رأيت الجمعة الفائتة الجمع الذي حشده الحاكم التاجر، بشراء الذمم والولاءات من خزينة الدولة وقارنت منظر تلك الفقاعات الهلامية بمنظر الجموع الصادقة الصامدة التي لم يشتر ولاءها ولم يدفع لها لتخرج إلى الشارع أحد، بل دفعت من دمائها وأموالها وراحتها ثمناً لهذا الخروج. في جمع الحاكم بأمره رأيت أفرادا أوداجهم منتفخة من القات وهم يزبدون ويرعدون يتوعدون جموع الشعب ويزعقون لمؤازرة الحاكم الراقص على رؤوسهم، وتساءلت "ترى كم بقي في جعبة التاجر من أموال الشعب ينهبه ليشتري به ولاء هؤلاء؟". أيها الحاكم الراقص، دعنا نجري مقارنة سريعة بين الجمعين حتى لا تتمادى في خداع نفسك ومن حولك برقم الغثاء الذي احتشد حولك. جموع الشعب أغلبهم شباب وأعون لأهداف خروجهم التي تنطلق من قناعة وإيمان وإخلاص بأن الوقت قد حان للتغيير وإقامة دولة العدل والمدنية والنظام. وجمعك أكثرهم همج رعاع اجتهد إعلاميوك في تحفيظهم عبارات يلفظونها أمام الكاميرا فلا تسمع منهم إلا هتافا باسمك ولغطا غير مفهوم. جموع الصادقين خرجوا بدافع ذاتي لا نفع من ورائه إلا مصلحة الوطن، وجموع المقوتين خرج أكثرهم "بتمويل" منهوب من خزينة الدولة لا يعرفون هدفا من وراء خروجهم إلا المنفعة الشخصية والحقد الأعمى على جموع الصادقين. جموع الشعب دفعوا ثمن الخروج دماء ودموعا وعرقا وسهرا وحملوا أرواحهم على أكفهم لكنهم سعداء وراضون بالتضحية، وجمعك من الذين دفعت لهم ثمن الخروج وجبات غداء وقات وأموال وهم يسخطون عند أول تأخير في دفع المعلوم. جموع الشعب خرجوا مجردين من كل سلاح إلا سلاح الإيمان والتوكل والعزيمة الصخرية وما أقواه من سلاح فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، وجمعك خرجوا مدعومين بقوات أمنك المركزي وحرسك الملكي وقواتك الخاصة ويالها من قوات واهنة تقوم على الظلم والباطل، إن الباطل كان زهوقا. جموع الشعب الذين حرصت على محاصرتهم إعلاميا يعلنون من خلاله مواقفهم البطولية ومطالبهم الشرعية اخترقوا بإبداعهم حصارك وحصار زبانيتك، وبذكائهم وإمكانياتهم المتواضعة أوصلوا صوتهم للعالم ليشهد على جهادهم النبيل أمام حاكم غير نبيل، وجموع المقوتين مدعومة بإعلام أزلامك الذين سخروا قنوات الإعلام المملوك للشعب للتسبيح بحمدك لكنه إعلام فاشل قائم على الكذب والتضليل وفبركة الحقائق، ولهذا فلا ينال احترام أو ثقة أحد حتى الموالين لك. جموع الصادقين الذين أمرت قوات أمنك بمنع وصول المدد والإمداد لهم من خارج صنعاء، يقيض الله عز وجل لهم المزيد من الملتحقين ويبارك في الموجودين، وجموع المقوتين ترسل لهم حافلات لحملهم من مناطق خارج صنعاء لتكثير الغثاء حولك ولكن الله يمحق البركة عنهم فينفضون عنك عند آخر ريال تدفعه لهم. جموع الصادقين لا يرضون بالظلم والفساد ولا يخافون التغيير بل يوقنون أنه المخرج لبلادهم من حكم الفساد والإفساد، وجمعك من المستسلمين للأمر الواقع والذين يخافون مواجهة الظلمة والمفسدين ويتملكهم رُهاب التغيير ويحسبون له ألف حساب. جموع الشعب يعتصمون ويصمدون في الميادين والشوارع أياما وأسابيع رغم حصارك لهم وما تسلطه عليهم من بلطجية وقناصة وما تقيمه في وجوههم من حواجز وسدود، وجموع المقوتين لا يجتمعون إلا أوقات الوجبات وصرف المعلوم ليهتفوا باسمك أمام الكاميرات والمكروفونات لإثبات استحقاقهم للمزيد من الأموال المنهوبة من قوت الشعب. أيها الحاكم الراقص: هل بعد هذه المقارنة حقا تظن أنك حققت إنجازا بتجميع هؤلاء لتسترهب عيون الناظرين؟ وهل تظن أنهم مستعدون للهتاف لك ناهيك عن التضحية في سبيلك إذا ما توقف إمداد المال؟ هل تظن أنهم سيصمدون أمام صمود جموع الصادقين؟ كن صادقا مع نفسك ومع الآخرين ولو مرة واحدة في حياتك واختصر عليك وعلينا الوقت والإنفاق من أموالنا في سبيل اصطناع شعبية أنت أول العارفين أنها مزيفة. ارفع يدك عن أموال الدولة البائسة بحكمك لعلها تجد شيئا يسد الرمق بعد رحيلك. خفف من اللعنات التي ستلاحقك إلى أن تلقى ربك في يوم عسير ليسألك عن كل نفس أزهقتها وعن كل قطرة دم أسلتها وعن كل ريال نهبته.