإن "الأمن الحدودي على الحدود اليمنية، يمثل إحدى المخاوف الكبيرة للمملكة. وهو يعتقد بأن اليمن أصبحت سيئة السمعة في المنطقة "كمنفذ للأشياء السيئة، ك: الأسلحة، المخدرات، الهجرة غير الشرعية، الأموال، القنابل.. كل شيء سيء". وبخلاف الدول الخليجية المجاورة –التي انهمكت في إيجاد صناعات محلية، وجذب الاستثمارات الخارجية– يقول الخبراء: اليمن في خطر حقيقي واضح يتمثل في دخوله في دوامة من المشاكل. كما أن موقعه القريب والمطل على دول مجلس التعاون الخليجي، يفرض على هذه الدول، تغيير أسلوب تعاملها مع الدولة الأكثر اضطراباً في بلاد شبه الجزيرة العربية.
تتويج الأزمات: منذ توحيد شطري اليمن في 1990، والحكومة في صنعاء أصبحت معتادة على نزع فتيل الأزمات. وعندما غزا صدام حسين الكويت في 1990، صوت اليمن ضد استخدام قوة الأممالمتحدة لطرد القوات العراقية ، مما أدى –فوراً- إلى قطع معظم المساعدات التي كانت تأتيه من الخارج. وفي 1994 اندلعت في الجنوب حرب أهلية، قتل فيها آلاف الناس، وفي 2000 قصفت القاعدة الباخرة الأمريكية "كول" بينما كانت راسية في ميناء عدن، مما أدى إلى مقتل 17 بحاراً أمريكيا، وقطاع السياحة اليمنية تقلص. ولكن في 2009، الأمر يختلف، إذ تواجه صنعاء ما يخشاه الكثيرون، وهو هذا الكم الكبير من المشاكل الساحقة. ويعلق "بوسيك" على ذلك بالقول: "سيقول اليمنيون: نحن قد مررنا –في السابق- بالكثير من الأشياء السيئة، ونحن سنتعامل مع هذا. غير أنهم لم يواجهوا سلسلة متفاقمة من الأزمات، تتوج في وقت واحد". ويضيف: "الآن، مشكلتان أو ثلاث أو أربع، جميعها بلغت ذروتها في وقت واحد. وذلك هو ما يجعل من الوضع الحالي مدمراً جداً". الفقر هو المأساة المعروفة لسكان البلاد ال 22 مليون - 60 بالمائة يعتاشون على أقل من 2$ في اليوم. منظمة الأغذية والزراعة العالمية (UN)، صنفت اليمن على أنها أكثر الأراضي غير الآمنة غذائياً في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإنه من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان قبل 2030. كما يتوقع -خلال ذات الفترة– أن تنضب المياه في بعض المدن الرئيسية، مثل العاصمة صنعاء. وما يزيد الأمور سوء، أن الاقتصاد على وشك الانهيار. فالنفط الذي يمول 70 بالمائة من الموازنة العامة للدولة، يتوقع أن ينضب في غضون عقد واحد. والسياحة -وهي القطاع الإيرادي الثاني في البلاد- تتقلص، بسبب أن عدم الإستقرار السياسي، والهجمات الإرهابية المستمرة، تمنع الأجانب من زيارة مدن البلاد التاريخية القديمة المحاطة بحصون جبلية من القرون الوسطى وناطحات السحاب الطينية المشهورة. حكومة الرئيس صالح، قالت أيضاً إنها تواجه ثلاث من المشاكل السياسية الكبرى. وتتمثل في: الطائفة الزيدية الشيعية في الشمال (اتهمتها صنعاء بالتآمر والتخطيط لاستبدال المجالس المحلية المنتخبة بحكومة إسلامية إمامية) والتي تشتبك مع القوات المدعومة الرسمية. ومئات الأشخاص قتلوا هناك منذ 2004، بينما نزحت آلاف كثيرة بسبب تلك الحرب المستمرة. وفي المحافظات الجنوبية، ارتفعت -وبشكل عنيف ومتزايد– أصوات حركة انفصالية خلقت أزمة وطنية على مدى الأشهر القليلة الماضية. وفي أكبر عرض من الاضطراب منذ 2006 نظم مئات الآلاف من الأشخاص هناك في مارس الماضي احتجاجات في ذكرى اندلاع الحرب الأهلية في 1994م. ويتهم العديد من الجنوبيين الحكومة المركزية بتهميشهم اقتصادياً وسياسياً، ومؤخراً أعلن أحد حلفاء الرئيس صالح السابقين –وهو شيخ مؤثر- دعمه لقضية إنفصال الجنوب. إلى حد كبير تتعامل صنعاء مع القضية بجدية كبيرة، إذ قامت مؤخراً بإرسال القوات والمدرعات إلى المناطق الجنوبية المضطربة. كما أن وزارة الإعلام أغلقت -في مايو- ثمان صحف يمنية ، كانت تغطي تلك الأحداث العنيفة في بعض الأحيان مما أثار انتقادات واسعة من جماعات حرية الصحافة في العالم. وإزاء ذلك، تعهد الرئيس صالح، كما تعهدت الحكومة، بإحداث إصلاحات في الجنوب لتهدئة المحتجين هناك. وخلال اجتماع حاشد في 27 ابريل، حاول الرئيس "صالح" نزع فتيل الأزمة القائمة، حين حذر في خطابه قائلاً: "اليمن، لا سمح الله، لن ينقسم إلى شطرين، وجنوب وشمال، ولكن إلى قرى ودول صغيرة". وأضاف "الناس سيتقاتلون مع بعضهم البعض من باب إلى باب ومن نافذة إلى نافذة". وأخيراً وليس آخرا –ضمن سياق التحديات الثلاثة التي تواجهها الحكومة اليمنية– أعلن تنظيم القاعدة في يناير الماضي، بأنه تم توحيد ودمج العمليات الإقليمية على التربة اليمنية. وبفضل نجاح الرياض في إخراج تنظيم القاعدة وعزلهم من المملكة، أتخمت اليمن بالمقاتلين المتطرفين العائدين من العراق. و"جعلها الإرهاب تحتل موقعاً مركزياً في وسط شبه الجزيرة العربية" بحسب "كامران البخاري" –وهو خبير في تحليل الشرق الاوسط في مؤسسة المعلومات الدولية "stratfor" ومقرها أمريكا. وكانت الهجمات على السياح الأجانب، التي نفذتها القاعدة، في اليمن، احتلت العناوين البارزة في الصحافة على مدى الأشهر القليلة الماضية. وفي مايو، بث ناصر الوحيشي –زعيم القاعدة في اليمن– رسالة أكد فيها دعم تنظيم القاعدة للانفصاليين في جنوب البلاد، ودعا اليمنيين لتوحيد أنفسهم من أجل إسقاط الحكومة في صنعاء.
علاقات جديدة: يساور القلق، الجار القريب، كما يساور دول مجلس التعاون الخليجي من أن تلك المشاكل التي تتكالب على اليمن قد تتوسع وتفيض خارج حدودها. "نيكول ستراك"، الباحثة في شئون الإرهاب والأمن في مركز أبحاث الخليج، وهو مجلس خبراء اتخذ من دبي مقراً له، تصف وضع تلك الدول –على خلفية ما يحدث في اليمن– بقولها: "إنهم قلقون للغاية". وهي تعتقد –أيضاً– "أن مشكلة اليمن في الأساس هي أن الحكومة تواجه ثلاثة نزاعات: في الجنوب، والشمال، والإرهاب، في الوقت الذي تمتلك فيه موارد محدودة جداً". وتواصل: "وفي الوقت الحالي، مع تدني أسعار النفط، والكساد العالمي، فإن مواردهم ستقل بدرجة أكبر، مما سيسبب مزيداً من الضغط". تدهور موارد اليمن، يرجع من الأساس، إلى الرئيس صالح، الذي يحكم البلاد منذ 1978، وبسبب كونه غير قادر على اتخاذ إجراءات صارمة ضد العديد من المجرمين الذين يستغلون المناطق غير الخاضعة للسلطة في البلاد، من أجل مآرب دنيئة". وعلى الرغم من ذلك، فإن القاعدة لا تهدد فقط الحكومة اليمنية في صنعاء، إنما تهدد جارتها العربية السعودية، والدول الخليجية الأخرى. ويقول "بوسيك" إن "المشكلة تكمن بأن ضعف الإمكانات اليمنية ، تجعل القطر المجاور في طريق الخطر. وفي هذه الحالة، يعني الأمر أن دول الخليج هي التالية". يواصل: وما يبعث على القلق هو"كيف يمكننا استيعاب ما يحدث هناك؟" إحدى الطرق هي ضخ المال إلى اليمن. وفي مؤتمر المانحين الذي عقد قبل ثلاث سنوات في لندن، تعهدت دول الخليج، بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار للمساعدة في دعم حكومة صالح (المملكة السعودية قدمت التعهد الأكبر من المنحة حتى الآن). ولكن صنعاء لم تتلق سوى 12 مليون دولار من مبالغ تلك المنحة النقدية الموعودة بها، وذلك وفقاً للبنك الدولي الذي أكد أن السبب أساسا يعود لتفشي الفساد. صنفت اليمن في المرتبة ال 141 من أصل 180 بلداً ضمن مؤشر الفساد الأخير في دليل منظمة الشفافية العالمية. لذلك عندما تسلم أموال المانحين، فإنه لا توجد لديهم ضمانات بالنسبة للكيفية التي ستصرف بها بالفعل. الطريقة الأخرى، هي عبر مبدأ التكامل الإقليمي، غير أن العلاقات بين بلدان الخليج وابن عمهم العربي الجنوبي، لم تكن دائماً قوية. وعلى سبيل المثال، في حالة المملكة العربية السعودية "هناك تاريخ من العلاقات المعقدة" مع اليمن. بحسب "ليتا تايلر" وهو باحث في الإرهاب ومكافحة الإرهاب بمنظمة هيومن رايتس ووتش (منظمة دولية للدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم) والذي أضاف: "نأمل أن لا يكون هناك مانع يعيق جهودنا الصادقة، في التعاون على تقديم الحلول الممكنة، لما هو واضح ضمن المشلكة الإقليمية". ومع ذلك يبدو أن العلاقات تتجه نحو التحسن. في أغسطس 2008 ساعدت قطر على التوسط في اتفاق سلام بين صنعاء والطائفة الزيدية الشيعية المتململة شمال اليمن. وعندما هاجمت جماعة محلية إرهابية سفارة الولاياتالمتحدة في صنعاء سبتمبر الماضي، مما أدى إلى مقتل 17 شخص، دعا الملك السعودي، الرئيس اليمني إلى مكةالمكرمة، وبحسب ما يقال فقد وعده بالدعم لمقاتلة تنظيم القاعدة –المجموعات التي لها صلة بالبلدين. وفي الآونة الأخيرة، أطلق بعض القادة السعوديين، تصريحات أكدوا فيها بأنهم يقفون مع صنعاء على الدوام ودون تحفظ. وفي مايو، أسقطت عمان الجنسية عن زعيم يمني سابق (علي سالم البيض) لدعمه الاحتجاجات الأخيرة، والدعوة إلى إقامة دولة مستقلة في الجنوب. وتتخذ الدول العربية، في مجلس التعاون الخليجي خطوات بطيئة "أشبه بخطوات الطفل الرضيع" لضم اليمن إلى المجلس. وعلى الرغم من هذه الجهود –يقول "ستريك"– فإن جيران اليمن الغنية بالموارد، لن يكون بيدها أن تقرر كيف تحل مشاكل اليمن، بقدر ما يتوجب على اليمنيون أنفسهم أن يقرروا ذلك. ويضيف"القضية هي: ما إذا كانت لدى صنعاء الإرادة الكافية لذلك، لا ما إذا كانت الدول العربية المجاورة لا تبذل جهوداً كافية". وفي نهاية المطاف، أنت من الممكن فقط، أن تعطي الكثير من الدعم (تضخ الكثير من الموارد المالية) إلى المكان الذي لديه قدرة (أي الذي يمكنه أن يستغل ذلك الدعم في تحقيق الأهداف التي قدم من أجلها). فهل باستطاعة اليمن أن تجدد ثقة الداعمين بها مرة أخرى وتستخدم المساعدات الخارجية من البلدان العربية المجاورة لتجاوز المشاكل التي تتعرض لها وتؤثر على من حولها؟ في نهاية المطاف.. هذا هو السؤال الذي يجب أن يوجه لليمن.
* أيان مونرو كاتب كندي ومراسل صحفي. هذه المقالة نشرت في مجلة الاتجاهات. على حلقتين. الحلقة الأولى نشرت بتاريخ 16 يوليوالجاري. والثانية بتاريخ 23 يوليو.