شارك مئات الآلاف في مظاهرات واعتصامات حاشدة بمدن يمنية مختلفة إحياءً لما أطلق عليها "جمعة الصمود" وللإعلان عن رفض المحتشدين لمبادرة الرئيس علي عبدالله صالح ولمطالبته بالتنحي بعد نحو 33 عاماً من الحكم. وأدى المحتشدون صلاة الجمعة في الساحات العامة التي اجتذبت آلاف جدد اليوم ضمن أكبر مموجة احتجاجات تشهدها اليمن للمطالبة بإسقاط نظام صالح. ففي محافظة البيضاء وسط اليمن، تدفق عشرات الآلاف إلى ميدان "أبناء الثوار" بعاصمة المحافظة، حيث توافدت حشود من جميع مديريات المحافظة لأداء صلاة الجمعة الاستماع إلى خطبتيها التي ألقاهما الشيخ عبدالوهاب الحميقاني. ودعا خطيب الجمعة إلى الاستمرار في الاعتصامات حتى تتحقق مطالب الشباب المعتصمين، معتبراً ذلك "جهاداً في سبيل الله".
وطالب الحميقاني الرئيس بالاعتذار للشعب "عما ارتكبه من جرائم على مدى ثلاثة وثلاثين عاماً, وإرجاع الحقوق إلى أهلها بدلاً من الاعتذار لأمريكا، مشيراً إلى درسي تونس ومصر. وردد المحتشدون بعد صلاة الجمعة شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام" و"يا الله يا الله اسقط على عبدالله" و"ارحل يا علي.. وهي باتنجلي".
مدينة الحديدة وفي محافظة الحديدة غرب اليمن، تظاهر عشرات آلاف المحتجين المطالبين بإسقاط نظام صالح، في مسيرة تعد الأكبر منذ بدء الاحتجاجات المناوئة للرئيس. وأنطلق المتظاهرون في مسيرة كبرى من ساحة حديقة الشعب والتي أطلق عليها "ساحة التغيير"، وطافوا بشوارع المحافظة وصولاً إلى مكان قريب من القصر الجمهوري في المدينة ورددوا بصوت واحد هتافات "ارحل ارحل يا علي" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"بعد مبارك يا علي"، ورفعت شعارات مطالبة برحيل صالح ورفض المبادرة التي أعلنها يوم أمس. قبل ذلك، أدى آلاف المحتجين صلاة الجمعة في ساحة التغيير، وحضرها أعضاء من مجلسي النواب والشورى وعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية ومدراء المكاتب التنفيذية والمحاميين والناشطين الحقوقيين وعدد من القيادات النسوية وأعضاء النقابات المهنية ودكاترة الجامعة وجمع غفير من الشباب.
ودعا الشيخ إسماعيل عبدالباري خطيب الجمعة أفراد الأمن والجيش إلى عدم طاعة مسؤوليهم الذين يأمرونهم بالإعتداء على المعتصمين سلميا وقتلهم وإطلاق الرصاص الحي عليهم. وقال الشيخ عبدالباري: "أفتي بعدم جواز ذلك وعدم جواز تلبية أمر ولي الأمر بسفك الدماء وقتل الأبرياء، وإن حصل فهو قتل متعمد يحاسب علية ويعتبره حراما لقولة تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)". وأستنكر ما تعرض له المعتصمون في ساحة الاعتصام بمعظم المحافظات من قبل الأجهزة الأمنية وبعض البلاطجة، وأسفرت عن وفاة نحو ثلاثين شخصاً وإصابة مئات آخرين ، معتبراً أن هذه الأعمال تتنافى مع قيم الشعب اليمني الذي وصفه الرسول صلى بأنه شعب الإيمان والحكمة, مشيراً إلى أن "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولن تسقط الدماء هذه لا في الدنيا ولا في الآخرة".
صعدة وحرف سفيان وشاركت محافظة صعدة في "جمعة الصمود"، حيث أفاد المكتب الإعلامي لزعيم جماعة الحوثيين أن عشرات الآلاف شاركوا بمسيرات في مديريات "سحار ورازح والملاحيط وحيدان"، إضافة إلى مديرية حرف سفيان بمحافظة عمران، وردد المشاركون هتافات تطالب بإسقاط نظام صالح. وقال المكتب في بيان له "في المظاهرات الحاشدة التي خرجت صباح يومنا (...) برز الوعي العالي لدى المجتمع والذي تمثل بحجم الحضور الكبير والمتزايد وتنوع الشعارات المطالبة جميعها بإسقاط النظام والتغيير، والتي جاءت كرد على محاولات النظام اليائسة والتي يحاول فيها الالتفاف على ثورة الشعب".
وأضاف أن المتظاهرين رفعوا شعارات التغيير ونماذج من مآسي الحروب وكذا صوراً لبعض القتلى الذين سقطوا منذ بدء الاحتجاجات، كما رفع المتظاهرون لافتات طالبت جميع فئات الشعب اليمني بمزيد من التوحد والاصطفاف والتلاحم من أجل تحقيق "ثورة الشعب المباركة". ونددوا بالقمع الذي قامت به قوات الأمن على المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء والتي استخدم فيها النظام غازات يعتقد أنها "محرمة"، إلى جانب الرصاص الحي. كما ندد بيان صادر عن المظاهرات بالعدوان الذي طال مركز بدر العلمي في صنعاء من قبل من وصفهم ب"بلاطجة" النظام.
استقالات جماعية من الحزب الحاكم وقدم بيان جماعة الحوثي التحية والإجلال لمن وصفهم ب"الشرفاء من أعضاء المجالس المحلية في محافظة صعدة على تقديم استقالاتهم من حزب المؤتمر الشعبي العام كون هذه الاستقالات ستزيد من عزل النظام وتدعم تلاحم الثوار". وفي سياق متصل، أعلنت القيادية في فرع المؤتمر بمحافظة البيضاء وعضو اللجنة الدائمة صفيه حسين العزاني استقالتها من المؤتمر الشعبي العام احتجاجاً على أعمال "البلطجة" ودعت من تبقى في أعضاء المؤتمر إلى "كسر حاجز الخوف" وتقديم استقالتهم من الحزب, مؤكدة أنهم لن يكونوا أقل منها شجاعة. ويستنزف المؤتمر في البيضاء عشرات الشخصيات التي تحظى بالقبول لدى أبناء المحافظة، حيث قدم الشيخ مسعد أحمد قاسم الطاهري وعلوي علي الطاهري من أبناء قبيلة آل الطاهر بمديرية السوادية، قدما استقالتيهما من المؤتمر، وأكدوا أن قمع المعتصمين في المحافظة يوم الخميس قبل الماضي كان مبرراً كبيراً لانضمامهما لشباب التغيير.
وحتى المغتربين شاركوا في تقديم استقالاتهم، ففي اتصال هاتفي إلى ساحة أنباء الثوار حيث يعتصم الآلاف، أعلن الشيخ احمد عامر العواضي رئيس مجلس تنسيق الجاليات اليمنية بالمملكة العربية السعودية استقالته من حزب المؤتمر, كما أعلن كل من "عبداللطيف السيد مدير مدرسة الشهيد الحميقاني الثانوية وعبدالله طاهر الراجحي مدير مدرسة الثورة" استقالتهما من المؤتمر. وكان والد رئيس فرع المؤتمر بالبيضاء إبراهيم القاضي أحد أعيان مدينة البيضاء زار المعتصمين في ميدان أبناء الثوار، وأهدى لهم مكبرات صوت وحثهم على الاستمرار في اعتصامهم حتى يسقط النظام.